
وَقَالَ ابْنُ أَبِي حَاتِمٍ: حَدَّثَنَا أَبُو زُرْعَةَ، حَدَّثَنَا يَحْيَى بْنُ الْمُغِيرَةِ، حَدَّثَنَا جَرِيرٌ عَنْ أَشْعَثَ عَنْ جَعْفَرٍ عَنْ سَعِيدِ بْنِ جُبَيْرٍ فِي قَوْلِهِ تَعَالَى: وَيَحْمِلُ عَرْشَ رَبِّكَ فَوْقَهُمْ يَوْمَئِذٍ ثَمانِيَةٌ قَالَ:
ثَمَانِيَةُ صُفُوفٍ مِنَ الْمَلَائِكَةِ قَالَ: وَرُوِيَ عَنِ الشَّعْبِيِّ وَعِكْرِمَةَ وَالضَّحَّاكِ وَابْنِ جُرَيْجٍ مِثْلُ ذَلِكَ، وَكَذَا رَوَى السُّدِّيُّ عَنْ أَبِي مَالِكٍ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ: ثَمَانِيَةُ صُفُوفٍ، وَكَذَا رَوَى الْعَوْفِيُّ عَنْهُ، وَقَالَ الضَّحَّاكُ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ: الْكَرُوبِيُّونَ ثمانية أجزاء كل جزء مِنْهُمْ بِقَدْرِ الْإِنْسِ وَالْجِنِّ وَالشَّيَاطِينِ وَالْمَلَائِكَةِ.
وَقَوْلُهُ تعالى: يَوْمَئِذٍ تُعْرَضُونَ لا تَخْفى مِنْكُمْ خافِيَةٌ أَيْ تُعْرَضُونَ عَلَى عَالِمِ السِّرِّ وَالنَّجْوَى الَّذِي لَا يَخْفَى عَلَيْهِ شَيْءٌ مِنْ أُمُورِكُمْ بَلْ هُوَ عَالِمٌ بِالظَّوَاهِرِ وَالسَّرَائِرِ وَالضَّمَائِرِ، وَلِهَذَا قَالَ تعالى: لَا تَخْفى مِنْكُمْ خافِيَةٌ وَقَدْ قَالَ ابْنُ أَبِي الدُّنْيَا: أَخْبَرَنَا إِسْحَاقُ بْنُ إِسْمَاعِيلَ، أَخْبَرَنَا سُفْيَانُ بْنُ عُيَيْنَةَ عَنْ جَعْفَرِ بْنِ بُرْقَانَ عَنْ ثَابِتِ بْنِ الْحَجَّاجِ قَالَ: قَالَ عُمَرُ بْنُ الْخَطَّابِ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ: حَاسِبُوا أَنْفُسَكُمْ قَبْلَ أَنْ تَحَاسَبُوا وَزِنُوا أَنْفُسَكُمْ قَبْلَ أَنْ تُوزَنُوا، فَإِنَّهُ أَخَفُّ عَلَيْكُمْ فِي الْحِسَابِ غَدًا أَنْ تُحَاسِبُوا أَنْفُسَكُمُ الْيَوْمَ وَتَزَيَّنُوا لِلْعَرْضِ الْأَكْبَرِ يَوْمَئِذٍ تُعْرَضُونَ لَا تَخْفى مِنْكُمْ خافِيَةٌ.
وَقَالَ الْإِمَامُ أَحْمَدُ «١» : حَدَّثَنَا وَكِيعٌ، حَدَّثَنَا عَلِيُّ بْنُ عَلِيِّ بْنِ رَفَاعَةَ عَنِ الْحَسَنِ عَنْ أَبِي مُوسَى قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «يُعْرَضُ النَّاسُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ ثَلَاثَ عَرَضَاتٍ، فَأَمَّا عَرْضَتَانِ فَجِدَالٌ وَمَعَاذِيرُ، وَأَمَّا الثَّالِثَةُ فَعِنْدَ ذَلِكَ تَطِيرُ الصُّحُفُ فِي الْأَيْدِي فَآخِذٌ بِيَمِينِهِ وَآخِذٌ بِشِمَالِهِ» «٢» وَرَوَاهُ ابْنُ مَاجَهْ عَنْ أَبِي بَكْرِ بْنِ أَبِي شَيْبَةَ عَنْ وَكِيعٍ بِهِ وَقَدْ رَوَاهُ التِّرْمِذِيُّ عَنْ أَبِي كُرَيْبٍ عَنْ وَكِيعٍ عَنْ عَلِيِّ بْنِ عَلِيٍّ عَنِ الحسن عن أبي هريرة بِهِ، وَقَدْ رَوَى ابْنُ جَرِيرٍ «٣» عَنْ مُجَاهِدِ بْنِ مُوسَى عَنْ يَزِيدَ عَنْ سُلَيْمَانَ بْنِ حَيَّانَ عَنْ مَرْوَانَ الْأَصْغَرِ عَنْ أَبِي وَائِلٍ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ قَالَ: يُعْرَضُ النَّاسُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ ثَلَاثَ عَرَضَاتٍ: عَرْضَتَانِ مَعَاذِيرُ وَخُصُومَاتٌ، وَالْعَرْضَةُ الثالثة تَطِيرُ الصُّحُفُ فِي الْأَيْدِي فَآخِذٌ بِيَمِينِهِ وَآخِذٌ بشماله، وَرَوَاهُ سَعِيدُ بْنُ أَبِي عَرُوبَةَ عَنْ قَتَادَةَ مُرْسَلًا مثله.
[سورة الحاقة (٦٩) : الآيات ١٩ الى ٢٤]
فَأَمَّا مَنْ أُوتِيَ كِتابَهُ بِيَمِينِهِ فَيَقُولُ هاؤُمُ اقْرَؤُا كِتابِيَهْ (١٩) إِنِّي ظَنَنْتُ أَنِّي مُلاقٍ حِسابِيَهْ (٢٠) فَهُوَ فِي عِيشَةٍ راضِيَةٍ (٢١) فِي جَنَّةٍ عالِيَةٍ (٢٢) قُطُوفُها دانِيَةٌ (٢٣)
كُلُوا وَاشْرَبُوا هَنِيئاً بِما أَسْلَفْتُمْ فِي الْأَيَّامِ الْخالِيَةِ (٢٤)
يُخْبِرُ تَعَالَى عَنْ سَعَادَةِ مَنْ يؤتى كِتَابَهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ بِيَمِينِهِ وَفَرَحِهِ بِذَلِكَ، وَأَنَّهُ مِنْ شِدَّةِ فَرَحِهِ يَقُولُ لِكُلِّ مَنْ لَقِيَهُ هاؤُمُ اقْرَؤُا كِتابِيَهْ أي خذوا اقرءوا كِتَابِيَهْ لِأَنَّهُ يَعْلَمُ أَنَّ الَّذِي فِيهِ خَيْرٌ وَحَسَنَاتٌ مَحْضَةٌ، لِأَنَّهُ مِمَّنْ بَدَّلَ اللَّهُ سَيِّئَاتِهِ حَسَنَاتٍ. قَالَ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ زَيْدٍ: مَعْنَى
(٢) أخرجه الترمذي في القيامة باب ٤، وابن ماجة في الزهد باب ٣٣.
(٣) تفسير الطبري ١٢/ ٢١٧.

هاؤُمُ اقْرَؤُا كِتابِيَهْ أي ها اقرءوا كتابيه وؤم زَائِدَةٌ كَذَا قَالَ، وَالظَّاهِرُ أَنَّهَا بِمَعْنَى هَاكُمْ.
وَقَدْ قَالَ ابْنُ أَبَى حَاتِمٍ: حَدَّثَنَا بِشْرُ بْنُ مَطَرٍ الْوَاسِطِيُّ، حَدَّثَنَا يَزِيدُ بْنُ هَارُونَ، أَخْبَرَنَا عَاصِمٌ الْأَحْوَلُ عَنْ أَبِي عُثْمَانَ قَالَ: الْمُؤْمِنُ يُعْطَى كِتَابَهُ بِيَمِينِهِ فِي سِتْرٍ مِنَ اللَّهِ فَيَقْرَأُ سَيِّئَاتِهِ، فَكُلَّمَا قَرَأَ سَيِّئَةً تَغَيَّرَ لَوْنُهُ حَتَّى يَمُرَّ بِحَسَنَاتِهِ فَيَقْرَؤُهَا فَيَرْجِعُ إِلَيْهِ لَوْنُهُ، ثُمَّ يَنْظُرُ فَإِذَا سَيِّئَاتُهُ قَدْ بُدِّلَتْ حسنات، قال: فعند ذلك يقول: هاؤُمُ اقْرَؤُا كِتابِيَهْ. وَحَدَّثَنَا أَبِي، حَدَّثَنَا إِبْرَاهِيمُ بْنُ الْوَلِيدِ بْنِ سَلَمَةَ، حَدَّثَنَا رَوْحُ بْنُ عُبَادَةَ، حَدَّثَنَا مُوسَى بْنُ عُبَيْدَةَ، أَخْبَرَنِي عَبْدُ اللَّهِ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ حَنْظَلَةَ غَسِيلِ الْمَلَائِكَةِ قَالَ: إن الله يوقف عبده يوم القيامة فيبدي أي يظهر سَيِّئَاتِهِ فِي ظَهْرِ صَحِيفَتِهِ فَيَقُولُ لَهُ أَنْتَ عَمِلْتَ هَذَا، فَيَقُولُ نَعَمْ أَيْ رَبِّ، فَيَقُولُ لَهُ إِنِّي لَمْ أَفْضَحْكَ بِهِ وَإِنِّي قَدْ غفرت لك فيقول عند ذلك هاؤُمُ اقْرَؤُا كِتابِيَهْ إِنِّي ظَنَنْتُ أَنِّي مُلاقٍ حِسابِيَهْ حِينَ نجا من فضيحته يَوْمَ الْقِيَامَةِ.
وَقَدْ تَقَدَّمَ فِي الصَّحِيحِ حَدِيثُ ابْنِ عُمَرَ حِينَ سُئِلَ عَنِ النَّجْوَى فَقَالَ: سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وسلم يَقُولُ: «يُدْنِي اللَّهُ الْعَبْدَ يَوْمَ الْقِيَامَةِ فَيُقَرِّرُهُ بِذُنُوبِهِ كُلِّهَا حَتَّى إِذَا رَأَى أَنَّهُ قَدْ هلك قال الله تعالى إِنِّي سَتَرْتُهَا عَلَيْكَ فِي الدُّنْيَا وَأَنَا أَغْفِرُهَا لَكَ الْيَوْمَ، ثُمَّ يُعْطَى كِتَابَ حَسَنَاتِهِ بِيَمِينِهِ، وَأَمَّا الْكَافِرُ وَالْمُنَافِقُ فَيَقُولُ الْأَشْهَادِ هَؤُلَاءِ الَّذِينَ كَذَبُوا عَلَى رَبِّهِمْ أَلَا لَعْنَةُ اللَّهِ عَلَى الظالمين» «١» وقوله تعالى: إِنِّي ظَنَنْتُ أَنِّي مُلاقٍ حِسابِيَهْ أَيْ قَدْ كُنْتُ مُوقِنًا فِي الدُّنْيَا أَنَّ هَذَا الْيَوْمَ كائن لا محالة كما قال تعالى: الَّذِينَ يَظُنُّونَ أَنَّهُمْ مُلاقُوا رَبِّهِمْ [البقرة: ٤٦] قال الله تعالى: فَهُوَ فِي عِيشَةٍ راضِيَةٍ أَيْ مُرْضِيَّةٍ فِي جَنَّةٍ عالِيَةٍ أَيْ رَفِيعَةٌ قُصُورُهَا، حِسَانٌ حُورُهَا، نَعِيمَةٌ دُورُهَا، دَائِمٌ حُبُورُهَا.
قَالَ ابْنُ أَبِي حَاتِمٍ: حَدَّثَنَا أَبِي، حَدَّثَنَا أَبُو عُتْبَةَ الْحَسَنُ بْنُ عَلِيِّ بْنِ مُسْلِمٍ السَّكُونِيُّ، حَدَّثَنَا إِسْمَاعِيلُ بْنُ عَيَّاشٍ عَنْ سَعِيدِ بْنِ يُوسُفَ عَنْ يَحْيَى بْنِ أَبِي كَثِيرٍ عَنْ أَبِي سَلَّامٍ الْأَسْوَدِ قَالَ:
سَمِعْتُ أَبَا أُمَامَةَ قَالَ: سَأَلَ رَجُلٌ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: هَلْ يَتَزَاوَرُ أَهْلُ الْجَنَّةِ؟ قَالَ «نَعَمْ إِنَّهُ لَيَهْبِطُ أَهْلُ الدَّرَجَةِ الْعُلْيَا إِلَى أَهْلِ الدَّرَجَةِ السُّفْلَى فَيُحَيُّونَهُمْ وَيُسَلِّمُونَ عَلَيْهِمْ، وَلَا يَسْتَطِيعُ أَهْلُ الدَّرَجَةِ السُّفْلَى يَصْعَدُونَ إِلَى الْأَعْلَيْنَ تَقْصُرُ بِهِمْ أَعْمَالُهُمْ». وَقَدْ ثَبَتَ فِي الصَّحِيحِ «إِنَّ الْجَنَّةَ مِائَةُ دَرَجَةٍ مَا بَيْنَ كُلِّ دَرَجَتَيْنِ كَمَا بَيْنَ السَّمَاءِ والأرض» «٢». وقال تعالى: قُطُوفُها دانِيَةٌ قَالَ الْبَرَاءُ بْنُ عَازِبٍ: أَيْ قَرِيبَةٌ يَتَنَاوَلُهَا أَحَدُهُمْ وَهُوَ نَائِمٌ عَلَى سَرِيرِهِ، وكذا قال غير واحد.
قال الطبراني عَنْ عَبْدُ الرَّزَّاقِ عَنْ سُفْيَانَ الثَّوْرِيِّ عَنْ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ زِيَادِ بْنِ أنْعُمٍ عَنْ عَطَاءِ بْنِ يَسَارٍ عَنْ سَلْمَانَ الْفَارِسِيِّ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «لا يدخل أحد الجنة إلا بجواز:
(٢) أخرجه أحمد في المسند ٤/ ٢٣٥.