
قال المبرد: أي شديدة، وكبيرة، وأصله من الزيادة (١).
وقال الزجاج: معنى رأبية: تزيد على الأحْداث (٢).
وقال صاحب النظم: بالغة في الشدة، يقال: ربا الشيء يربُو: إذا زاد وتضاعف.
١١ - قوله: ﴿إِنَّا لَمَّا طَغَى الْمَاءُ﴾ قال الكلبي عن ابن عباس: يعني: زمن نوح طغى الماء على خزانه، وكثر عليهم، فلم يدروا كم خرج، وليس من السماء قطرة قبله ولا بعده إلا بكيل معلوم غير ذلك اليوم (٣).
فذهب -هاهنا- كما ذكر في قوله: ﴿عَاتِيَةٍ﴾.
وروي عن سعيد بن جبير أنه قال: غضب الماء لغضب (٤) الرب، وطغى على الخزان (٥).
وسائر المفسرين قالوا في: ﴿طَغَى الْمَاءُ﴾ تجاوز حده، وخرج عن
(٢) "معاني القرآن وإعرابه" ٥/ ٢١٥ بنصه.
(٣) ورد قوله في "النكت والعيون" ٦/ ٧٩، وأورده الفخر عن الكلبي في "التفسير الكبير" ٣٠/ ١٠٣.
(٤) في (أ): بغضب.
(٥) "جامع البيان" ٣٠/ ٥٤، و"الدر المنثور" ٨/ ٢٦٧، وعزاه إلى ابن المنذر، وأبي الشيخ. وانظر: "تفسير سعيد بن جبير" تحقيق إبراهيم النجار ٣٥٢. والرواية عند الطبري على النحو الآتي عن سعيد بن جبير في قوله: ﴿إِنَّا لَمَّا طَغَى الْمَاءُ حَمَلْنَاكُمْ فِي الْجَارِيَةِ (١١)﴾ قال: لم تنزل من السماء قطرة إلا بعلم الخزَّان، إلا حيث طغى الماء، فإنه قد غضب لغضب الله فطغى على الخزان، خرج ما لا يعلمون ما هو.
والرواية عن سعبد بن جبير مرسلة ضعيفة السند لوجود ابن حميد، قال عنه الحافظ ابن حجر: ضعيف "التقريب" ٢/ ١٥٦ - ١٥٩.

(الحد حتى علا كل شيء، وارتفع فوقه بخمسة عشر ذراعًا. (١) وهو قول: قتادة (٢)، ومقاتل (٣).
وقوله: ﴿حَمَلْنَاكُمْ﴾ أي حملنا آباءكم) (٤) وأنتم في أصلابهم، والذين خوطبوا بهذا (٥) ولد الذين حملوا، وهذا كقوله: ﴿وَآيَةٌ لَهُمْ أَنَّا حَمَلْنَا ذُرِّيَّتَهُمْ﴾ [يس: ٤١] (٦) الآية (٧). وهذا معنى قول مقاتل (٨)، والكلبي (٩).
وقوله: ﴿فِي الْجَارِيَةِ﴾ يعني في السفينة التي تجري في الماء، وهي سفينة نوح عليه السلام، و"الجارية" من أسماء السفينة (١٠)، ومنه قوله: ﴿وَلَهُ الْجَوَارِ﴾
(٢) ورد قوله في "تفسير مقاتل" ٢٠٧/ أ، و"تفسير القرآن" لعبد الرزاق ٢/ ٣١٢، و"جامع البيان" ٢٩/ ٥٤، و"الكشف والبيان" ١٢/ ١٧٦/ أ، و"القرطبي" ١٨/ ٢٦٣، و"الدر المنثور" ٨/ ٢٦٧، وعزاه إلى عبد الرزاق، وعبد بن حميد، وابن المنذر.
(٣) لم أعثر على مصدر لقوله، وقد ورد مثل قوله من غير نسبة في "معالم التنزيل" ٤/ ٣٨٧، و"زاد المسير" ٨/ ٨١.
(٤) ما بين القوسين ساقط من (أ).
(٥) في (ع): هذا.
(٦) وردت في النسختين ذرياتهم.
(٧) الآية ساقطة من (أ).
(٨) "تفسير مقاتل" ٢٠٧/ أ.
(٩) لم أعثر على مصدر لقوله.
وقد ورد عند الطبري بنحو هذا القول من غير عزو؛ مذكور بصيغة التضعيف قيل. انظر: "جامع البيان" ٢٩/ ٥٥.
(١٠) وهو قول ابن عباس، وابن زيد أيضًا. "جامع البيان" ٢٩/ ٥٤. قال ابن عاشور و"الجارية" صفة لمحذوف، وهو السفينة، وقد شاع هذا الوصف حتى صار بمنزلة الاسم. "تفسير التحرير والتنوير" ٢٩/ ١٢٣.

[الرحمن: ٢٤]، وقد مر (١).
قوله: ﴿لِنَجْعَلَهَا﴾ قال الفراء: النجعل السفينة لكم تذكرة وعظة) (٢)، وليس هذا بالوجه، والوجه ما قال أبو إسحاق: لنجعل تلك الفعلة من إغراق قوم نوح، ونجاة من آمن معه تذكرة لكم (٣)، أي عبرة وموعظة.
ويدل على صحة هذا الوجه قوله: ﴿وَتَعِيَهَا أُذُنٌ وَاعِيَةٌ﴾.
قال ابن عباس: تحفظها، وتسمعها أذن حَافظةٌ لما جاء من عند الله (٤). والسفينة لا توصف بهذا.
(ويقال لكل شيء حفظته في نفسك: قدْ وَعَيْتُهُ، ووعيت العِلمَ، وَوَعَيْتُ ما قلت، ويقال لكل ما حفظته في غير نفسك: أوْعَيْتُهُ، يقال: أوعيت المتاعَ في الوعاء (٥).
(٢) "معاني القرآن" ٣/ ١٨١ بنصه.
(٣) انظر: "معاني القرآن وإعرابه" ٥/ ٢١٥، نقله عنه الواحدي بتصرف.
(٤) "جامع البيان" ٢٩/ ٥٥ بمعناه. قال: حافظف وانظر: "النكت" ٦/ ٨٠. وقال أيضًا سامعة، وذلك الإعلان.
وعن قتادة بنحوه، قال أذن عقلت عن الله فانتفعت بما سمعت من كتاب الله. المرجع نفسه. وعن الضحاك أيضًا بمعناه، وعن ابن زيد. انظر المرجع نفسه. قال ابن عاشور: والوعي: العلم بالمسموعات، أي ولتعلم خبرها أذن موصوفة بالوعي، أي من شأنها أن تعي. وهذا تعريض بالمشركين إذ لم يتعظوا بخبر الطوفان، والسفينة التي نجا بها المؤمنون، فتلقوه كما يتلقون القصص الفكاهية. "تفسير التحرير والتنوير" ٢٩/ ١٢٣.
(٥) انظر: "معاني القرآن وإعرابه" ٥/ ٢١٥ - ٢١٦ نقله الواحدي عن الزجاج بتصرف. وراجع مادة: (وعى) في "تهذيب اللغة" ٣/ ٣٥٩ - ٣٦٠، و"معجم مقاييس اللغة" ٦/ ١٢٤، و"لسان العرب" ١٥/ ٣٩٦

ومنه قول الشاعر (١):
وَالشَّرُّ أخْبَثُ مَا أوْعَيْتَ مِنْ زَادِ (٢)
وقال أبو عِمْران الجوني (٣): ﴿أُذُنٌ وَاعِيَةٌ﴾ أذن عقلت (٤) عن الله (٥).
وقال قتادة: أذن سمعت، وعقلت ما سمعت (٦)، وأوعت (٧).
قال الفراء: لتحفظها كل أذن (٨)، فتكون عظة لمن يأتي بَعْدُ (٩).
وقال أبو إسحاق: (معناه: ليحفظ السَّامعُ ما يَسْمع، ويعمل به) (١٠).
فمعنى واعية: سامعة حافظة قابلة لما يجعل فيها، وذلك بأن تعتبر،
(٢) وصد ره:
الخَيْرُ يَبْقَى وإنْ طالَ الزَّمانُ بِهِ
وقد ورد في "ديوانه" ١٥، دار صادر، كما ورد منسوبًا له في "الصحاح" للجوهري ٦/ ٢٥٢٥، (وعى)، و"لسان العرب" ١٥/ ٣٩٧، و"تاج العروس" للزبيدي ١٠/ ٣٩٣، وورد غير منسوب في "معجم مقاييس اللغة" ٦/ ١٢٤، و"الكامل" للمبرد ١/ ١٤٣، و"معاني القرآن" للأخفش ٢/ ٧١٣.
(٣) في (أ): الحولاني.
(٤) غير مقروءة في (ع).
(٥) ورد قوله في "المحرر الوجيز" ٥/ ٣٥٨.
(٦) بياض في (ع).
(٧) في (أ): وأودعت. وورد قوله هذا في "تفسير عبد الرزاق" ٢/ ٣١٣، و"جامع البيان" ٢٩/ ٥٥ بنحوه، و"النكت" ٦/ ٨٠، و"معالم التنزيل" ٤/ ٣٨٧ بنحوه، و"الجامع لأحكام القرآن" ١٨/ ٣٦٣ - ٣٦٤ بمعناه، و"البحر المحيط" ٨/ ٣٢٢، و"الدر المنثور" ٨/ ٢٦٨، وعزاه إلى عبد الرزاق، وعبد بن حميد.
(٨) بياض في (ع).
(٩) "معاني القرآن" ٣/ ١٨١ بنصه.
(١٠) "معاني القرآن وإعرابه" ٥/ ٢١٥ بنصه.

وتعمل بالموعظة، والمعنى لصاحب الأذن.
قال أهل المعاني: ووجه التذكير في هذا أن نجاة قوم نوح من الغرق بالسفينة، وتغريق مَنْ سواهم يقتضي مدبرًا (١) قادرًا على ما شاء (٢). وقراءة العامة: ﴿وَتَعِيَهَا﴾ بكسر العين (٣).
وروي عن ابن كثير: (وتَعْيَها) ساكنة العين (٤)، كأن حرف المضارعة (٥) مع مَا بَعْدَهُ بمنزلة (فَخْذٍ) فأسْكن كما يُسكن (كتِف) ونحوه؛ لأن حروف المضارعة لا تنفصل من الفعل، فأشبه ما هو من نفس الكلمة، وصار كقول من قال: وَهْوَ، وَهْيَ. ومثل ذلك قوله: ﴿وَيَتَّقْهِ﴾ [النور: ٥٢] في قراءة من سكن القاف (٦)، وقد سبق الكلام في نحو هذا (٧).
(٢) لم أعثر على مصدر لقولهم.
(٣) وهم: نافع المدني، وابن كثير المكي، وأبو عمرو بن العلاء، وابن عامر الدمشقي، وعاصم بن أبي النجود الكوفي، وحمزة بن حبيب الزيات، وأبو الحسن علي بن حمزة الكسائي، وأبو جعفر يزيد بن القعقاع، ويعقوب الحضرمي، وخلف ابن هشام البزاز. انظر كتاب: "السبعة" لابن مجاهد: ٦٤٨، و"الحجة" ٦/ ٣١٦، و"المبسوط في القراءات العشر" للأصبهاني ٣٧٩، و"تحبير التيسير في قراءة الأئمة العشرة" لابن الجزري ١٩٢.
(٤) وهي رواية القواس عن ابن كثير. انظر: "الحجة" ٦/ ١٣٥، كتاب السبعة ٦٤٨، و"المبسوط" ٣٧٩. وقال ابن الجزري في قراءة: ﴿وَتَعِيَهَا﴾ وجاء عن ابن كثير وعاصم وحمزة في ذلك ما لا يصح. قلت: وهذا رأي لابن الجزري لا يعارض بما أثبت في كتاب "الحجة" من صحة القراءة، والله أعلم. انظر: "تحبير التيسير" ١٩٢، و"مختصر في شواذ القرآن" لابن خالويه ١٦١.
(٥) بياض في (ع).
(٦) انظر: "الحجة": ٦/ ٣١٦ بتصرف، وانظر: "التفسير الكبير" ٣٠/ ١٠٧.
(٧) ومما جاء في قراءة: ﴿وَيَتَّقْهِ﴾ بسكون القاف، وكسر الهاء مختلسة، وهي قراءة =