آيات من القرآن الكريم

فَعَصَوْا رَسُولَ رَبِّهِمْ فَأَخَذَهُمْ أَخْذَةً رَابِيَةً
ﮱﯓ ﯕﯖﯗﯘ ﯚﯛﯜﯝ ﯟﯠﯡﯢ ﯤﯥﯦﯧﯨﯩ ﯫﯬﯭﯮﯯﯰﯱﯲﯳﯴﯵﯶﯷﯸﯹﯺ ﯼﯽﯾﯿﰀ ﭑﭒﭓﭔﭕﭖ ﭘﭙﭚﭛﭜﭝ ﭟﭠﭡﭢﭣﭤﭥ

بسم الله الرحمن الرحيم

سورة الحاقة
مكية
قوله تعالى: ﴿الحاقة * مَا الحآقة﴾ إلى قوله: ﴿فِي الجارية﴾.
كأن الأصل: الحاقة، ما هي؟ لتقدم ذكرها، إلا أن إعادة الاسم بلفظه أفخم إذا لم يُشْكِل المعنى.
و" الحاقة " ابتداء، و " ما " ابتداء ثان، و " الحاقة ": حبر " ما "، و " ما " وخبرها خبر عن " الحاقة " الأولى، ومثله: ﴿القارعة * مَا القارعة﴾. ومعنى الكلام أنه على التعظيم، والتقدير: الساعة الحاقة: أي: شيء هي!، ما أعظمها وأجلها وأشدها.
ومعنى الحاقة: التي تحق فيها الأمور ويجب فيها الجزاء على الأعمال.

صفحة رقم 7659

قال ابن عباس: " الحاقة اسم من أسماء القيامة، عظمه الله وحذره عباده ".
وقال قتادة: الحاقة: القيامة حقت لكل عامل ما عمله.
- ثم قال تعالى: ﴿وَمَآ أَدْرَاكَ مَا الحاقة﴾.
أي: واي شيء يدرك ويعرفك أي شيء الحاقة؟! [وهذا] كله تعظيم ليوم القيامة.
- ثم قال تعالى: ﴿كَذَّبَتْ ثَمُودُ وَعَادٌ بالقارعة﴾.
أي: كذبت ثمود قوم صالح، وعاد قوم هود بالساعة التي تقرع قلوب العباد بهجومها عليهم.
قال ابن عباس: ﴿بالقارعة﴾: بيوم القيامة.
وقال قتادة: بالساعة.
- ثم قال تعالى: ﴿فَأَمَّا ثَمُودُ فَأُهْلِكُواْ بالطاغية﴾.

صفحة رقم 7660

أي: بطغيانهم وكفرهم بالله وباليوم الآخر.
قال مجاهد: ﴿بالطاغية﴾ بالذنوب.
قال ابن زيد: ﴿بالطاغية﴾ بطغيانهم، واستدل على ذلك بقوله: ﴿كَذَّبَتْ ثَمُودُ بِطَغْوَاهَآ﴾ [الشمس: ١١] بالصيحة، كأنها صيحة تجاوزت مقادير الصياح فطغت عليهم. وهو اختيار الطبري؛ لأن الله إنما أخبر عن يموج بالمعنى الذي أهلكوا به لا الذي أهلكوا من أجله (ودليل ذلك/ إخباره تعالى عن عاد بالمعنى الذي أهلكوا به وهو الريح ولم يخبر بالذي هلكوا من أجله).
وقيل: المعنى: بالفئة الطاغية.
(وقيل): بالفعلة الطاغية.

صفحة رقم 7661

وقيل: بالجماعة الطاغية.
وقيل: المعنى: بالأخذة الطاغية. وسميت الآخذة طاغية لأنها جاوزت القدر في الشدّة. فالمعنى: فأهلكوا بالأخذة التي جاوزت القدر [فطغت عليهم]. دليله: قوله في عاد: ﴿بِرِيحٍ صَرْصَرٍ عَاتِيَةٍ﴾، فذكر الشيء [الذي] أهلكوا من أجله، فإنما وصف العذاب الذي أُهْلِكَ به الطائفتان، فهو ظاهر اللفظ وكُلُّ قَدْ قِيل.
- وقوله: ﴿عَاتِيَةٍ﴾.
ليس (هو) من العتو الذي هو العصيان، إنما هو من العتو الذي هو بلوغ

صفحة رقم 7662

الشيء وانتهاؤه في قوته وقدره، ومن قولهم: عتا: إذا بلغ منتهاه، ومنه قوله: ﴿وَقَدْ بَلَغْتُ مِنَ الكبر عِتِيّاً﴾ [مريم: ٨].
ثم قال تعالى: ﴿وَأَمَا عَادٌ فَأُهْلِكُواْ بِرِيحٍ صَرْصَرٍ عَاتِيَةٍ﴾ إلى قوله: ﴿فِي الجارية﴾.
أي: بريح شديدة العصوف مع شدة بردها.
قال ابن عباس: ﴿عَاتِيَةٍ﴾: أي: " مهلكة باردة عنت عليهم بغير رحمة ولا بركة (دائمة) لا تفتر ".
قال قتادة: " الصرصر: " الباردة، عتت عليهم حتى نقبت عن أفئدتهم.
قال ابن عباس: ما أرسل الله من ريح قط إلا بمكيل، ولا أنزل قطرة إلا بمثقال إلا يوم نوح ويوم عاد، فإن الماء يوم نوح طغى على خَزّنه فلم يكن لهم عليه سبيل، ثم قرأ: ﴿إِنَّا لَمَّا طَغَا المآء حَمَلْنَاكُمْ فِي الجارية﴾، قال: وإن الريح عتت على خَزّانها فلم يكن [لهم]

صفحة رقم 7663

[عليها] من سبيل، وقرأ: ﴿بِرِيحٍ صَرْصَرٍ عَاتِيَةٍ﴾.
وقال علي بن أبي طالب: لم تنزل قطرة من ماء إلا بكيل على يدي مَلك، فلما كان يوم نوح أذِنَ للماء دون الخزَّان، فطغى الماء على الجبال فخرج، فذلك قوله: ﴿إِنَّا لَمَّا طَغَا المآء حَمَلْنَاكُمْ فِي الجارية﴾ إلى قوله: ﴿فِي الجارية﴾، ولم ينزل شيء من الريح إلا بمكيال على يَدَيْ مَلَك إِلاَّ يومَ عاد، فإنه أُذِنَ لَهَا دون الخُزَّان، فخرجت فذلك قوله: ﴿بِرِيحٍ صَرْصَرٍ عَاتِيَةٍ﴾ عتت على الخزان.
قال ابن زيد: " الصرصر [الشديدة]، والعاتية: القاهرة التي عتت عليهم فقهرتهم ".
قال الضحاك: ﴿بِرِيحٍ صَرْصَرٍ﴾ يعني: باردة، ﴿عَاتِيَةٍ﴾ يعني: عتت عليهم بغ ير رحمة ولا بركة.
- ثم قال تعالى: ﴿سَخَّرَهَا عَلَيْهِمْ سَبْعَ لَيَالٍ وَثَمَانِيَةَ أَيَّامٍ حُسُوماً...﴾.

صفحة رقم 7664

أي: سخر تلك الريح على عاد ﴿سَبْعَ لَيَالٍ وَثَمَانِيَةَ أَيَّامٍ حُسُوماً﴾.
قال ابن عباس: ﴿حُسُوماً﴾: " تباعاً ".
وقال مجاهد: متتابعة، [وقاله] عكرمة وقتادة.
(وعن قتادة)؛ متتابعات. وهو قول سفيان.
وقال ابن زيد: ﴿حُسُوماً﴾: تحسم كل شيء فلا تُبْقِي من عاد أحداً.
وذكر ابن زيد عن عاد أنه كان فيهم ثمانية رجال لهم خلق عظيم، فلما جاءتهم الريح قال بعضهم: قوموا بنا نرد على هذا العذاب عن قومنا.
قال: فقاموا وَصَفُّوا في الوادي، فأوحى الله إلى تلك الريح أن تقلع كل يوم

صفحة رقم 7665

منهم واحداً وقرأ: ﴿سَخَّرَهَا عَلَيْهِمْ سَبْعَ لَيَالٍ وَثَمَانِيَةَ أَيَّامٍ حُسُوماً﴾ حتى بلغ ﴿خَاوِيَةٍ﴾.
قال ابن زيد: وإن كانت الريح لتمر بالظعينة فتستدبر بها وبحمولتها ثم [تذهب] بهم في السماء ثم تكبهم على الرؤوس، ثم قرأ: ﴿فَلَمَّا رَأَوْهُ عَارِضاً مُّسْتَقْبِلَ أَوْدِيَتِهِمْ قَالُواْ هذا عَارِضٌ مُّمْطِرُنَا﴾ [الأحقاف: ٢٤].
قال: وكان قد أمسك عنهم المطر، فقرأ حتى بلغ ﴿تُدَمِّرُ كُلَّ شَيْءٍ بِأَمْرِ رَبِّهَا﴾ [الأحقاف: ٢٥] الآية.
قال: وما كانت الريح تقلغ كل يوم من الثمانية إلا واحداً.
[قال]: لفما عذب الله قوم [هود] أبقى واحداً ينذر الناس.

صفحة رقم 7666

والعرب تقول: حسمت الداء أي: قطعته (بمتابعة) العلاج (عليه)، وسيفٌ حسامٌ: أي: قاطعٌ.
وقيل: ﴿حُسُوماً﴾ جمع حاسم، كجالس وجلوس.
وقيل: هو مصدر [أي: ذات] حسوم.
- ثم قال تعالى: ﴿فَتَرَى القوم فِيهَا صرعى...﴾.
أي: فترى يا محمد قوم هود في تلك السبع الليالي والثمانية الأيام الحسوم صرعى قد أهلكوا.
- ﴿كَأَنَّهُمْ أَعْجَازُ نَخْلٍ خَاوِيَةٍ﴾.
أي: كأنهم أصول نخل قد خَوت وتآكَلَتْ.

صفحة رقم 7667

- ثم قال تعالى: -ayah text-primary">﴿فَهَلْ ترى لَهُم مِّن بَاقِيَةٍ﴾.
أي: فهل ترى - يا محمد - لهم من جماعمة باقية.
وقيل: من بقاء.
وقيل: (من) بقية.
- ثم قال تعالى: ﴿وَجَآءَ فِرْعَوْنُ وَمَن قَبْلَهُ والمؤتفكات بِالْخَاطِئَةِ﴾.
أي وجاء فرعون ومن قبله من الأمم الماضية المذكبة بالفعلة الخاطئة.
ومن قرأ بكسر القاف وفتح الباء فمعناه: ومن معه من القِبْطِ.
وقد رد أبو عبيد هذه القراءة لأنه قد كان فيه مؤمنون.
وهذا لا يلزم، لأنه لفظ/ عام معناه الخصوص، أي: ومَن قِبَلَهُ من أهل دينه.

صفحة رقم 7668

- وقوله -ayah text-primary">﴿والمؤتفكات﴾ يعني قوم لوط الذين ائتفكت عليهم مدائِنُهم إذْ أُهْلِكُوا أي: انقلبت عليهم.
قال مجاهد: ﴿بِالْخَاطِئَةِ﴾: " بالخطايا ".
- ثم قال تعالى: ﴿فَعَصَوْاْ رَسُولَ رَبِّهِمْ فَأَخَذَهُمْ أَخْذَةً رَّابِيَةً﴾.
أي: فعصى فرعون وقوم لوط رسول ربهم إليهم، والمعنى: فعصى كل قوم رسول ربهم إليهم.
وقيل: " رسول " هنا بمعنى " رسالة ".
قال ابن عباس: ﴿أَخْذَةً رَّابِيَةً﴾ أي: " شديدة ".
قال ابن زيد: رابية في الشر أي زائدة. ومنه الربا، ومنه: أربى فلان عَليك إذا خذ أكثر من حقه.
- ثم قال تعالى: ﴿إِنَّا لَمَّا طَغَا المآء حَمَلْنَاكُمْ فِي الجارية﴾.

صفحة رقم 7669
الهداية الى بلوغ النهاية
عرض الكتاب
المؤلف
أبو محمد مكي بن أبي طالب حَمّوش بن محمد بن مختار القيسي القيرواني ثم الأندلسي القرطبي المالكي
الناشر
مجموعة بحوث الكتاب والسنة - كلية الشريعة والدراسات الإسلامية - جامعة الشارقة
سنة النشر
1429
الطبعة
الأولى
عدد الأجزاء
1
التصنيف
التفسير
اللغة
العربية