آيات من القرآن الكريم

فَعَصَوْا رَسُولَ رَبِّهِمْ فَأَخَذَهُمْ أَخْذَةً رَابِيَةً
ﭑﭒﭓﭔﭕﭖ ﭘﭙﭚﭛﭜﭝ ﭟﭠﭡﭢﭣﭤﭥ ﭧﭨﭩﭪﭫﭬ ﭮﭯﭰﭱﭲﭳ ﭵﭶﭷﭸﭹﭺ ﭼﭽﭾ ﮀﮁﮂﮃﮄ ﮆﮇﮈﮉﮊﮋﮌﮍﮎﮏ

بسبب الفئة الطاغية، وقال آخرون منهم مجاهد وابن زيد: المعنى بسبب الفعلة الطاغية التي فعلوها. وقال ابن زيد: ما معناه: «الطاغية» مصدر كالعاقبة فكأنه قال بطغيانهم، وقاله أبو عبيدة ويقوي هذا كَذَّبَتْ ثَمُودُ بِطَغْواها [الشمس: ١١] وأولى الأقوال وأصوبها الأول لأنه مناسب لما ذكر في عاد، إذ ذكر فيها الوجه الذي وقع به الهلاك، وعلى سائر الأقوال لا يتناسب الأمران لأن طغيان ثمود سبب والريح لا يناسب ذلك لأنها ليست سبب الإهلاك، بل هي آلة كما في الصيحة، و: «الصرصر» يحتمل أن يكون من الصر أي البرد، وهو قول قتادة، ويحتمل أن يكون من صر الشيء إذا صوت، فقال قوم: صوت الريح صَرْصَرٍ، كأنه يحكي هذين الحرفين. و «العاتية» معناه: الشديدة المخالفة، فكانت الريح عتت على الخزان بخلافها وعتت على قوم عاد بشدتها. وروي عن علي بن أبي طالب وابن عباس أنهما قالا: إنه لم ينزل من السماء قطرة ماء إلا بمكيال على يد ملك ولا هبت ريح إلا كذلك إلا ما كان من طوفان نوح وريح عاد، فإن الله أذن لهما في الخروج دون إذن الخزان. والتسخير: استعمال الشيء باقتدار عليه. وروي أن الريح بدأت بهم صبح يوم الأربعاء لثمان بقين لشوال، وتمادت بهم إلى آخر يوم الأربعاء تكملة الشهر.
وحُسُوماً، قال ابن عباس ومجاهد وعكرمة وقتادة وأبو عبيدة معناه: كاملة تباعا لم يتخللها غير ذلك، وهذه كما تقول العرب ما لقيته حولا محرما، قال الشاعر [طفيل الغنوي] :[الطويل]

عوازب لم تسمع نبوح مقامة ولم تر نارا ثم حول محرم
وقال الخليل: حُسُوماً، أي شؤما ونحسا، وقال ابن زيد: حُسُوماً جمع حاسم كجالس وقاعد، ومعناه أن تلك الأيتام قطعتهم بالإهلاك، ومنه حسم العلل ومنه الحسام. والضمير في قوله فِيها صَرْعى يحتمل أن يعود على دارهم وحلتهم لأن معنى الكلام يقتضيها وإن لم يلفظ بها. قال الثعلبي، وقيل يعود على الريح، وقد تقدم القول في التشبيه ب «أعجاز النخل» في سورة (اقتربت الساعة).
والخاوية: الساقطة التي قد خلت أعجازها بلى وفسادا. ثم وقف تعالى على أمرهم توقيف اعتبار ووعظ بقوله: هل تَرى لَهُمْ مِنْ باقِيَةٍ اختلف المتأولون في: باقِيَةٍ، فقال قوم منهم ابن الأنباري: هي هاء مبالغة كعلامة ونسابة والمعنى من باق. وقال ابن الأنباري أيضا معناه: من فئة باقية وقال آخرون: باقِيَةٍ مصدر فالمعنى من بقاء.
قوله عز وجل:
[سورة الحاقة (٦٩) : الآيات ٩ الى ١٧]
وَجاءَ فِرْعَوْنُ وَمَنْ قَبْلَهُ وَالْمُؤْتَفِكاتُ بِالْخاطِئَةِ (٩) فَعَصَوْا رَسُولَ رَبِّهِمْ فَأَخَذَهُمْ أَخْذَةً رابِيَةً (١٠) إِنَّا لَمَّا طَغَى الْماءُ حَمَلْناكُمْ فِي الْجارِيَةِ (١١) لِنَجْعَلَها لَكُمْ تَذْكِرَةً وَتَعِيَها أُذُنٌ واعِيَةٌ (١٢) فَإِذا نُفِخَ فِي الصُّورِ نَفْخَةٌ واحِدَةٌ (١٣)
وَحُمِلَتِ الْأَرْضُ وَالْجِبالُ فَدُكَّتا دَكَّةً واحِدَةً (١٤) فَيَوْمَئِذٍ وَقَعَتِ الْواقِعَةُ (١٥) وَانْشَقَّتِ السَّماءُ فَهِيَ يَوْمَئِذٍ واهِيَةٌ (١٦) وَالْمَلَكُ عَلى أَرْجائِها وَيَحْمِلُ عَرْشَ رَبِّكَ فَوْقَهُمْ يَوْمَئِذٍ ثَمانِيَةٌ (١٧)
وقرأ ابن كثير ونافع وعاصم وابن عامر وحمزة وأبو جعفر وشيبة وأبو عبد الرحمن والناس: «من قبله»

صفحة رقم 357

بفتح القاف وسكون الباء أي الأمم الكافرة التي كانت قبله، ويؤيد ذلك ذكره قصة نوح في طغيان الماء لأن قوله: مَنْ قَبْلَهُ، قد تضمنه فحسن اقتضاب أمرهم بعد ذلك دون تصريح. وقال أبو عمرو والكسائي وعاصم في رواية أبان والحسن بخلاف عنه وأبو رجاء والجحدري وطلحة: «ومن قبله»، بكسر القاف وفتح الباء أي أجناده وأهل طاعته ويؤيد ذلك أن في مصحف أبيّ بن كعب: «وجاء فرعون ومن معه»، وفي حرف أبي موسى: «ومن تلقاءه». وقرأ طلحة بن مصرف: «ومن حوله». وقبل الإنسان: ما يليه في المكان وكثر استعمالها حتى صارت بمنزلة عندي وفي ذمتي وما يليني بأي وجه وليني. و: الْمُؤْتَفِكاتُ قرى قوم لوط، وكانت أربعا فيما روي، وائتفكت: قلبت وصرفت عاليها سافلها فائتفكت هي فهي مؤتفكة، وقرأ الحسن هنا: «والمؤتفكة» على الإفراد، و «الخاطئة» : إما أن تكون صفة لمحذوف كأنه قال بالفعل الخاطئة، وإما أن يريد المصدر، أي بالخطأ في كفرهم وعصيانهم. وقوله تعالى: فَعَصَوْا رَسُولَ رَبِّهِمْ يحتمل أن يكون الرسول: اسم جنس كأنه قال: فعصا هؤلاء الأقوام والفرق أنبياء الله الذين أرسلهم إليهم، ويحتمل أن يكون الرسول بمعنى: الرسالة، وقال الكلبي: يعني موسى، وقال غيره في كتاب الثعلبي:
يعني لوطا والرابية: النامية التي قد عظمت جدا، ومنه ربا المال، ومنه الربا، ومنه اهتزت وربت. ثم عدد تعالى على الناس نعمته في قوله: إِنَّا لَمَّا طَغَى الْماءُ الآية، والمراد: طَغَى الْماءُ في وقت الطوفان الذي كان على قوم نوح. والطغيان: الزيادة على الحدود المتعارفة في الأشياء، ومعناه طغا على خزانه في خروجه وعلى البشر في أن أغرقهم، قال قتادة: علا على كل شيء خمسة عشر ذراعا، والْجارِيَةِ:
السفينة، والضمير في لِنَجْعَلَها
عائد على الفعلة أي من يذكرها ازدجر، ويحتمل أن يعود على الْجارِيَةِ، أي من سمعها اعتبر. والْجارِيَةِ يراد بها سفينة نوح قاله منذر، وقال المهدوي: المعنى في السفن الجارية، وقال قتادة: أبقى الله تعالى تلك السفينة حتى رأى بعض عيدانها أوائل هذه الأمة وغيرها من السفن التي صنعت بعدها قد صارت رمودا. وقوله تعالى: وَتَعِيَها أُذُنٌ واعِيَةٌ
عبارة عن الرجل الفهم المنور القلب، الذي يسمع القول فيتلقاه بفهم وتدبر. قال أبو عمران الجوني: واعِيَةٌ
عقلت عن الله عز وجل. ويروى أن رسول الله ﷺ قال لعلي بن أبي طالب رضي الله عنه:
«إني دعوت الله تعالى أن يجعلها أذنك يا علي». قال علي: فما سمعت بعد ذلك شيئا فنسيته. وقرأ الجمهور: «تعيها» بكسر العين على وزن تليها. وقرأ ابن كثير في رواية الحلواني وقنبل وابن مصرف:
«وتعيها» بسكون العين جعل التاء التي هي علامة في المضارع بمنزلة الكاف من كتف إذ حرف المضارع لا يفارق الفعل فسكن تخفيفا كما يقال: كتف ونحو هذا قول الشاعر:
قالت سليمى اشتر لنا سويقا على أن هذا البيت منفصل، فهو أبعد لكن ضرورة الشعر تسامح به، ثم ذكر تعالى أمر القيامة، و «الصور» : القرن الذي ينفخ فيه، قال سليمان بن أرقم: بلغني أن رسول الله ﷺ سئل عن الصُّورِ فقال: «هو قرن من نور فمه أوسع من السماوات»، والنفخة المشار إليها في هذه الآية، نفخة القيامة التي للفزع ومعها يكون الصعق، ثم نفخة البعث، وقيل: هي نفخات ثلاثة: نفخة الفزع ونفخة الصعق ثم نفخة البعث، والإشارة بآياتنا هذه إلى نفخة الفزع، لأن حمل الجبال هو بعدها. وقرأ

صفحة رقم 358
المحرر الوجيز فى تفسير الكتاب العزيز
عرض الكتاب
المؤلف
أبو محمد عبد الحق بن غالب بن عبد الرحمن بن تمام بن عطية الأندلسي المحاربي
تحقيق
عبد السلام عبد الشافي محمد
الناشر
دار الكتب العلمية - بيروت
سنة النشر
1422 - 2001
الطبعة
الأولى
عدد الأجزاء
1
التصنيف
التفسير
اللغة
العربية