آيات من القرآن الكريم

فَعَصَوْا رَسُولَ رَبِّهِمْ فَأَخَذَهُمْ أَخْذَةً رَابِيَةً
ﮱﯓ ﯕﯖﯗﯘ ﯚﯛﯜﯝ ﯟﯠﯡﯢ ﯤﯥﯦﯧﯨﯩ ﯫﯬﯭﯮﯯﯰﯱﯲﯳﯴﯵﯶﯷﯸﯹﯺ ﯼﯽﯾﯿﰀ ﭑﭒﭓﭔﭕﭖ ﭘﭙﭚﭛﭜﭝ ﭟﭠﭡﭢﭣﭤﭥ ﭧﭨﭩﭪﭫﭬ ﭮﭯﭰﭱﭲﭳ ﭵﭶﭷﭸﭹﭺ ﭼﭽﭾ ﮀﮁﮂﮃﮄ ﮆﮇﮈﮉﮊﮋﮌﮍﮎﮏ

تفسير سورة «الحاقّة»
[وهي] مكّيّة بإجماع
[سورة الحاقة (٦٩) : الآيات ١ الى ٤]

بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ

الْحَاقَّةُ (١) مَا الْحَاقَّةُ (٢) وَما أَدْراكَ مَا الْحَاقَّةُ (٣) كَذَّبَتْ ثَمُودُ وَعادٌ بِالْقارِعَةِ (٤)
قوله عز وجل: الْحَاقَّةُ مَا الْحَاقَّةُ المُرَادُ بالحاقَّةِ: القيامةُ، وهي اسْمُ فاعلٍ مِنْ حَقَّ الشَّيءُ يَحِقُّ لأنَها حَقَّتْ لِكُل عَامِلٍ عملَه، قال ابن عباس وغيره: سُمِّيَت القيامةَ حَاقَّةً لأنَّها تُبْدِي حَقَائِقَ الأشياء «١»، والْحَاقَّةُ: مبتدأ ومَا مبتدأُ ثانٍ، والحاقَّةُ الثانية خَبَرُ مَا والجملةُ خَبَرُ الأُولى، وهذا كما تقول: زَيْدٌ مَا زَيْدٌ على معنى التعظيمِ له، وإبْهام التعظيمِ أيضاً ليتخَيَّلَ السّامِعُ أقْصَى جُهْدَه.
وقوله: وَما أَدْراكَ مَا الْحَاقَّةُ مبالغة في هذا المعنى: أي: أن فيها مَا لَمْ تَدْرِه مِنْ أهْوَالِها، وتَفَاصِيلِ صِفَاتِها، ثم ذكرَ تعالى تكذيبَ ثَمُودَ وَعَادٍ بهذَا الأَمْرِ الذي هو حَقُّ مشيراً إلى أنْ مَنْ كَذَّبَ بِذَلِكَ يَنزلُ به ما نزل بأولئك، والقارعة: من أسماء القيامة أيضاً لأنها تَقْرَعُ القلوبَ بصدمتها.
[سورة الحاقة (٦٩) : الآيات ٥ الى ١٧]
فَأَمَّا ثَمُودُ فَأُهْلِكُوا بِالطَّاغِيَةِ (٥) وَأَمَّا عادٌ فَأُهْلِكُوا بِرِيحٍ صَرْصَرٍ عاتِيَةٍ (٦) سَخَّرَها عَلَيْهِمْ سَبْعَ لَيالٍ وَثَمانِيَةَ أَيَّامٍ حُسُوماً فَتَرَى الْقَوْمَ فِيها صَرْعى كَأَنَّهُمْ أَعْجازُ نَخْلٍ خاوِيَةٍ (٧) فَهَلْ تَرى لَهُمْ مِنْ باقِيَةٍ (٨) وَجاءَ فِرْعَوْنُ وَمَنْ قَبْلَهُ وَالْمُؤْتَفِكاتُ بِالْخاطِئَةِ (٩)
فَعَصَوْا رَسُولَ رَبِّهِمْ فَأَخَذَهُمْ أَخْذَةً رابِيَةً (١٠) إِنَّا لَمَّا طَغَى الْماءُ حَمَلْناكُمْ فِي الْجارِيَةِ (١١) لِنَجْعَلَها لَكُمْ تَذْكِرَةً وَتَعِيَها أُذُنٌ واعِيَةٌ (١٢) فَإِذا نُفِخَ فِي الصُّورِ نَفْخَةٌ واحِدَةٌ (١٣) وَحُمِلَتِ الْأَرْضُ وَالْجِبالُ فَدُكَّتا دَكَّةً واحِدَةً (١٤)
فَيَوْمَئِذٍ وَقَعَتِ الْواقِعَةُ (١٥) وَانْشَقَّتِ السَّماءُ فَهِيَ يَوْمَئِذٍ واهِيَةٌ (١٦) وَالْمَلَكُ عَلى أَرْجائِها وَيَحْمِلُ عَرْشَ رَبِّكَ فَوْقَهُمْ يَوْمَئِذٍ ثَمانِيَةٌ (١٧)
وقوله سبحانه: فَأَمَّا ثَمُودُ فَأُهْلِكُوا بِالطَّاغِيَةِ قال قتادة: معناه: بالصَّيْحَةِ التي خَرَجَتْ عن حدِّ كل صيحةٍ «٢»، وقيل: المعنى بسَبَبِ الفِئَةِ الطاغيةِ، وقيل: بسببِ الفعلة الطاغية، وقال ابن زيد ما معناه: الطاغيةُ مصدرٌ كالعَاقِبة، فكأنه قال بطغيانهم «٣» وقاله أبو
(١) ذكره ابن عطية (٥/ ٣٥٦). [.....]
(٢) ذكره البغوي (٤/ ٣٨٦)، وذكره ابن عطية (٥/ ٣٥٦)، وذكره ابن كثير (٤/ ٤١٢).
(٣) أخرجه الطبري (١٢/ ٢٠٧)، رقم: (٣٤٧٢٢) بنحوه، وذكره ابن عطية (٥/ ٣٥٧).

صفحة رقم 473

عبيدة، وَيُقَوِّي هذا قوله تعالى: كَذَّبَتْ ثَمُودُ بِطَغْواها [الشمس: ١١] وأوْلَى الأقوال وأصوبُها الأوَّلُ، وباقي/ الآيةِ تقدم تفسيرُ نظيرهِ، وما في ذلك من القصص، والعَاتِيَةُ:
معناه الشديدةُ المخالِفَة، فكانت الريحُ قد عَتَتْ على خُزَّانِها بخلافِها، وعلى قومِ عادٍ بشدتها، ورُوِيَ عن عليٍّ وابن عباس أنهما قَالا: لَمْ ينزلْ من السماء قطرةُ ماءٍ قط إلا بمكيالٍ عَلَى يدِ مَلَكٍ، ولا هبتْ ريحٌ إلاَّ كذلك إلاَّ ما كَانَ مِنْ طوفانِ نوحٍ، وريحِ عادٍ، فإنَّ اللَّه أَذِنَ لهما في الخروج دونَ إذن الخزّان «١»، وحُسُوماً: قال ابن عباس وغيره:
معناه كَامِلَةً تِبَاعاً لم يتخللْها غيرُ ذلك «٢»، وقال ابن زيد: حُسُوماً جمعُ حَاسِمٍ، ومعناه أنَّ تلكَ الأَيامَ قطعَتْهُم بالإهلاكِ «٣»، ومنه حَسَمَ العِلَلَ، ومنه الحُسَامُ، والضميرُ في قوله:
فِيها صَرْعى يُحتملُ عُوْدُه على الليالي والأيامِ، ويُحْتَمَلُ عودُه على ديارِهم، وقيل: على الريح، - ص-: «ومن قِبَلَه» النْحويانِ وعاصمٌ في روايةٍ- بكَسْرِ القافِ وفَتْحِ الباء- أي:
أجنادُه وأهلُ طاعتهِ، وقرأ الباقون «٤» :«قَبْلَه» ظَرْفَ زمانٍ، انتهى.
وقوله: بِالْخاطِئَةِ صفةٌ لمحذوفٍ، أي: بالفعلةِ الخاطئةِ، وال «رابية» النَّامِيَة التي قد عَظُمَتْ جِدًّا، ومنه رِبَا المالِ، ومنه اهْتَزَّتْ وَرَبَتْ [ٍالحج: ٥]، ثم عدد تعالى على الناس نعمه في قوله: إِنَّا لَمَّا طَغَى الْماءُ يعني في وقتِ الطوفانِ الذي كانَ على قوم نوح، والْجارِيَةِ سفينةُ نوحٍ قاله منذر بن سعيد «٥»، والضميرُ في: لِنَجْعَلَها
عائِدٌ على الجاريةِ أو على الفعلة.
وقوله تعالى: وَتَعِيَها أُذُنٌ واعِيَةٌ
: عبارةٌ عن الرجلِ الفَهِمِ المُنَوَّرِ القلبِ الذي يسمعُ القرآنَ فيتلقاه بِفَهْمٍ وتدبُّرٍ، قال أبو عمران الجوني: واعِيَةٌ
عَقَلَتْ عَنِ اللَّهِ تعالى، وقال الثعلبيُّ: المعنى: لِتَحْفَظَهَا كلُّ أذُنٍ فتكونَ عِظَةً لِمَنْ يأتي بعدُ، تقول وَعَيْتَ العِلْمَ إذا

(١) أخرجه الطبري (١٢/ ٢٠٧- ٢٠٨)، رقم: (٣٤٧٢٧)، (٣٤٧٢٨) بنحوه، وذكره ابن عطية (٥/ ٣٥٧)، وذكره ابن كثير (٤/ ٤١٣)، وذكره السيوطي في «الدر المنثور» (٦/ ٤٠٥)، وعزاه للفريابي، وعبد بن حميد، وابن جرير عن ابن عبّاس.
(٢) أخرجه الطبري (١٢/ ٢٠٨)، رقم: (٣٤٧٣٢) بنحوه، وذكره ابن عطية (٥/ ٣٥٧)، وذكره ابن كثير (٤/ ٤١٢)، وذكره السيوطي في «الدر المنثور» (٦/ ٤٠٦)، وعزاه لعبد بن حميد، وابن جرير عن ابن عبّاس.
(٣) أخرجه الطبري (١٢/ ٢٠٩)، رقم: (٣٤٧٤٥) بنحوه، وذكره ابن عطية (٥/ ٣٥٧).
(٤) ينظر: «السبعة» (٦٤٨)، و «الحجة» (٦/ ٣١٤)، و «إعراب القراءات» (٢/ ٣٨٥)، و «حجة القراءات» (٧١٨)، و «معاني القراءات» (٨٦)، و «العنوان» (١٩٦)، و «شرح شعلة» (٦٠٦)، و «شرح الطيبة» (٦/ ٦٦)، و «إتحاف» (٢/ ٥٥٧).
(٥) ذكره ابن عطية (٥/ ٣٥٨).

صفحة رقم 474
الجواهر الحسان في تفسير القرآن
عرض الكتاب
المؤلف
أبو زيد عبد الرحمن بن محمد بن مخلوف الثعالبي
تحقيق
عادل أحمد عبد الموجود
الناشر
دار إحياء التراث العربي - بيروت
سنة النشر
1418
الطبعة
الأولى
عدد الأجزاء
1
التصنيف
التفسير
اللغة
العربية