آيات من القرآن الكريم

إِنَّ رَبَّكَ هُوَ أَعْلَمُ بِمَنْ ضَلَّ عَنْ سَبِيلِهِ وَهُوَ أَعْلَمُ بِالْمُهْتَدِينَ
ﮉﮊﮋﮌﮍ ﮏﮐﮑﮒﮓ ﮕﮖﮗﮘﮙ ﮛﮜﮝﮞ ﮠﮡ ﮣﮤ ﮦﮧﮨﮩﮪﮫﮬﮭﮮﮯﮰ

سورة القلم
وهي مكّيّة كلّها بإجماعهم إلّا ما حكي عن ابن عباس وقتادة أن فيها من المدني قوله عزّ وجلّ: إِنَّا بَلَوْناهُمْ إلى قوله عزّ وجلّ: لَوْ كانُوا يَعْلَمُونَ.

بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ

[سورة القلم (٦٨) : الآيات ١ الى ٧]

بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ

ن وَالْقَلَمِ وَما يَسْطُرُونَ (١) ما أَنْتَ بِنِعْمَةِ رَبِّكَ بِمَجْنُونٍ (٢) وَإِنَّ لَكَ لَأَجْراً غَيْرَ مَمْنُونٍ (٣) وَإِنَّكَ لَعَلى خُلُقٍ عَظِيمٍ (٤)
فَسَتُبْصِرُ وَيُبْصِرُونَ (٥) بِأَيِّكُمُ الْمَفْتُونُ (٦) إِنَّ رَبَّكَ هُوَ أَعْلَمُ بِمَنْ ضَلَّ عَنْ سَبِيلِهِ وَهُوَ أَعْلَمُ بِالْمُهْتَدِينَ (٧)
قوله عزّ وجلّ: ن قرأ ابن كثير، ونافع، وأبو عمرو، وابن عامر، وحمزة، وحفص: نْ وَالْقَلَمِ النون في آخر الهجاء من نون ظاهرة عند الواو، وهذا اختيار الفراء. وروى أبو بكر عن عاصم أنه كان لا يُبين النون من «نون». وبها قرأ الكسائي، وخلف، ويعقوب، وهو اختيار الزجاج. وقرأ ابن عباس، وأبو رزين، وقتادة، والأعمش: «نونِ والقلم» بكسر النون وقرأ الحسن، وأبو عمران، وأبو نهيك: «نُ والقلم» برفع النون..
وفي معنى (نون) سبعة أقوال «١» : أحدها: أنها الدواة.
(١٤٧٩) روى أبو هريرة عن رسول الله صلّى الله عليه وسلم أنه قال: «أول ما خلق الله القلم، ثم خلق النّون،
صدره قوي بشواهده، وعجزه باطل. أخرجه ابن عدي ٦/ ٢٦٩ من طريق محمد بن وهب عن الوليد بن مسلم به، وأعله بمحمد بن وهب، وحكم ببطلانه، ووافقه الذهبي في «الميزان» ٤/ ٦١. وأخرجه الآجري في «الشريعة» ٣٥٨ من طريق الحسن بن يحيى الخشني عن الحسين أبي عبد الله مولى بني أمية عن أبي صالح عن أبي هريرة مرفوعا. وإسناده ضعيف لضعف الحسن بن يحيى الخشني، وكذا ذكره ابن كثير في «تفسيره» ٤/ ٤٢٨ من هذا الوجه ونسبه لابن أبي حاتم وقال: غريب جدا. ولقوله «أول ما خلق الله القلم» شواهد كثيرة والمنكر فيه لفظ «النون وهي الدواة» ويشهد لصدره حديث عبادة بن الصامت: أخرجه أبو داود ٤٧٠٠ والترمذي ٢١٥٦ وأحمد ٥/ ٣١٧ والآجري ٣٥٩. وحديث ابن عباس: أخرجه أبو يعلى ٢٣٢٩ والبيهقي ٩/ ٣ وذكره الهيثمي في «المجمع» ٧/ ١٩٠ وقال: رواه البزار، ورجاله ثقات. وانظر «الجامع لأحكام القرآن»
__________
(١) الراجح في هذه الأقوال القول الأول، يدل على ذلك ذكر القلم، والله تعالى أعلم.

صفحة رقم 318

وهي الدواة» وهذا قول ابن عباس في رواية سعيد بن جبير، وبه قال الحسن وقتادة.
والثاني: أنه آخر حروف الرحمن، رواه عكرمة عن ابن عباس. والثالث: أنه الحوت الذي على ظهر الأرض، وهذا المعنى في رواية أبي ظبيان عن ابن عباس، وهو مذهب مجاهد، والسّدّيّ، وابن السّائب «١». والرابع: أنه لَوْح من نور، قاله معاوية بن قرّة. والخامس: أنه افتتاح اسمين «نصير»، و «ناصر» قاله عطاء. والسادس: أنه قَسَم ٌبِنُصْرَةِ الله للمؤمنين، قاله القرظي. والسابع: أنه نهر في الجنة، قاله جعفر الصادق.
وفي «القلم» قولان «٢» : أحدهما: أنه الذي كتب به في اللوح المحفوظ. والثاني: أنه الذي يكتب به الناس. وإنما أقسم به، لأن كتبه إنما تكتب ويَسْطُرُونَ بمعنى: يكتبون.
وفي المشار إليهم قولان: أحدهما: أنهم الملائكة. وفيما أرادوا بما يكتبونه قولان: أحدهما: أنه الذّكر، قاله مجاهد، والسدي. والثاني: أعمال بني آدم، قاله مقاتل. والقول الثاني: أنهم جميع الكتبة، حكاه الثّعلبيّ، قوله: ما أَنْتَ بِنِعْمَةِ رَبِّكَ بِمَجْنُونٍ أي: ما أنت بِإنْعامِ ربِّك عليك بالإيمان والنُّبوَّة بمجنون. قال الزجاج: هذا جواب قولهم: إنك لمجنون. وتأويله: فارقك الجنون بنعمة الله.
قوله عزّ وجلّ: وَإِنَّ لَكَ بصبرك على افترائهم عليك. ونسبتهم إيّاك إلى الجنون لَأَجْراً غَيْرَ مَمْنُونٍ أي: غير مقطوع ولا منقوص، وَإِنَّكَ لَعَلى خُلُقٍ عَظِيمٍ فيه ثلاثة أقوال «٣» :
أحدها: دين الإسلام، قاله ابن عباس. والثاني: أدب القرآن، قاله الحسن. والثالث: الطبع الكريم. وحقيقة «الخُلُق» : ما يأخذ به الإنسان نفسه من الآداب، فسمي خُلُقاً، لأنه يصير كالخِلْقة في صاحبه. فأما ما طبع عليه فيسمى: «الخِيم» فيكون الخِيم: الطبع الغريزي. والخُلُق: الطبع المُتكلَّف.
هذا قول الماوردي.
(١٤٨٠) وقد سئلت عائشة رضي الله عنها عن خلق رسول الله صلّى الله عليه وسلم فقالت: كان خُلُقُه القرآن.
تعني: كان على ما أمره الله به في القرآن.

٦٠٦٤ و ٦٠٦٥ و «أحكام القرآن» ٢١٦٨.
الخلاصة: هو باطل بهذا اللفظ، وذكر القلم قوي له شواهد.
صحيح. أخرجه مسلم ٧٤٦ وأبو داود ١٣٤٢ و ١٣٤٣ وعبد الرزاق ٤٧١٤ و ٤٧٥١ من حديث عائشة مطولا. وأخرجه الحاكم ٢/ ٣٩٢ من حديث عائشة بلفظ: أن سعيد بن هشام سألها عن خلق رسول الله صلّى الله عليه وسلم فقالت: كان خلقه القرآن، ألست تقرأ القرآن: قد أفلح المؤمنون.
__________
(١) هذه الروايات جميعا مصدرها الإسرائيليات، وهي من أباطيل الإسرائيليين وترّهاتهم.
(٢) قال ابن كثير رحمه الله في «تفسيره» ٤/ ٤٧٣: وقوله: وَالْقَلَمِ الظاهر أنه جنس القلم يكتب به كقوله: اقْرَأْ وَرَبُّكَ الْأَكْرَمُ. الَّذِي عَلَّمَ بِالْقَلَمِ فهو قسم منه تعالى، وتنبيه لخلقه على ما أنعم به عليهم من تعليم الكتابة التي بها تنال العلوم.
(٣) قال القرطبي رحمه الله في «تفسيره» ١٨/ ١٩٩: أصح الأقوال ما ذكرته عائشة في صحيح مسلم.
وقال ابن كثير رحمه الله في «تفسيره» ٤/ ٤٧٥: ومعنى هذا أنه عليه الصلاة والسلام صار امتثال القرآن، أمرا ونهيا، سجية له، وخلقه تطبعه، وترك طبعه الجبلّيّ فمهما أمره القرآن فعله، ومهما نهاه عنه تركه. هذا مع ما جبله الله عليه من الخلق العظيم، من الحياء والكرم، والشجاعة، والصفح، والحلم، وكل خلق جميل.

صفحة رقم 319
زاد المسير في علم التفسير
عرض الكتاب
المؤلف
جمال الدين أبو الفرج عبد الرحمن بن علي بن محمد الجوزي
تحقيق
عبد الرزاق المهدي
الناشر
دار الكتاب العربي - بيروت
سنة النشر
1422
الطبعة
الأولى
عدد الأجزاء
1
التصنيف
التفسير
اللغة
العربية