آيات من القرآن الكريم

إِنَّ رَبَّكَ هُوَ أَعْلَمُ بِمَنْ ضَلَّ عَنْ سَبِيلِهِ وَهُوَ أَعْلَمُ بِالْمُهْتَدِينَ
ﮦﮧﮨﮩﮪﮫﮬﮭﮮﮯﮰ

جَعَلَ الْمُتَنَبِّي الْقَوْمَ الَّذِينَ تَرَكُوا نَزِيلَهُمْ يَرْحَلُ عَنْهُمْ مَعَ قُدْرَتِهِمْ عَلَى إِمْسَاكِهِ رَاحِلِينَ عَنْ نَزِيلِهِمْ فِي قَوْلِهِ:

إِذَا تَرَحَّلَتَ عَنْ قَوْمٍ وَقَدْ قَدَرُوا أَنْ لَا تُفَارِقَهُمْ فَالرَّاحِلُونَ هُمُو
وَيَجُوزُ أَنْ يَكُونَ الْمَفْتُونُ مَصْدَرًا عَلَى وَزْنِ الْمَفْعُولِ مِثْلُ الْمَعْقُولِ بِمَعْنَى الْعَقْلِ وَالْمَجْلُودِ بِمَعْنَى الْجَلْدِ وَالْمَيْسُورِ لِلْيُسْرِ، وَالْمَعْسُورِ لِضِدِّهِ، وَفِي الْمَثَلِ «خُذْ مِنْ مَيْسُورِهِ وَدَعْ مَعْسُورَهُ».
وَالْبَاءُ عَلَى هَذَا لِلْمُلَابَسَةِ فِي مَحَلِّ خَبَرٍ مُقَدَّمٍ عَلَى الْمَفْتُونُ وَهُوَ مُبْتَدَأٌ.
يُضَمَّنُ فِعْلُ (تُبْصِرُ وَيُبْصِرُونَ) مَعْنَى: تُوقِنُ وَيُوقِنُونَ، عَلَى طَرِيقِ الْكِنَايَةِ بِفِعْلِ الْإِبْصَارِ عَنِ التَّحَقُّقِ لِأَنَّ أَقْوَى طُرُقِ الْحِسِّ الْبَصَرِ وَيَكُونُ الْإِتْيَانُ بِالْبَاءِ لِلْإِشَارَةِ إِلَى هَذَا التَّضْمِينِ.
وَالْمَعْنَى: فَسَتَعْلَمُ يَقِينًا ويعلمون يَقِينا بأيّكم الْمَفْتُونُ، فَالْبَاءُ عَلَى أَصْلِهَا مِنَ التَّعْدِيَةِ مُتَعَلِّقَةٌ بِ (يبصر ويبصرون).
[٧]
[سُورَة الْقَلَم (٦٨) : آيَة ٧]
إِنَّ رَبَّكَ هُوَ أَعْلَمُ بِمَنْ ضَلَّ عَنْ سَبِيلِهِ وَهُوَ أَعْلَمُ بِالْمُهْتَدِينَ (٧)
تَعْلِيلٌ لِجُمْلَةِ: فَسَتُبْصِرُ وَيُبْصِرُونَ بِأَيِّكُمُ الْمَفْتُونُ [الْقَلَم: ٥- ٦] بِاعْتِبَارِ مَا تَضَمَّنَتْهُ مِنَ التَّعْرِيضِ بِأَنَّ الْجَانِبَ الْمَفْتُونَ هُوَ الْجَانِبُ الْقَائِلُ لَهُ إِنَّكَ لَمَجْنُونٌ [الْحجر: ٦] وَأَنَّ ضِدَّهُ بِضِدِّهِ هُوَ الرَّاجِعُ الْعَقْلُ أَيِ الَّذِي أَخْبَرَكَ بِمَا كَنَّى عَنْهُ قَوْلَهُ: فَسَتُبْصِرُ وَيُبْصِرُونَ [الْقَلَم: ٥] مِنْ أَنَّهُمُ الْمَجَانِينُ هُوَ الْأَعْلَمُ بِالْفَرِيقَيْنِ وَهُوَ الَّذِي أَنْبَأَكَ بِأَنْ سَيَتَّضِحُ الْحَقُّ لِأَبْصَارِهِمْ فَتَعَيَّنَ أَنَّ الْمَفْتُونَ هُوَ الْفَرِيقُ الَّذِينَ وَسَمُوا النَّبِيءَ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِأَنَّهُ مَجْنُونٌ الْمَرْدُودُ عَلَيْهِمْ بِقَوْلِهِ تَعَالَى: مَا أَنْتَ بِنِعْمَةِ رَبِّكَ بِمَجْنُونٍ [الْقَلَم: ٢] إِذْ هُمُ الضَّالُّونَ عَنْ سَبِيلِ رَبِّ النَّبِيءِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لَا مَحَالَةَ، وَيَنْتَظِمُ بِالتَّدَرُّجِ مَنْ أَوَّلِ السُّورَةِ إِلَى هُنَا أَقْيِسَةُ مُسَاوَاةٍ مُنْدَرِجٌ بَعْضُهَا فِي بَعْضٍ تَقْتَضِي مُسَاوَاةَ حَقِيقَةِ مَنْ ضَلَّ عَنْ سُبُلِ رَبِّ النَّبِيءِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِحَقِيقَةِ الْمَفْتُونِ. وَمُسَاوَاةَ حَقِيقَةِ الْمَفْتُونِ بِحَقِيقَةِ الْمَجْنُونِ، فَتُنْتِجُ أَنَّ فَرِيقَ الْمُشْرِكِينَ هُمُ الْمُتَّصِفُونَ بِالْجُنُونِ بِقَاعِدَةِ قِيَاسِ الْمُسَاوَاةِ أَنَّ مُسَاوِيَ الْمُسَاوِي لِشَيْءٍ مُسَاوٍ لِذَلِكَ الشَّيْءِ.

صفحة رقم 67
تحرير المعنى السديد وتنوير العقل الجديد من تفسير الكتاب المجيد
عرض الكتاب
المؤلف
محمد الطاهر بن عاشور
الناشر
الدار التونسية للنشر
سنة النشر
1403
عدد الأجزاء
1
التصنيف
التفسير
اللغة
العربية