آيات من القرآن الكريم

إِنَّ رَبَّكَ هُوَ أَعْلَمُ بِمَنْ ضَلَّ عَنْ سَبِيلِهِ وَهُوَ أَعْلَمُ بِالْمُهْتَدِينَ
ﮉﮊﮋﮌﮍ ﮏﮐﮑﮒﮓ ﮕﮖﮗﮘﮙ ﮛﮜﮝﮞ ﮠﮡ ﮣﮤ ﮦﮧﮨﮩﮪﮫﮬﮭﮮﮯﮰ

سورة القلم
هى مكية إلا من آية ١٧ إلى ٣٣، ومن آية ٤٨ إلى آية ٥٠ فمدنية.
وعدد آيها ثنتان وخمسون، نزلت بعد العلق.
وهى من أوائل ما نزل من القرآن بمكة، فقد نزلت: «اقْرَأْ بِاسْمِ رَبِّكَ» ثم هذه، ثم المزمل، ثم المدثر كما روى عن ابن عباس.
ومناسبتها لما قبلها:
(١) إنه ذكر فى آخر (الملك) تهديد المشركين بتغوير الأرض، وذكر هنا ما هو كالدليل على ذلك وهو ثمر البستان الذي طاف عليه طائف فأهلكه وأهلك أهله وهم نائمون.
(٢) إنه ذكر فيما قبل أحوال السعداء والأشقياء، وذكر قدرته الباهرة وعلمه الواسع، وأنه لو شاء لخسف بهم الأرض أو أرسل عليهم حاصبا، وكان ما أخبر به هو ما أوحى به إلى رسوله، وكان المشركون ينسبونه فى ذلك مرة إلى الشعر وأخرى إلى السحر وثالثة إلى الجنون- فبرأه الله فى هذه السورة مما نسبوه إليه، وأعظم أجره على صبره على أذاهم وأثنى على خلقه.
[سورة القلم (٦٨) : الآيات ١ الى ٧]

بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ

ن وَالْقَلَمِ وَما يَسْطُرُونَ (١) ما أَنْتَ بِنِعْمَةِ رَبِّكَ بِمَجْنُونٍ (٢) وَإِنَّ لَكَ لَأَجْراً غَيْرَ مَمْنُونٍ (٣) وَإِنَّكَ لَعَلى خُلُقٍ عَظِيمٍ (٤)
فَسَتُبْصِرُ وَيُبْصِرُونَ (٥) بِأَيِّكُمُ الْمَفْتُونُ (٦) إِنَّ رَبَّكَ هُوَ أَعْلَمُ بِمَنْ ضَلَّ عَنْ سَبِيلِهِ وَهُوَ أَعْلَمُ بِالْمُهْتَدِينَ (٧)

صفحة رقم 26

شرح المفردات
يسطرون: أي يكتبون، ممنون: أي مقطوع يقال منّه السير إذا أضعفه، والمنين: الضعيف، المفتون: المجنون لأنه فتن، أي ابتلى بالجنون.
المعنى الجملي
أقسم ربنا بالقلم وما يسطّر به من الكتب: إن محمدا الذي أنعم عليه بنعمة النبوة ليس بالمجنون كما تدّعون، وكيف يكون مجنونا والكتب والأقلام أعدت لكتابة ما ينزل عليه من الوحى.
وقد أقسم سبحانه بالقلم والكتب فتحا لباب التعليم بهما، ولا يقسم ربنا إلا بالأمور العظام فإذا أقسم بالشمس والقمر، والليل والفجر فإنما ذلك لعظمة الخلق وجمال الصنع، وإذا أقسم بالقلم والكتب فإنما ذاك ليعمّ العلم والعرفان، وبه تتهذب النفوس، وترقى شئوننا الاجتماعية والعمرانية، ونكون كما وصف الله «كُنْتُمْ خَيْرَ أُمَّةٍ أُخْرِجَتْ لِلنَّاسِ» ثم وعد رسوله بما سيكون له من جزيل الأجر على صبره على احتمال أذى المشركين، وأردف هذا بوصفه بحسن الخلق ورفقه بالناس امتثالا لأمره «خُذِ الْعَفْوَ وَأْمُرْ بِالْعُرْفِ وَأَعْرِضْ عَنِ الْجاهِلِينَ» قالت عائشة رضى الله عنها: كان خلقه القرآن.
ثم هدد المشركين وتوعدهم بما سيتبين لهم من عاقبة أمره وأمرهم، وأنه سيكون العزيز المهيب فى القلوب وسيكونون الأذلاء، وأنه سيستولى عليهم ويأسر فريقا ويقتل آخر، وسيعلمون حينئذ من المجنون؟ والله هو العليم بالمجانين الذين ضلوا عن سبيله، والعقلاء الذين اهتدوا بهديه.

صفحة رقم 27

الإيضاح
(ن) تقدم أن قلنا غير مرة إن أرجح الآراء فى معنى الحروف المقطعة التي وقعت فى أوائل السور أنها حروف تنبيه نحو ألا، وأما.
(وَالْقَلَمِ وَما يَسْطُرُونَ) أي أقسم بالقلم وما يكتب به من الكتب.
ثم ذكر المقسم عليه فقال:
(ما أَنْتَ بِنِعْمَةِ رَبِّكَ بِمَجْنُونٍ) أي إنك لست بالمجنون كما يزعمون، فقد أنعم الله عليك بالنبوة وحصافة العقل وحسن الخلق.
ثم بين بعض نعمه عليه فقال:
(١) (وَإِنَّ لَكَ لَأَجْراً غَيْرَ مَمْنُونٍ) أي وإن لك الأجر العظيم والثواب الجزيل الذي لا ينقطع على إبلاغك رسالة ربك إلى الخلق وصبرك على الأذى ومقاساة الشدائد.
(٢) (وَإِنَّكَ لَعَلى خُلُقٍ عَظِيمٍ) فقد برأك الله على الحياء والكرم والشجاعة والصفح والحلم وكل خلق كريم.
روى الشيخان عن أنس خادم رسول الله ﷺ قال: «خدمت رسول الله ﷺ عشر سنين فما قال لى أفّ قط ولا قال لشىء فعلته لم فعلته؟ ولا لشىء لم أفعله ألّا فعلته؟».
وروى أحمد عن عائشة قالت: «ما ضرب رسول الله ﷺ بيده خادما له قط، ولا ضرب امرأة، ولا ضرب بيده شيئا قط إلا أن يجاهد فى سبيل الله ولا خيّر بين شيئين قط إلا كان أحبّهما إليه أيسرهما حتى يكون إثما، فإذا كان إثما كان أبعد الناس من الإثم، ولا انتقم لنفسه من شىء يؤتى إليه إلا أن تنتهك حرمات الله».

صفحة رقم 28
تفسير المراغي
عرض الكتاب
المؤلف
أحمد بن مصطفى المراغي
الناشر
شركة مكتبة ومطبعة مصطفى البابى الحلبي وأولاده بمصر
الطبعة
الأولى، 1365 ه - 1946 م
عدد الأجزاء
30
التصنيف
التفسير
اللغة
العربية