آيات من القرآن الكريم

يَا أَيُّهَا الَّذِينَ كَفَرُوا لَا تَعْتَذِرُوا الْيَوْمَ ۖ إِنَّمَا تُجْزَوْنَ مَا كُنْتُمْ تَعْمَلُونَ
ﯲﯳﯴﯵﯶﯷﯸﯹﯺﯻﯼﯽ

يحتمل أن يراد بالأول: طاعتهم له في اجتناب ما نهاهم عنه، لأن الأمر بالشيء نهي عن ضده، وبالثاني: طاعتهم في فعل يأمرهم به، وقال الفخر في المحصول: إن قال قائل: إن قوله (وَيَفْعَلُونَ مَا يُؤْمَرُونَ)، تكرار؟ فالجواب: أن الأول: ماض، والثاني: مستقبل أي لَا يعصونه فيما أمرهم في الماضي، وهو في الحال (وَيَفْعَلُونَ مَا يُؤمَرُونَ)، ورده عليه القرافي: بأن (لَا) إنما تنفي المستقبل، فالأول مستقبل، والثاني كذلك، ويجاب: بأن الأول إخبار عن عدم عصيانهم فيما سيؤمرون به في المستقبل، ولم يقع منهم عصيان لما أمروا به، وهم من شأنهم أن لَا يعصون فيما سيأمرهم به.
قوله تعالى: ﴿لَا تَعْتَذِرُوا الْيَوْمَ إِنَّمَا تُجْزَوْنَ مَا كُنْتُمْ تَعْمَلُونَ (٧)﴾
إن قلت: ما وجه المناسبة بين هاتين الجملتين مع أن [المتبادر*] للفهم أن يقال: لا يظلمون اليوم؟ فالجواب: أن العفو هو ترك المؤاخذة [بالذنب*] [... ] موجبا، والمعذرة هي إلقاء كلمة تمهيدا لرجاء عدم المؤاخذة بالذنب لعدم [**مزجها]، فالمراد أنا لم [نجركم*] إلا بما كسبتم وجنيتم، وجواب [آخر*]: وهو أن المعذرة تارة تكون لإسقاط المؤاخذة، [وتارة*] تكون لتخفيف العقوبة، فالآية كأنها أتت على قسم ثالث، وهو ليس بتخفيف، حتى [**ما جاز على بعض الذنب ولا الإسقاط؛ بل على العمل فقط]، ويصح أن [يكون*] الوقف على (لَا تعتذروا) ويتعلق (اليوم) بما بعده.
قوله تعالى: ﴿يَوْمَ لَا يُخْزِي اللَّهُ النَّبِيَّ... (٨)﴾
جعله المفسرون (يَوْمَ) متعلقا بـ (يُدْخِلَكُمْ)، والأولى أن يكون العامل فيه (اذكر) [مقدرا*]، فإن قلت: الإضمار على خلاف الأصل؟ قلت: فيه سلامة الآية من التكرار المعنوي، لأن قوله (عَسَى رَبُّكُمْ)، إلى آخره ملزوم لنفي الخزي، وقد [شرع*] به ثانية فيؤول إلى قولنا (عَسَى رَبُّكُمْ)، أن لَا [يخزيكم*] واحتج بها المعتزلة على أن [العاصي*] مخلد في نار جهنم بعد الجمع [بينها*]، وبين قوله تعالى: (رَبَّنَا إِنَّكَ مَنْ تُدْخِلِ النَّارَ فَقَدْ أَخْزَيْتَهُ)، حسبما قرره ابن الحاجب، ووجه الدليل أن يقال: كل من دخل النار مخزي بآية آل عمران، ولا شيء من المؤمنين مخزي؛ عملا بهذه الآية فلا شيء ممن يدخل النار بمؤمن، ثم تنعكس [... ] فتقول لا شيء من المؤمن بداخل النار، وأجاب الشيرازي وغيره بوجهين:
أحدهما: أن المراد بالذين آمنوا معه الصحابة فقط.
والثاني: أن [(الذين آمنوا معه) *] مستأنف، وليس معطوفا على ما قبله بوجه، ويجاب أيضا بوجه ثالث: وهو أن الخزي مقيد بذلك اليوم، فيكون ذلك اليوم هو وقت دخولهم الجنة، فإنهم غير [مخزيين*] حينئذ، وأما قبل ذلك حين دخولهم النار فهو يوم آخر.

صفحة رقم 253
تفسير ابن عرفة
عرض الكتاب
المؤلف
أبو عبد الله محمد بن محمد ابن عرفة الورغمي التونسي المالكي
تحقيق
جلال الأسيوطي
الناشر
دار الكتب العلمية، بيروت - لبنان
الطبعة
الأولى، 2008 م
عدد الأجزاء
4
التصنيف
التفسير
اللغة
العربية