آيات من القرآن الكريم

يَا أَيُّهَا الَّذِينَ كَفَرُوا لَا تَعْتَذِرُوا الْيَوْمَ ۖ إِنَّمَا تُجْزَوْنَ مَا كُنْتُمْ تَعْمَلُونَ
ﯛﯜﯝﯞﯟﯠﯡﯢﯣﯤﯥﯦﯧﯨﯩﯪﯫﯬﯭﯮﯯﯰ ﯲﯳﯴﯵﯶﯷﯸﯹﯺﯻﯼﯽ

ولما أبلغ سبحانه في عتاب أزواج النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مع صيانتهن عن التسمية إكراماً له صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وعلم اتصافهن بهذه الصفات العظيمة على سبيل الرسوخ من دوام صحبته صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لهن ليكن من جملة أزواجه في الجنة وكان اتصافهن بذلك الذي أداهن إلى السعادة العظمى إنما هو بحسن تأديب أوليائهن لهن وإكمال ذلك الأدب بحسن عشرته صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وتأدبهن بكريم أخلاقه أثمر ذلك أمر الأمة بالتأسي به في هذه الأخلاق الكاملة والتأسي بأوليائهن في ذلك ليعرفن حق الله وحق الأزواج فيحصل بذلك صلاح ذات البين المثمرات للخير كله فقال تعالى متبعاً لهذه الموعظة الخاصة بموعظة عامة دالة على وجوب الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر للأقرب فالأقرب ﴿يا أيها﴾ مخاطبة لأدنى الأسنان إشارة إلى أن من فوقهم

صفحة رقم 196

تأسى من حين دخوله في الإسلام فهو غني عن أمر جديد ﴿الذين آمنوا﴾ أي أقروا بذلك ﴿قوا أنفسكم﴾ أي اجعلوا لها وقاية بالتأسي به صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ في أدبه مع الخلق والخالق في لينه لمن يستحق اللين من الخلق تعظيماً للخالق فعاملوه قبل كل شيء بما يعاملكم به من الأدب، وكذا كونوا مع بقية الخلق.
ولما كان الإنسان راعياً لأهل بيته مسؤولاً عن رعيته قال تعالى: ﴿وأهليكم﴾ من النساء والأولاد وكل من يدخل في هذا الاسم قوهم ﴿ناراً﴾ بالنصح والتأديب ليكونوا متخلقين بأخلاق أهل النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كما روى أحمد والطبراني عن سعيد بن العاص رضي الله عنه رفعه: «ما نحل والد ولداً أفضل من أدب حسن» ولما كانت الأشياء لا تعظم في نفسها وعند المخبر بها إلا بإخباره بما يشتمل عليه من الأوصاف قال: ﴿وقودها﴾ أي الذي توقد به ﴿الناس والحجارة﴾ أي ألين الأشياء وأصلبها، فما بين ذلك هو لها وقود بطريق الأولى.
ولما وصفها بغاية الأدب في الائتمار أتبعه وصف القُوَام فقال معبراً بأداة الاستعلاء دلالة على تمكنهم من التصرف فيها:

صفحة رقم 197

﴿عليها ملائكة﴾ أي يكون أمرها على سبيل الاستعلاء فلا تعصيهم شيئاً لتأديب الله لها ﴿غلاظ﴾ أي في الأبدان والقلوب فظاظة على أهلها لاستحقاقهم لذلك بعصيانهم الملك الأعلى.
ولما كان الغلظ قد يكون مع الرخاوة قال: ﴿شداد﴾ أي في كل شيء يحاولونه بالقول والفعل حتى روي أن الواحد منهم يلقي بالدفعة الواحدة في النار من الكفار سبعين ألفاً.
ولما كان المعنى أنهم يوقعون غلظتهم وشدتهم بأهل المعاصي على مقادير استحقاقهم. بين ذلك بما يخلع القلوب لكونه بأمر الله تعالى فقال: ﴿لا يعصون الله﴾ أي الملك الأعلى في وقت من الأوقات ﴿ما أمرهم﴾ أي أوقع الأمر لهم به في زمن ما.
ولما كان المطيع منا قد يخل ببعض المأمور به في ذاته بنقص ركن أو شرط أو وقت لنسيان، أو نوم ونحوه أو بترك مندوب ونحوه أو ما في معناه بوسوسة أو حديث نفس ونحوه يقصر عن إيقاعه على أعلى الدرجات كما قال صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فيما أخرجه ابن ماجه عن عبد الله بن عمرو رضي الله عنهما والطيالسي عن ثوبان رضي الله عنه: «استقيموا ولن تحصوا» قال نافياً لذلك عنهم: ﴿ويفعلون﴾ أي مجددين مع كل أمر على سبيل الاستمرار ﴿ما يؤمرون *﴾ أي ما يقع

صفحة رقم 198

لهم الأمر به في أي وقت كان من غير نقص ما، وبني الفعل لما لم يسم فاعله كناية عن سهولة انقيادهم وإشارة إلى أن الذي أمرهم معلوم أنه الله سبحانه وتعالى.
ولما كان النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أعظم من أريد بأمر الأمة بالتأدب معه فكان تعمد الإخلال بالأدب معه كفراً، علم أن هذه النار لأولئك فعلم أن التقدير: يقولون: ﴿يا أيها الذين كفروا﴾ أي بالإخلال بالأدب في النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فأداهم ذلك إلى الإخلال بالأدب مع الله وبالأدب مع سائر خلقه ﴿لا تعتذروا﴾ أي تبالغوا في إظهار العذر وهو إيساع الحيلة في وجه يزيل ما ظهر من التقصير ﴿اليوم﴾ فإنه يوم الجزاء لا يوم الاعتذار، وقد فات زمان الاعتذار، وصار الأمر إلى ما صار، وإذا نهى عن المبالغة في الاعتذار لعدم نفعها كان النهي عن مطلقه من باب الأولى، وهذا قطع لرجائهم وإيجاب لباسهم ليعظم همهم وتنقطع قلوبهم لأن معناه أن الاعتذار لا ينفعكم وإن بالغتم فيه، ولذلك استأنف قوله على سبيل الحصر: ﴿إنما تجزون﴾ أي في هذا اليوم ﴿ما كنتم﴾ أي بما هو لكم كالجبلة والطبع ﴿تعملون *﴾ أي على سبيل الإصرار ولا بعد على الله في أن

صفحة رقم 199

يصور لكل إنسان صورة عمله بحيث لا يشك أنها عمله، ثم يجعل تلك الصورة عذابه الذي يجد فيه من الألم ما علم سبحانه أنه بمقدار استحقاقه.

صفحة رقم 200
نظم الدرر في تناسب الآيات والسور
عرض الكتاب
المؤلف
أبو الحسن، برهان الدين إبراهيم بن عمر بن حسن الرُّبَاط بن علي بن أبي بكر البقاعي
الناشر
دار الكتاب الإسلامي، القاهرة
عدد الأجزاء
22
التصنيف
التفسير
اللغة
العربية