آيات من القرآن الكريم

وَإِذَا رَأَوْا تِجَارَةً أَوْ لَهْوًا انْفَضُّوا إِلَيْهَا وَتَرَكُوكَ قَائِمًا ۚ قُلْ مَا عِنْدَ اللَّهِ خَيْرٌ مِنَ اللَّهْوِ وَمِنَ التِّجَارَةِ ۚ وَاللَّهُ خَيْرُ الرَّازِقِينَ
ﭸﭹﭺﭻﭼﭽﭾﭿﮀﮁﮂﮃﮄﮅﮆﮇﮈﮉﮊﮋﮌﮍﮎ

كثيرا فأديموا ذكره «لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ» (١٠) بفضل إدامة ذكر الله، لأنه بنور القلب ويقذف فيه المعرفة التي توضح له سبيل النّجاح في كلّ الأمور.
ثم ذمهم الله تعالى على ما وقع منهم فقال عزّ قوله «وَإِذا رَأَوْا تِجارَةً أَوْ لَهْواً انْفَضُّوا إِلَيْها» أي التجارة يلهون بها عن صلاة الجمعة ولقلة أدبهم انصرفوا «وَتَرَكُوكَ» يا محمد «قائِماً» على المنبر ولم يقدروا قدرك وما تلقيه إليهم من النصح والإرشاد «قُلْ» لهم يا أكمل الخلق «ما عِنْدَ اللَّهِ» من الفضل المخبوء لكم بسبب سماع خطبته «خَيْرٌ مِنَ اللَّهْوِ وَمِنَ التِّجارَةِ» وأعظم ريحا «وَاللَّهُ خَيْرُ الرَّازِقِينَ» (١١) لأنه يرزق بلا مقابل. روى مسلم عن جابر قال كانت خطبة رسول الله صلّى الله عليه وسلم يوم الجمعة يحمد الله ويثني عليه بما هو أهله، ثم يقول على أثر ذلك وقد علا صوته واشتد غضبه حتى كأنه منذر جيش يقول صبحكم مساكم ويقول بعثت أنا والسّاعة كهاتين ويقرن بين إصبعيه السّبابة والوسطى ويقول:
أما بعد فخير الحديث كتاب الله وخير الهدي هدي محمد وشر الأمور محدثاتها وكلّ بدعة ضلال ثم يقول أنا أولى بكل مؤمن من نفسه، من ترك مالا فلأهله ومن ترك دينا أو ضياعا (أولادا صغارا لا أحد لهم ولا مال) فإليّ وعليّ.
تفيد هذه الخطبة أن رسول الله كان يزجر النّاس في خطبته ويعلي صوته فيها أحيانا لأن الوقت يستدعي ذلك، ولأن القوم حديثوا عهد شرك، وإن منهم لا يزال في نفاق، وهو مرسل من الله لتوطيد دعائم الدّين وتوحيد رب العالمين، وقد أمر بقتال من لم يؤمن، ومن دواعي هذه الأمور الزجر وعلو الصّوت. ومما جاء في محذورات الجمعة ما رواه البخاري ومسلم عن أبي هريرة أن رسول الله صلّى الله عليه وسلم قال إذا قلت لصاحبك يوم الجمعة أنصت والإمام يخطب فقد لغوت. وفي رواية ومن لغى فلا جمعة له. وروى مسلم عن عبد الله بن عمر وأبي هريرة أنهما سمعا رسول الله يقول على منبره لينتهبنّ أقوام عن ودعهم الجمعات أو ليختمنّ الله على قلوبهم، ثم ليكوننّ من الغافلين. وأخرج أبو داود والنّسائي عن أبي الجعد الضّمري وكانت له صحبة أن رسول الله صلّى الله عليه وسلم قال: من ترك ثلاث جمع تهاونا طبع الله على قلبه ومن طبع الله على قلبه يجعله في أسفل درك جهنم. وللترمذي مثله. وروى البخاري عن سلمان قال: قال رسول الله صلّى الله عليه وسلم لا يغتسل رجل يوم الجمعة ويتطهر ما استطاع من الطّهور

صفحة رقم 261

ويدهن من دهنه ويمس من طيب بيته ثم يخرج فلم يفرق بين اثنين ثم يصلي ما كتب له ثم ينصت إذا تكلم الإمام الا غفر له ما بينه وبين الجمعة الأخرى. وفي رواية وزيادة ثلاثة أيام ومن مسّ الحصى فقد لغا أي اشتغل عن سماع الخطبة به. وأخرج أبو داود والنّسائي عن أوس بن أوس الثقفي قال سمعت رسول الله صلّى الله عليه وسلم يقول من غسّل واغتسل وبكّر وابتكر ومشى ولم يركب ودنى من الإمام ولم يلغ واستمع كان له بكل خطوة أجر عمل سنة صيامها وقيامها. واعلم أن بعض العلماء حسن الانصراف بعد سلام الإمام محتجا بقوله تعالى (فَانْتَشِرُوا) وهو خطأ، لأن الله تعالى قال فإذا فضيت الصّلاة إذا سلم الإمام وإن صلاة سنة الجمعة البعدية والأوراد التي أمر رسول بها بعد الصّلوات من تمام الصّلاة لما يترتب عليها من الأجر العظيم عند الله تعالى كما أخبر به رسوله والتحذير من تركها حرمانه من الأجر الذي أخبر به حضرة الرّسول، وفي الأخذ بقول هذا المتطفل ترغيب لترك السّنة التي أمر رسول الله بفعلها بعد الفرائض التي منها الجمعة، وترك التسبيح والتهليل والتحميد والتكبير بعد الصّلوات التي أمر رسول الله بتلاوتها أيضا، فعلى أرباب العقول أن لا يأخذوا بأقوال هكذا عندية مبنية على ما تخيلوه تأويلا وتفسيرا، وأن يتمسكوا بظاهر الشرع وما عليه السّلف الصّالح ومن تبعهم من العلماء العاملين، لأن الذي يبادر الباب بعد السّلام كأنه فارّ من قفص أو هارب مما يكره كأنه ليس له عند ربه حاجة يدعوه بها، وكأنه تخلص من كان على عاتقه في الصّلاة، والأحسن له من أن يسابق غيره إلى الخروج من المسجد ويندفع معه على الباب أو يقف ليتحين الفرصة بوجود فرجة يخرج منها أن يصلي على الأقل ركعتين بعدها ويتلو الأوراد ثم يخرج بهدوء وسكينة، فقد جاء في صحيح مسلم سنته أربع ركعات بعد الجمعة وفيه من شغله أمر فليركع ركعتين في المسجد وركعتين في بيته، لأن هذا الفعل تهاونا في الجمعة، وقد أجمعت الفقهاء على سنيتها. هذا وقد بينا ما يتعلق بالأذكار الواردة بعد الصّلوات في الآية ٣٩ من سورة ق والآية ٩٢ من الفرقان في ج ١ وفيهما يرشدانك إلى المواضع الأخرى. أما ما جاء في فضل التبكير للجمعة فمنه ما رواه البخاري ومسلم عن أبي هريرة أن رسول الله صلّى الله عليه وسلم قال من اغتسل يوم الجمعة

صفحة رقم 262

غسل الجنابة ثم راح في السّاعة الأولى فكأنما قرب بدنة، ومن راح في السّاعة الثانية فكأنما قرب بقرة، ومن راح في السّاعة الثالثة فكأنما قرب كبشا أقرن، ومن راح في السّاعة الرّابعة فكأنما قرب دجاجة، ومن راح في السّاعة الخامسة فكأنما قرب بيضة، فإذا أحرم الإمام قعدت الملائكة يستمعون الذكر. وفي رواية كان على كل باب من أبواب المسجد ملائكة يكتبون الأوّل فالأول، فإذا جلس الإمام طووا الصّحف (وكلمة راح في الحديث السّابق بمعنى خف إلى الصّلاة ومشى إليها وأخذته الأريحية طلبا
لثواب الله تعالى) وروى البخاري عن عبادة قال أدركني ابو عيسى وأنا ذاهب إلى الجمعة، فقال سمعت رسول الله صلّى الله عليه وسلم يقول من اغبرت قدماه في سبيل الله حرمه الله على النّار. فقد جعل الذهاب إلى الجمعة بمنزلة الذهاب إلى الجهاد في سبيل الله. فما بال أناس يتركونها بلا عذر ويحرمون أنفسهم هذا الثواب العظيم، ويتعرضون لمقت الله؟ روى مسلم عن ابن مسعود رضي الله عنه عن النّبي صلّى الله عليه وسلم قال لقوم يتخلفون عن الجمعة هممت أن آمر رجلا يصلي بالناس ثم أحرق على رجال يتخلفون عن الجمعة بيوتهم. وعن أبي الجعد الضّمري وكان له صحبة أن رسول الله صلّى الله عليه وسلم قال من ترك ثلاث جمع تهاونا طبع الله على قلبه- أخرجه أبو داود والنّسائي- وورد عنه عليه السّلام في حديث طويل قال فيه واعلموا أن الله فرض عليكم الجمعة في يومي هذا في شهري هذا في مقامي هذا، من تركها تهاونا واستخفافا بحقها وله إمام عادل أو جائر فلا جمع الله شمله ولا بارك له في أمره، الا فلا صلاة له، الا فلا زكاة له، الا فلا صوم له، الا أن يتوب فمن تاب تاب الله عليه. وحديث مسلم الذي أشرنا إليه آنفا هو أنه قال إذا صليتم الجمعة فصلوا بعدها أربعا فإن عجل بك شيء فصل ركعتين في المسجد وركعتين إذا رجعت، وسنده فيه فراجعه فما بعد هذا عذر لمن يخرج فورا، ولنا رسالة خاصة في هذا البحث، وفي الأوراد والسّنن التي ينبغي فعلها بعد الفرائض في الرّد على من منعها أو حبذ تركها. هذا والله أعلم وأستغفر الله ولا حول ولا قوة إلّا بالله العلي العظيم وصلّى الله على سيدنا محمد وعلى آله وأصحابه وأتباعه أجمعين.

صفحة رقم 263
بيان المعاني
عرض الكتاب
المؤلف
عبد القادر بن ملّا حويش السيد محمود آل غازي العاني
الناشر
مطبعة الترقي - دمشق
الطبعة
الأولى، 1382 ه - 1965 م
عدد الأجزاء
1
التصنيف
التفسير
اللغة
العربية