آيات من القرآن الكريم

فَقَدْ كَذَّبُوا بِالْحَقِّ لَمَّا جَاءَهُمْ ۖ فَسَوْفَ يَأْتِيهِمْ أَنْبَاءُ مَا كَانُوا بِهِ يَسْتَهْزِئُونَ
ﭿﮀﮁﮂﮃﮄﮅﮆﮇﮈﮉ ﮋﮌﮍﮎﮏﮐﮑﮒﮓﮔﮕﮖ ﮘﮙﮚﮛﮜﮝﮞﮟﮠﮡﮢﮣﮤﮥﮦﮧﮨﮩﮪﮫﮬﮭﮮﮯﮰﮱﯓﯔﯕﯖﯗ ﯙﯚﯛﯜﯝﯞﯟﯠﯡﯢﯣﯤﯥﯦﯧﯨ ﯪﯫﯬﯭﯮﯯﯰﯱﯲﯳﯴﯵﯶﯷ ﭑﭒﭓﭔﭕﭖﭗﭘﭙ

وهو الله في السموات والأرض، نعم هو الله الموصوف بكل كمال، وخالق السماء والأرض وما فيهما، هذه حقائق معروفة، وأمر شهد به الخلق جميعا، وفي ابن كثير:
معنى هذه الآية: المدعو الله في السموات والأرض، أى: يعبده ويوحده ويقر له بالألوهية من في السموات ومن في الأرض، ويسمونه الله ويدعونه رغبا ورهبا إلا من كفر، وهذه الآية كقوله تعالى: وَهُوَ الَّذِي فِي السَّماءِ إِلهٌ وَفِي الْأَرْضِ إِلهٌ أى: هو إله من في السماء وإله من في الأرض، وعلى هذا فقوله تعالى: يَعْلَمُ سِرَّكُمْ وَجَهْرَكُمْ خبر بعد خبر وصفة أخرى، وقيل: المعنى: هو الله يعلم سركم وجهركم في السموات والأرض ويعلم ما تكسبون، فهو سبحانه العليم الخبير.
سبب كفرهم وشبهاتهم والرد عليها [سورة الأنعام (٦) : الآيات ٤ الى ٩]
وَما تَأْتِيهِمْ مِنْ آيَةٍ مِنْ آياتِ رَبِّهِمْ إِلاَّ كانُوا عَنْها مُعْرِضِينَ (٤) فَقَدْ كَذَّبُوا بِالْحَقِّ لَمَّا جاءَهُمْ فَسَوْفَ يَأْتِيهِمْ أَنْباءُ ما كانُوا بِهِ يَسْتَهْزِؤُنَ (٥) أَلَمْ يَرَوْا كَمْ أَهْلَكْنا مِنْ قَبْلِهِمْ مِنْ قَرْنٍ مَكَّنَّاهُمْ فِي الْأَرْضِ ما لَمْ نُمَكِّنْ لَكُمْ وَأَرْسَلْنَا السَّماءَ عَلَيْهِمْ مِدْراراً وَجَعَلْنَا الْأَنْهارَ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهِمْ فَأَهْلَكْناهُمْ بِذُنُوبِهِمْ وَأَنْشَأْنا مِنْ بَعْدِهِمْ قَرْناً آخَرِينَ (٦) وَلَوْ نَزَّلْنا عَلَيْكَ كِتاباً فِي قِرْطاسٍ فَلَمَسُوهُ بِأَيْدِيهِمْ لَقالَ الَّذِينَ كَفَرُوا إِنْ هذا إِلاَّ سِحْرٌ مُبِينٌ (٧) وَقالُوا لَوْلا أُنْزِلَ عَلَيْهِ مَلَكٌ وَلَوْ أَنْزَلْنا مَلَكاً لَقُضِيَ الْأَمْرُ ثُمَّ لا يُنْظَرُونَ (٨)
وَلَوْ جَعَلْناهُ مَلَكاً لَجَعَلْناهُ رَجُلاً وَلَلَبَسْنا عَلَيْهِمْ ما يَلْبِسُونَ (٩)

صفحة رقم 587

المفردات:
مُعْرِضِينَ الإعراض: التولي عن الشيء. بِالْحَقِّ أى: بالأمر الثابت المتحقق في نفسه، والمراد به هنا الدين. أَنْباءُ جمع نبأ: وهو الخبر المهم. مِنْ قَرْنٍ القرن من الناس: القوم المقترنون في زمن واحد، ومدته من الزمن مائة سنة، وقيل غير ذلك. السَّماءَ المراد: المطر. مِدْراراً: مبالغا فيه في الكثرة والغزارة. كِتاباً: صحيفة مكتوبة. قِرْطاسٍ: الورق الذي يكتب فيه.
وَلَلَبَسْنا اللبس: الستر والتغطية، والمراد: جعلنا أمرهم يلتبس عليهم فلا يعرفونه.
ما تقدم من الآيات كان في إثبات الوحدانية، وكمال الربوبية لله- سبحانه وتعالى- وإثبات البعث، وأن الله الذي يعترفون له بخلق السموات والأرض هو الإله المعبود بحق، المحيط علما بكل شيء لا إله إلا هو!!! ولكنهم أشركوا بالله وكذبوا رسله، ولم يؤمنوا بهذه الآيات الكونية ولا الآيات القرآنية التي تناديهم ليصدقوا بها ويصدقوا برسولها صلّى الله عليه وسلّم وهذه الآيات تشير إلى سبب التكذيب والكفر!!
المعنى:
وما تأتيهم أية آية من آيات ربهم الذي رباهم، وتعهدهم في حالتي الضعف والقوة، وكفل لهم الرزق، وآتاهم من كل شيء، وكفل لهم جميع ما في الأرض، ما تأتيهم آية من آيات ربهم إلا كانوا عنها معرضين ما يَأْتِيهِمْ مِنْ ذِكْرٍ مِنْ رَبِّهِمْ مُحْدَثٍ إِلَّا اسْتَمَعُوهُ وَهُمْ يَلْعَبُونَ [سورة الأنبياء آية ٢].
فهم لم ينظروا نظرة اعتبار وتأمل، ولم يجردوا أنفسهم من قيد التقليد، وحمى العصبية، وحماقة الجاهلية، فهم إذا أتتهم آية أعرضوا وقالوا: سحر مستمر وَقالُوا مَهْما تَأْتِنا بِهِ مِنْ آيَةٍ لِتَسْحَرَنا بِها فَما نَحْنُ لَكَ بِمُؤْمِنِينَ. [سورة الأعراف آية ١٣٢].
فبسبب هذا قد كذبوا بالحق والدين الصدق، الذي دعا إليه القرآن الكريم وجاء به النبي الأمين: من الدعوة إلى العقائد الصحيحة، والآداب الكريمة، والمثل العليا، ولكون الإعراض طبيعة فيهم وغريزة كذبوا بسرعة فائقة عقب الدعوة مباشرة، وكانت

صفحة رقم 588

عاقبة أمرهم خسرا، وسوف يأتيهم أخبار وأحوال الذين كذبوا به وهو القرآن، سيأتيهم نبأ هذا التكذيب وعاقبته وَحاقَ بِهِمْ ما كانُوا بِهِ يَسْتَهْزِؤُنَ «١» وقد أتى حيث هزموا بغزوة بدر، وجاء نصر الله والفتح ودخل الناس في دين الله أفواجا، هذا في الدنيا!! وقال الرازي في تفسيره: كان حال هؤلاء في كفرهم على ثلاث مراتب: إعراض عن التأمل، ثم تكذيب، وثالثة الأثافى استهزاء بآيات الله وكلامه.
عجبا لهؤلاء!! ألم يعلموا نبأ من كان قبلهم، وكيف كان مآلهم؟!.. كم أهلكنا من قبلكم من قوم أعطيناهم ما لم نعط لكم ومكناهم في الأرض ما لم نمكن لكم، وأرسلنا السماء عليهم مدرارا، أفكان هذا كله مانعا لنا من إنزال العقوبة الصارمة بهم لما أعرضوا وكذبوا واستهزءوا؟؟ أَكُفَّارُكُمْ خَيْرٌ مِنْ أُولئِكُمْ أَمْ لَكُمْ بَراءَةٌ فِي الزُّبُرِ «٢» لا هذا ولا ذاك!! ألم تروا قوم عاد وثمود، وقوم فرعون وإخوان لوط؟!! إِنَّ بَطْشَ رَبِّكَ لَشَدِيدٌ. إِنَّهُ هُوَ يُبْدِئُ وَيُعِيدُ. وَهُوَ الْغَفُورُ الْوَدُودُ «٣» والمسلمون اليوم أخوف ما أخاف عليهم هذا الإعراض عن آيات الله والتكذيب لها عمليا، أخاف عليهم أن يحيق بهم عاقبة أمرهم فتلك سنة الله ولن تجد لسنة الله تبديلا.
كان النبي صلّى الله عليه وسلّم يضيق ذرعا بقومه من جراء تكذيبهم وعنادهم فَلَعَلَّكَ تارِكٌ بَعْضَ ما يُوحى إِلَيْكَ وَضائِقٌ بِهِ صَدْرُكَ أَنْ يَقُولُوا لَوْلا أُنْزِلَ عَلَيْهِ كَنْزٌ أَوْ جاءَ مَعَهُ مَلَكٌ «٤» وكانوا يكثرون في طلب الآيات الخاصة، فرد الله عليهم بما ألزمهم.
ولو نزلنا عليك يا محمد كتابا مكتوبا من السماء في قرطاس وفيه دعوتهم إلى الدين بالحجة لما آمنوا به ولما صدقوك في ذلك بل ولقالوا: ما هذا إلا سحر وخيال ظاهر ليس فيه حقيقة، وانظر إلى تعبير القرآن الكريم: نَزَّلْنا بالتشديد، وقوله كِتاباً فِي قِرْطاسٍ والكتاب لا يكون إلا فيه، ثم قوله: فلمسوه بأيديهم، وقلبوا فيه وبالغوا في

(١) سورة هود آية ٨.
(٢) سورة القمر آية ٤٣.
(٣) سورة البروج الآيات ١٢- ١٤.
(٤) سورة هود آية ١٢.

صفحة رقم 589

ذلك، كل هذه أساليب تفيد المبالغة وتأكيد النزول وتأكدهم منه، ومع هذا يقولون:
إن هذا إلا سحر مبين.
وكان الكفار قد اقترحوا اقتراحين، أولهما: أن ينزل على الرسول ملك من السماء يرونه ويكون معه نذيرا ومؤيدا له ونصيرا، وذلك أنهم يفهمون أن الرسول بشر والرسالة تتنافى مع البشرية ما هذا إِلَّا بَشَرٌ مِثْلُكُمْ يَأْكُلُ مِمَّا تَأْكُلُونَ مِنْهُ وَيَشْرَبُ مِمَّا تَشْرَبُونَ «١». وَقالُوا مالِ هذَا الرَّسُولِ يَأْكُلُ الطَّعامَ وَيَمْشِي فِي الْأَسْواقِ لَوْلا أُنْزِلَ إِلَيْهِ مَلَكٌ فَيَكُونَ مَعَهُ نَذِيراً [سورة الفرقان آية ٧].
وقد حكى الله عنهم هذا كثيرا في سورة هود وإبراهيم وغيرهما.
وقد رد الله اقتراحهم هذا بأنه لو أنزل ملكا كما اقترحوا لقضى الأمر وهلكوا ثم لا ينظرون ولا يمهلون إذ جرت سنة الله في خلقه، إذا تعصب قوم وطلبوا آية غير التي أنزلت إليهم، وأجيبوا إلى طلبهم، ثم لم يؤمنوا، يهلكهم الله بعذابه ويقضى عليهم.
وهؤلاء من أمة الدعوة المحمدية، وقد قضى الله ألا يهلكهم بعذاب الاستئصال تكريما للنبي صلّى الله عليه وسلّم وعسى أن يأتى من نسلهم من يعبد الله حقا، وقد كان هذا.
الاقتراح الثاني: هلا نزّلت الملائكة علينا بالرسالة، وكان الرسول ملكا لا بشرا ما هذا إِلَّا بَشَرٌ مِثْلُكُمْ يُرِيدُ أَنْ يَتَفَضَّلَ عَلَيْكُمْ وَلَوْ شاءَ اللَّهُ لَأَنْزَلَ مَلائِكَةً «٢» فأنت ترى أن اقتراحهم الثاني مبنى على الغرور الكاذب والجهل الفاضح وأن هذا النبي الأمين الصادق الكريم لا يستحق هذه الرسالة فإن كان ولا بد من إرسال بشر فنحن أولى منه وَقالُوا لَوْلا نُزِّلَ هذَا الْقُرْآنُ عَلى رَجُلٍ مِنَ الْقَرْيَتَيْنِ عَظِيمٍ. أَهُمْ يَقْسِمُونَ رَحْمَتَ رَبِّكَ نَحْنُ قَسَمْنا بَيْنَهُمْ مَعِيشَتَهُمْ فِي الْحَياةِ الدُّنْيا «٣».
فيرد الله عليهم: لو جعلنا الرسول ملكا لجعلناه رجلا حتى يمكن التفاهم معه والأنس به ومخاطبته، ولو جعلناه بشرا لعاد الأمر كما كان وللبسنا عليهم واختلط الأمر عندهم، فإن هذا الرجل سيقول لهم: إنى رسول الله كما يقول محمد صلّى الله عليه وسلّم أما اختصاص محمد دون غيره بالرسالة وتشريفه بالنبوة فالله أعلم حيث يجعل رسالته.

(١) سورة المؤمنون آية ٣٣.
(٢) سورة المؤمنون آية ٢٤.
(٣) سورة الزخرف آية ٣١- ٣٢.

صفحة رقم 590
التفسير الواضح
عرض الكتاب
المؤلف
محمد محمود حجازي
الناشر
دار الجيل الجديد
سنة النشر
1413
الطبعة
العاشرة
عدد الأجزاء
1
التصنيف
التفسير
اللغة
العربية