آيات من القرآن الكريم

فَقَدْ كَذَّبُوا بِالْحَقِّ لَمَّا جَاءَهُمْ ۖ فَسَوْفَ يَأْتِيهِمْ أَنْبَاءُ مَا كَانُوا بِهِ يَسْتَهْزِئُونَ
ﮋﮌﮍﮎﮏﮐﮑﮒﮓﮔﮕﮖ

وَإِنَّمَا يَنْشَأُ الْإِعْرَاضُ عَنِ اعْتِقَادِ عَدَمِ جَدْوَى النَّظَرِ وَالتَّأَمُّلِ، فَهُوَ دَلِيلٌ عَلَى أَنَّ الْمُعْرِضَ مُكَذِّبٌ لِلْمُخْبِرِ الْمُعْرِضِ عَنْ سَمَاعِهِ.
وَأَصْلُ الْإِعْرَاضِ صَرْفُ الْوَجْهِ عَنِ النَّظَرِ فِي الشَّيْءِ وَهُوَ هُنَا مَجَازٌ فِي إِبَاءِ الْمَعْرِفَةِ، فَيَشْمَلُ الْمَعْنَى الْحَقِيقِيَّ بِالنِّسْبَةِ إِلَى الْآيَاتِ الْمُبْصَرَاتِ كَانْشِقَاقِ الْقَمَرِ، وَيَشْمَلُ تَرْكَ الِاسْتِمَاعِ لِلْقُرْآنِ، وَيَشْمَلُ الْمُكَابَرَةَ عَنِ الِاعْتِرَافِ بِإِعْجَازِهِ وَكَوْنِهِ حَقًّا بِالنِّسْبَةِ لِلَّذِينَ يَسْتَمِعُونَ الْقُرْآنَ وَيُكَابِرُونَهُ، كَمَا يَجِيءُ فِي قَوْلِهِ: وَمِنْهُمْ مَنْ يَسْتَمِعُ إِلَيْكَ. وَتَقْدِيمُ الْمَجْرُورِ لِلرِّعَايَةِ على الفاصلة.
[٥]
[سُورَة الْأَنْعَام (٦) : آيَة ٥]
فَقَدْ كَذَّبُوا بِالْحَقِّ لَمَّا جاءَهُمْ فَسَوْفَ يَأْتِيهِمْ أَنْباءُ مَا كانُوا بِهِ يَسْتَهْزِؤُنَ (٥)
الْفَاءُ فَصِيحَةٌ عَلَى الْأَظْهَرِ أَفْصَحَتْ عَنْ كَلَامٍ مُقَدَّرٍ نَشَأَ عَنْ قَوْلِهِ: إِلَّا كانُوا عَنْها مُعْرِضِينَ، أَيْ إِذَا تَقَرَّرَ هَذَا الْإِعْرَاضُ ثَبَتَ أَنَّهُمْ كَذَّبُوا بِالْحَقِّ لَمَّا جَاءَهُمْ مِنْ عِنْدِ اللَّهِ، فَإِنَّ الْإِعْرَاضَ عَلَامَةٌ عَلَى التَّكْذِيبِ، كَمَا قَدَّمْتُهُ آنِفًا، فَمَا بَعْدَ فَاءِ الْفَصِيحَةِ هُوَ الْجَزَاءُ.
وَمَعْنَاهُ أَنَّ مِنَ الْمَعْلُومِ سُوءَ عَوَاقِبِ الَّذِينَ كَذَّبُوا بِالْحَقِّ الْآتِي مِنْ عِنْدِ اللَّهِ فَلَمَّا تَقَرَّرَ فِي الْآيَةِ السَّابِقَةِ أَنَّهُمْ أَعْرَضُوا آيَاتِ اللَّهِ فَقَدْ ثَبَتَ أَنَّهُمْ كَذَّبُوا بِالْحَقِّ الْوَارِدِ مِنَ اللَّهِ، وَلِذَلِكَ فَرَّعَ عَلَيْهِ قَوْلَهُ: فَسَوْفَ يَأْتِيهِمْ أَنْباءُ مَا كانُوا بِهِ يَسْتَهْزِؤُنَ تَأْكِيدًا لِوَعْدِ الْمُؤْمِنِينَ بِالنَّصْرِ وَإِظْهَارِ الْإِسْلَامِ على الدَّين كلّ وإنذار لِلْمُشْرِكِينَ بِأَنْ سَيَحُلَّ بِهِمْ مَا حَلَّ بِالْأُمَمِ الَّذِينَ كَذَّبُوا رُسُلَهُمْ مِمَّنْ عَرَفُوا مِثْلِ عَادٍ وَثَمُودَ وَأَصْحَابِ الرَّسِّ.
وَبِهَذَا التَّقْدِيرِ لَمْ تَكُنْ حَاجَةٌ إِلَى جَعْلِ الْفَاءِ تَفْرِيعًا مَحْضًا وَجَعْلِ مَا بَعْدَهَا عِلَّةً لِجَزَاءٍ مَحْذُوفٍ مَدْلُولٍ عَلَيْهِ بِعِلَّتِهِ كَمَا هُوَ ظَاهِرُ «الْكَشَّافِ»، وَهِيَ مَضْمُونُ فَقَدْ كَذَّبُوا بِأَنْ يُقَدَّرَ: فَلَا تَعْجَبْ فَقَدْ كَذَّبُوا بِالْقُرْآنِ، لِأَنَّ مَنْ قَدَّرَ ذَلِكَ أَوْهَمَهُ أَنَّ تَكْذِيبَهُمُ الْمُرَادَ هُوَ تَكْذِيبُهُمْ بِالْآيَاتِ الَّتِي أَعْرَضُوا عَنْهَا مَا عَدَا آيَةَ الْقُرْآنِ. وَهَذَا تَخْصِيصٌ لِعُمُومِ قَوْلِهِ: مِنْ آيَةٍ بِلَا مُخَصِّصٍ، فَإِنَّ الْقُرْآنَ مِنْ جُمْلَةِ الْآيَاتِ بَلْ هُوَ الْمَقْصُودُ أَوَّلًا، وَقَدْ عَلِمْتَ أَنَّ فَقَدْ كَذَّبُوا هُوَ الْجَزَاءُ وَأَنَّ لَهُ مَوْقِعًا عَظِيمًا مِنْ بَلَاغَةِ الْإِيجَازِ، عَلَى أَنَّ ذَلِكَ التَّقْدِيرَ يَقْتَضِي

صفحة رقم 135
تحرير المعنى السديد وتنوير العقل الجديد من تفسير الكتاب المجيد
عرض الكتاب
المؤلف
محمد الطاهر بن عاشور
الناشر
الدار التونسية للنشر
سنة النشر
1403
عدد الأجزاء
1
التصنيف
التفسير
اللغة
العربية