آيات من القرآن الكريم

وَالَّذِينَ كَذَّبُوا بِآيَاتِنَا صُمٌّ وَبُكْمٌ فِي الظُّلُمَاتِ ۗ مَنْ يَشَإِ اللَّهُ يُضْلِلْهُ وَمَنْ يَشَأْ يَجْعَلْهُ عَلَىٰ صِرَاطٍ مُسْتَقِيمٍ
ﮌﮍﮎﮏﮐﮑﮒﮓﮔﮕﮖﮗﮘﮙﮚﮛﮜﮝ

(وَالَّذِينَ كَذَّبُوا بِآيَاتِنَا صُمٌّ وَبُكْمٌ فِي الظُّلُمَاتِ مَنْ يَشَإِ اللَّهُ يُضْلِلْهُ وَمَنْ يَشَأْ يَجْعَلْهُ عَلَى صِرَاطٍ مُسْتَقِيمٍ (٣٩)
* * *
هذا النص السامي يبين أن الذين لم يسارعوا إلى الحق استجابة لعناصر الانحراف والجحود في نفوسهم، واتباعًا للهوى لَا يهتدون؛ لأنهم سدوا على أنفسهم مسارب النور إلى الحق، وقد شبه سبحانه وتعالى حالهم بحال الصم والبكم الذين يسيرون في الظلمات، فإنهم لَا يبصرون طريقًا للهداية يسيرون فيه؛ إذ إنهم في ظلمات حالكة متكاثفة فلا يبصرون، ولو كان بصرهم سليما، فهؤلاء لا يجذبهم دليل ولا يهديهم برهان، ولا يمكن أن يستجيبوا لمن يهديهم، لأنهم بكم لَا ينطقون، ولا يمكنهم أن يستجيبوا لداعي الهداية، لأنهم لَا يسمعون إذ هم

صفحة رقم 2492

صم وبكم، فالكلام فيه استعارة تمثيلية إذ شبهت حال الجاحدين الذين يعرضون عن كل آية بحال الصم البكم الذين يعيشون في الظلام من حيث لَا نور يهديهم، ولا سبيل لأن يهتدوا.
وقد بين سبحانه وتعالى أن ذلك بعلم الله تعالى وإرادته، وأنه لَا تخرج حركة عن حركة إلا بإذنه فهدايته المهتدين بمشيئته، وضلال الضالين بمشيئته، فلا يخرج شيء في الوجود من غير مشيئته، ومعنى (مَن يَشَأِ اللَّهُ يُضْلِلْهُ) أي مَن يَشَأ الله تعالى له أن يكون في ضلال يضلله بأن يجعله يسير في طريق غوايته، فيعرض عن الآيات ويصاب بستار يحول بينه وبين الحق من ذات نفسه لَا من أمر خارج عنه، بل باختياره الغواية فيتركه الله يسير في طريقه الذي رسمه لنفسه، ومن يشأ الله تعالى له الهداية يسير في طريق مستقيم يوصله إلى الحق والهداية.
وهنا أمر نشير إليه، هو أن الهداية والضلال ليسا إجباريين لَا اختيار للعبد فيهما، كما يقول الجهمية ومن يسيرون في طريقهم، وليسا للعبد من كل الوجوه، كما يقول المعتزلة، ومن يسيرون في فجهم، وإنما الأمر أن للعبد اختيارًا في الطريق الذي يسيره، والله تعالى يوفقه فيه، فإن كان خيرًا خطا فيه إلى الغاية، وإن كان شرَا سار حتى الهاوية.
* * *

صفحة رقم 2493
زهرة التفاسير
عرض الكتاب
المؤلف
محمد بن أحمد بن مصطفى بن أحمد المعروف بأبي زهرة
الناشر
دار الفكر العربي
عدد الأجزاء
10
التصنيف
التفسير
اللغة
العربية