آيات من القرآن الكريم

وَالَّذِينَ كَذَّبُوا بِآيَاتِنَا صُمٌّ وَبُكْمٌ فِي الظُّلُمَاتِ ۗ مَنْ يَشَإِ اللَّهُ يُضْلِلْهُ وَمَنْ يَشَأْ يَجْعَلْهُ عَلَىٰ صِرَاطٍ مُسْتَقِيمٍ
ﮌﮍﮎﮏﮐﮑﮒﮓﮔﮕﮖﮗﮘﮙﮚﮛﮜﮝ

والصمم آفة تصيب الأذن فلا تسمع. والبكم آفة تصيب اللسان فلا ينطق. والبكم مرتبط بالصمم؛ لأن الإنسان لا يتكلم إلا إذا سمع؛ لأن اللغة بنت المحاكاة؛ فالإنسان لا يتكلم إلا إذا سمع.
إن البشر ينشأون في بيئات مختلفة اللغة ولا يتكلمون إلا باللغة التي نشأوا في

صفحة رقم 3611

بيئتها؛ لأن اللغة ليست دماً ولا جنساً. بل اللغة سماع. وما تسمعه الأذن يحكيه اللسان. ولا يقرأ الإنسان إلا إذا سمع وعرف ارتباط ما يسمع بما يرى؛ لذلك نعرف أن السمع هو المنفذ الأول للإدراك، ولهذا كان الصمم قبل البكم.
ولكن هل الإدراك مرتبط بالصمم والبكم فقط؟ لا، إن الإنسان يسمع أوَلاً، ثم يرى، ثم يتذوق، ثم يشم، ثم يلمس، ثم تأتي له المعلومات العقلية. والمثال على ذلك أن كل إنسان يعرف أن النار محرقة، وهو لم يعرف هذا إلا لأنه وجدها قد لمست كائناً وأحرقته. ومثال آخر: يتفق الناس على أن صوت العندليب جميل، وهذا الاتفاق جاء من سماع الناس لصوت العندليب. إذن فالمعلومات العقلية تأتي نتيجة للمعلومات الحسية.
﴿صُمٌّ وَبُكْمٌ فِي الظلمات﴾ إنهم بلا قدرة أيضاً على إبصار الهداية من أي ناحية؛ صم لا يسمعون لكلمة الحق، وبكم لا ينطقون، وفي ظلمات لا يهتدون إلى إدراكات الأشياء ولا إلى الإيمان. وكل ذلك مردود إلى المشيئة: ﴿مَن يَشَإِ الله يُضْلِلْهُ وَمَن يَشَأْ يَجْعَلْهُ على صِرَاطٍ مُّسْتَقِيمٍ﴾ لكن هل اقتحمت المشيئة على الناس وقهرتهم؟ لا؛ لأن الحق قال: ﴿إِنَّ الله لاَ يَهْدِي مَنْ هُوَ مُسْرِفٌ كَذَّابٌ﴾ [غافر: ٢٨].
وقال سبحانه أيضاً: ﴿والله لاَ يَهْدِي القوم الظالمين﴾ إذن، فبتقديمهم الظلم، والفسق، والكفر، وقد فعلوا ذلك اختياراً فصار المرض واستقر في قلوبهم وزادهم الله مرضاً، وهو سبحانه أغنى الأغنياء عن الشرك به، فمن أشرك مع الله شيئاً فهو له. ويأتي من بعد ذلك أمر إلى رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ: ﴿قُلْ أَرَأَيْتُكُم إِنْ أَتَاكُمْ... ﴾

صفحة رقم 3612
تفسير الشعراوي
عرض الكتاب
المؤلف
محمد متولي الشعراوي
الناشر
مطابع أخبار اليوم
سنة النشر
1991
عدد الأجزاء
20
التصنيف
التفسير
اللغة
العربية