آيات من القرآن الكريم

وَإِنْ كَانَ كَبُرَ عَلَيْكَ إِعْرَاضُهُمْ فَإِنِ اسْتَطَعْتَ أَنْ تَبْتَغِيَ نَفَقًا فِي الْأَرْضِ أَوْ سُلَّمًا فِي السَّمَاءِ فَتَأْتِيَهُمْ بِآيَةٍ ۚ وَلَوْ شَاءَ اللَّهُ لَجَمَعَهُمْ عَلَى الْهُدَىٰ ۚ فَلَا تَكُونَنَّ مِنَ الْجَاهِلِينَ
ﯻﯼﯽﯾﯿﰀﰁﰂﰃﰄﰅﰆﰇﰈﰉﰊﰋﰌﰍﰎﰏﰐﰑﰒﰓﰔﰕﰖﰗﰘ

(وَلَكِنَّ الظَّالِمِينَ بِآيَاتِ اللَّهِ يَجْحَدُونَ).
لأنهم إِنما جحدوا براهين الله جلَّ وعزَّ وجائز أن يكون فإِنَّهم لا
يُكذبونك، أي أنت عندهم صادق، لأنه - ﷺ - كان يُسمَّى فيهم الأمين قبل الرسالة، ولكنهم جحدوا بألسنتهم ما تشهد قلوبهم يكذبهم فيه.
ثم عَزَّى الله نبيه وصَبرهُ بأن أخبره أن الرسلَ قبلَه قد كَذبتهم أمم فقال:
(وَلَقَدْ كُذِّبَتْ رُسُلٌ مِنْ قَبْلِكَ فَصَبَرُوا عَلَى مَا كُذِّبُوا وَأُوذُوا حَتَّى أَتَاهُمْ نَصْرُنَا وَلَا مُبَدِّلَ لِكَلِمَاتِ اللَّهِ وَلَقَدْ جَاءَكَ مِنْ نَبَإِ الْمُرْسَلِينَ (٣٤)
أي إِذ قال الله لرسوله: (وَاللَّهُ يَعْصِمُكَ مِنَ النَّاسِ)، وإِذ قال:
(لِيُظْهِرَهُ عَلَى الدِّينِ كُلِّهِ) فَلا مبدِّلَ لِكَلِماتِ اللَّهِ أي لا يخلف الله وعده ولا
يغلب أولياءَه أحَدٌ.
ثم أعلم الله عزَّ وجلَّ رسُوله أنه يأتي من الآيات بما أحب، وأنه - ﷺ - بشر لا يقدر على الِإتيان بآية إلا بما شاءَ الله من الآيات فقال:
(وَإِنْ كَانَ كَبُرَ عَلَيْكَ إِعْرَاضُهُمْ فَإِنِ اسْتَطَعْتَ أَنْ تَبْتَغِيَ نَفَقًا فِي الْأَرْضِ أَوْ سُلَّمًا فِي السَّمَاءِ فَتَأْتِيَهُمْ بِآيَةٍ وَلَوْ شَاءَ اللَّهُ لَجَمَعَهُمْ عَلَى الْهُدَى فَلَا تَكُونَنَّ مِنَ الْجَاهِلِينَ (٣٥)
أي إِن كان عَظمَ عليك أن أعْرضوا إِذ طَلبوا منك أنْ تُنزِّلَ عليهم ملَكاً.
لأنهم قالوا: (لَوْلَا أُنزِلَ عَلَيْهِ مَلَك) ثم أعلم اللَّه جلَّ وعزَّ أنهم لو نزلتْ
عليهم الملائِكة وأتاهم عظيم من الآيات ما آمَنُوا.
وقوله: (فَإِنِ اسْتَطَعْتَ أَنْ تَبْتَغِيَ نَفَقًا فِي الْأَرْضِ).

صفحة رقم 243

والنفق الطريق النافذ في الأرض، والنافقاءُ ممدود أحَدُ جِحَرَةِ اليَرْبُوع
يَخْرِقُهُ من باطن الأرْض إلى جلدَة الأرض فإِذا بَلَغَ الجلدة أرَقها حتى إن
رابَة دَبِيب رفع برأسه هذا المكان وخرج منه. ومن هذا سُمِّيَ المنافق
منافقاً، لأنه أبطن غير ما أظهر، كالنافقاءِ الذي ظاهرهُ غَيْرُ بَينٍ، وباطنه حَفْر
في الأرْض.
وقوله: (أَوْ سُلَّمًا فِي السَّمَاءِ).
والسُّلَّم مشتق من السَّلامَةِ، وهو الشيءُ الذي يسلمك إِلى مصعدك.
المعنى فإِن استطعت هذا فافعل، وليس في القرآن فَافعَل لأنه قد يحذف ما
في الكلام دليل عليه، ومثل ذلك قولك: إن رأيت أن تمضي معنا إلى فلان.
ولا تذكر فافعل.
فأعلمَ اللَّهُ نبيه - ﷺ - أنَّه لا يستطيع أن يأْتي بآية إلا بإِذن اللَّه. وإِعلامه النبي هذا هو إِعْلام الخلق أنهم إنما اقترحوا هم الآيات وأعلم الله جلَّ وعزَّ أنَّه قادر على أن يُنزلَ آية آية، وأنَّه لو أُنزلت الملائكة وكلمهم
الموتى ما كانوا ليُؤمنوا إلا أن يشاء اللَّه.
وقوله: (وَلَوْ شَاءَ اللَّهُ لَجَمَعَهُمْ عَلَى الْهُدَى).
فيه غير قوْل، فأحدُها أنه لو شاءَ الله أن يَطْبَعَهُم عَلى الهدى لفعل
ذلك، وقول آخر: (وَلَوْ شَاءَ اللَّهُ لَجَمَعَهُمْ عَلَى الْهُدَى)
أي: لو شاءَ لأنْزَل عليهم آية تَضْطرهم إِلى الِإيمان كقوله جلَّ وعزَّ: (إِنْ نَشَأْ نُنَزِّلْ عَلَيْهِمْ مِنَ السَّمَاءِ آيَةً فَظَلَّتْ أَعْنَاقُهُمْ لَهَا خَاضِعِينَ (٤).

صفحة رقم 244
معاني القرآن وإعرابه للزجاج
عرض الكتاب
المؤلف
أبو إسحاق إبراهيم بن السري بن سهل، الزجاج
تحقيق
عبد الجليل عبده شلبي
الناشر
عالم الكتب - بيروت
سنة النشر
1408
الطبعة
الأولى
عدد الأجزاء
5
التصنيف
ألفاظ القرآن
اللغة
العربية