آيات من القرآن الكريم

وَإِنْ كَانَ كَبُرَ عَلَيْكَ إِعْرَاضُهُمْ فَإِنِ اسْتَطَعْتَ أَنْ تَبْتَغِيَ نَفَقًا فِي الْأَرْضِ أَوْ سُلَّمًا فِي السَّمَاءِ فَتَأْتِيَهُمْ بِآيَةٍ ۚ وَلَوْ شَاءَ اللَّهُ لَجَمَعَهُمْ عَلَى الْهُدَىٰ ۚ فَلَا تَكُونَنَّ مِنَ الْجَاهِلِينَ
ﯻﯼﯽﯾﯿﰀﰁﰂﰃﰄﰅﰆﰇﰈﰉﰊﰋﰌﰍﰎﰏﰐﰑﰒﰓﰔﰕﰖﰗﰘ

والبراهين، وأنهم رسل اللَّه، لكنهم عاندوا وكابروا.
ويحتمل: النصر لهم بما جعل آخر أمرهم لهم، وإن كان قد أصابهم شدائد في بدء الأمر.
أو نصرهم لما استأصل قومهم وأهلكهم بتكذيبهم الرسل، وفي استئصال القوم وإهلاكه إياهم، وإبقاء الرسل نَصْرهم، وكذلك قوله - تعالى -: (إِنَّا لَنَنْصُرُ رُسُلَنَا) وقوله: (إِنَّهُمْ لَهُمُ الْمَنْصُورُونَ)، يخرج على الوجوه التي ذكرناها.
وقوله - عَزَّ وَجَلَّ -: (وَلَا مُبَدِّلَ لِكَلِمَاتِ اللَّهِ) وهو ما ذكرنا من النصر لهم، واستئصال قومهم، وما أوعدهم من العذاب؛ فذلك كلمات اللَّه.
ويحتمل قوله: (لِكَلِمَاتِ اللَّهِ): حججه وبراهينه؛ كقوله: (وَيُحِقُّ اللَّهُ الْحَقَّ بِكَلِمَاتِهِ)، أي: بحججه وآياته، وكقوله - تعالى -: (قُلْ لَوْ كَانَ الْبَحْرُ مِدَادًا لِكَلِمَاتِ رَبِّي)، أي: حجج ربي.
وقوله - عَزَّ وَجَلَّ -: (وَلَقَدْ جَاءَكَ مِنْ نَبَإِ الْمُرْسَلِينَ) يحتمل ما ذكرنا من إهلاك القوم وإبقاء الرسل، قد جاءك ذلك النبأ.
ويحتمل قوله - تعالى -: (وَلَقَدْ جَاءَكَ مِنْ نَبَإِ الْمُرْسَلِينَ) من تكذيب قومهم لهم وأذاهم إياهم، فإن كان هذا ففيه تصبير رسول اللَّه - صَلَّى اللَّهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ -.
وقوله (وَإِنْ كَانَ كَبُرَ عَلَيْكَ إِعْرَاضُهُمْ فَإِنِ اسْتَطَعْتَ أَنْ تَبْتَغِيَ نَفَقًا فِي الْأَرْضِ... (٣٥) كان يشتد على رسول اللَّه - صَلَّى اللَّهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ - ويشق عليه كفر قومه وإعراضهم عن الإيمان، حتى كادت نفسه تتلف وتهلك لذلك إشفاقًا عليهم؛ كقوله: (فَلَا تَذْهَبْ نَفْسُكَ عَلَيْهِمْ حَسَرَاتٍ).

صفحة رقم 72

وقوله: (لَعَلَّكَ بَاخِعٌ نَفْسَكَ أَلَّا يَكُونُوا مُؤْمِنِينَ)، ونحو ذلك من الآيات، يشفق عليهم بتركهم الإيمان لما يعذبون أبدًا في النار، فعلى ذلك قوله: (وَإِنْ كَانَ كَبُرَ عَلَيْكَ إِعْرَاضُهُمْ).
أو كان يكبر عليه ويثقل إعراضهم لما كانوا يطلبون منه الآيات، حتى إذا جاء بها لا يؤمنون؛ من نحو ما قالوا: (وَلَنْ نُؤْمِنَ لِرُقِيِّكَ حَتَّى تُنَزِّلَ عَلَيْنَا كِتَابًا نَقْرَؤُهُ) وغير ذلك من الآيات التي سألوها، فطمع رسول اللَّه - صَلَّى اللَّهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ - في إيمانهم إذا جاء بما سألوا من الآيات، فكان اللَّه عالمًا بأنه وإن جاءتهم آيات لم يؤمنوا، وإنَّمَا يسألون سؤال تعنت لا سؤال طلب آيات لتدلهم على الهدى، فقال عند ذلك: (فَإِنِ اسْتَطَعْتَ أَنْ تَبْتَغِيَ نَفَقًا فِي الْأَرْضِ أَوْ سُلَّمًا فِي السَّمَاءِ).
أو أن يكون قوله: (فَإِنِ اسْتَطَعْتَ أَنْ تَبْتَغِيَ نَفَقًا فِي الْأَرْضِ) ونهيًا عن الحزن عليهم، أي: لا تحزن عليهم كل هذا الحزن بما ينزل بهم، وقد تعلم صنيعهم وسوء معاملتهم آيات الله.
وكذلك روي في القصة عن ابن عَبَّاسٍ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - أن نفرًا من قريش قالوا: يا مُحَمَّد، ائتنا بآية كما كانت الأنبياء تأتي قومها بالآيات إذا سألوهم: فإن أتيتنا آمنا بك وصدقناك، فأبى اللَّه أن يأتيهم بما قالوا، فأعرضوا عنه، فكبر ذلك عليه وشق، فأنزل اللَّه: (فَإِنِ اسْتَطَعْتَ...). يقول: إن قدرت (أَنْ تَبْتَغِيَ) يقول: أن تطلب (نَفَقًا فِي الْأَرْضِ) يقول: سربًا في الأرض كنفق اليربوع نافذًا أو مخرجًا فتوارى

صفحة رقم 73

فيه منهم (أَوْ سُلَّمًا فِي السَّمَاءِ) يكون سببًا إلى صعود السماء، (فَتَأْتِيَهُمْ بِآيَةٍ) التي سألوكها فافعل.
قَالَ الْقُتَبِيُّ: النفق في الأرض: المدخل، وهو السرب، والسلم في السماء: المصعد.
وقال أَبُو عَوْسَجَةَ: النفق: الغار، والأنفاق: الغيران، والغار واحد.
وقوله - عَزَّ وَجَلَّ -: (وَلَوْ شَاءَ اللَّهُ لَجَمَعَهُمْ عَلَى الْهُدَى).
قال الحسن: أي: لو شاء اللَّه لقهرهم على الهدى وأكرههم، كما فعل بالملائكة؛ إذ من قوله إن الملائكة مجبورون مقهورون على ذلك، ثم هو يفضل الملائكة على البشر ويجعل لهم مناقب، لا يجعل ذلك لأحد من البشر، فلو كانت الملائكة مجبورين مقهورين على ذلك، لم يكن في ذلك لهم كبير منقبة؛ ففي قوله اضطراب.
وأما تأويله عندنا: (وَلَوْ شَاءَ اللَّهُ لَجَمَعَهُمْ عَلَى الْهُدَى)، أي: لجعلهم جميعًا بحيث اختاروا الهدى وآثروه على غيره، ولكن لما علم منهم أنهم يختارون الكفر على

صفحة رقم 74
تأويلات أهل السنة
عرض الكتاب
المؤلف
محمد بن محمد بن محمود، أبو منصور الماتريدي
تحقيق
مجدي محمد باسلوم
الناشر
دار الكتب العلمية - بيروت، لبنان
سنة النشر
1426
الطبعة
الأولى
عدد الأجزاء
10
التصنيف
التفسير
اللغة
العربية