آيات من القرآن الكريم

وَيَوْمَ نَحْشُرُهُمْ جَمِيعًا ثُمَّ نَقُولُ لِلَّذِينَ أَشْرَكُوا أَيْنَ شُرَكَاؤُكُمُ الَّذِينَ كُنْتُمْ تَزْعُمُونَ
ﮜﮝﮞﮟﮠﮡﮢﮣﮤﮥﮦﮧ ﮩﮪﮫﮬﮭﮮﮯﮰﮱﯓﯔﯕ ﯗﯘﯙﯚﯛﯜﯝﯞﯟﯠﯡ

عليه السلام ورسالته، وذلك على ما في قوله: وَأُوحِيَ إِلَيَّ هذَا الْقُرْآنُ لِأُنْذِرَكُمْ [الأنعام: ١٩] فكأنه قال وأهل الكتاب يعرفون ذلك من إنذاري والوحي إليّ، وتأول هذا التأويل عمر بن الخطاب رضي الله عنه، يدل على ذلك قوله لعبد الله بن سلام إن الله أنزل على نبيه بمكة أنكم تعرفونه كما تعرفون أبناءكم فكيف هذه المعرفة فقال عبد الله بن سلام نعم أعرفه الصفة التي وصفه الله في التوراة فلا أشك فيه، وأما ابني فلا أدري ما أحدثت أمه.
قال القاضي أبو محمد: وتأول ابن سلام رضي الله عنه المعرفة بالابن تحقق صحة نسبه، وغرض الآية إنما هو الوقوف على صورته فلا يخطىء الأب فيها، وقالت فرقة: الضمير من يَعْرِفُونَهُ عائد على القرآن المذكور قبل.
قال القاضي أبو محمد: ويصح أن تعيد الضمير على هذه كلها دون اختصاص، كأنه وصف أشياء كثيرة، ثم قال: أهل الكتاب يَعْرِفُونَهُ أي ما قلنا وما قصصنا وقوله تعالى: الَّذِينَ خَسِرُوا الآية، يصح أن يكون الَّذِينَ نعتا تابعا ل الَّذِينَ قبله، والفاء من قوله فَهُمْ عاطفة جملة على جملة، وهذا يحسن على تأويل من رأى في الآية قبلها أن أهل الكتاب متوعدون مذمومون لا مستشهد بهم، ويصح أن يكون الَّذِينَ رفعا بالابتداء على استئناف الكلام، وخبره فَهُمْ لا يُؤْمِنُونَ والفاء على هذا جواب، وخَسِرُوا معناه غبنوها، وقد تقدم، وروي أن كل عبد له منزل في الجنة ومنزل في النار، فالمؤمنون ينزلون منازل أهل الكفر في الجنة والكافرون ينزلون منازل أهل الجنة في النار فهاهنا هي الخسارة بينة والربح الآخرين، وقوله تعالى: وَمَنْ أَظْلَمُ الآية مَنْ استفهام مضمنه التوقيف والتقرير، أي لا أحد أظلم ممن افترى، وافْتَرى معناه اختلق، والمكذب بالآيات مفتري كذب، ولكنهما منحيان من الكفر، فلذلك نصا مفسرين، و «الآيات» العلامات والمعجزات ونحو ذلك، ثم أوجب إِنَّهُ لا يُفْلِحُ الظَّالِمُونَ والفلاح بلوغ الأمل والإرادة والنجاح، ومنه قول عبيد: [الرجز]

أفلح بما شئت فقد تبلغ بالض ضعف وقد يخدع الأريب
قوله عز وجل:
[سورة الأنعام (٦) : الآيات ٢٢ الى ٢٤]
وَيَوْمَ نَحْشُرُهُمْ جَمِيعاً ثُمَّ نَقُولُ لِلَّذِينَ أَشْرَكُوا أَيْنَ شُرَكاؤُكُمُ الَّذِينَ كُنْتُمْ تَزْعُمُونَ (٢٢) ثُمَّ لَمْ تَكُنْ فِتْنَتُهُمْ إِلاَّ أَنْ قالُوا وَاللَّهِ رَبِّنا ما كُنَّا مُشْرِكِينَ (٢٣) انْظُرْ كَيْفَ كَذَبُوا عَلى أَنْفُسِهِمْ وَضَلَّ عَنْهُمْ ما كانُوا يَفْتَرُونَ (٢٤)
قالت فرقة: لا يُفْلِحُ الظَّالِمُونَ [الأنعام: ٢١] كلام تام معناه لا يفلحون جملة، ثم استأنف فقال: واذكر يوم نحشرهم، وقال الطبري المعنى لا يفلح الظالمون اليوم في الدنيا وَيَوْمَ نَحْشُرُهُمْ عطفا على الظرف المقدر والكلام متصل، وقرأت طائفة «نحشرهم» و «نقول» بالنون، وقرأ حميد ويعقوب فيهما بالياء، وقرأ عاصم هنا وفي يونس قبل الثلاثين «نحشرهم ونقول» بالنون، وقرأ في باقي القرآن بالياء، وقرأ أبو هريرة «نحشرهم» بكسر الشين فيجيء الفعل على هذا حشر يحشر ويحشر، وأضاف الشركاء إليهم لأنه

صفحة رقم 277

لا شركة لهم في الحقيقة بين الأصنام وبين شيء وإنما وقع عليها اسم الشريك بمجرد تسمية الكفرة فأضيفت إليهم لهذه النسبة وتَزْعُمُونَ معناه تدعون أنهم لله، والزعم القول الأميل إلى الباطل والكذب في أكثر كلامهم، وقد يقال زعم بمعنى ذكر دون ميل إلى الكذب، وعلى هذا الحد يقول سيبويه زعم الخليل ولكن ذلك إنما يستعمل في الشيء الغريب الذي تبقى عهدته على قائله، وقوله تعالى: ثُمَّ لَمْ تَكُنْ فِتْنَتُهُمْ إِلَّا أَنْ قالُوا الآية قرأ ابن كثير في رواية شبل عنه وعاصم في رواية حفص وابن عامر «تكن فتنتهم» برفع الفتنة وإِلَّا أَنْ قالُوا في موضع نصب على الخبر التقدير إلا قولهم، وهذا مستقيم لأنه أنث العلامة في الفعل حين أسنده إلى مؤنث وهي الفتنة، وقرأ نافع وأبو عمرو وعاصم في رواية أبي بكر وابن كثير أيضا «تكن فتنتهم» بنصب الفتنة، واسم كان أَنْ قالُوا، وفي هذه القراءة تأنيث أَنْ قالُوا وساغ ذلك من حيث كان الفتنة في المعنى، قال أبو علي وهذا كقوله تعالى: فَلَهُ عَشْرُ أَمْثالِها [الأنعام: ١٦٠] فأنث الأمثال لما كانت الحسنات بالمعنى وقرأ حمزة والكسائي «يكن» بالياء «فتنتهم» بالنصب واسم كان إِلَّا أَنْ قالُوا وهذا مستقيم لأنه ذكر علامة الفعل حين أسنده إلى مذكر، قال الزهراوي وقرأت فرقة «يكن فتنتهم» برفع الفتنة، وفي هذه القراءة إسناد فعل مذكر العلامة إلى مؤنث، وجاء ذلك بالمعنى لأن الفتنة بمعنى الاختبار أو المودة في الشيء والإعجاب وقرأ أبي بن وكيع وابن مسعود والأعمش «وما كان فتنتهم»، وقرأ طلحة بن مصرف، «ثم كان فتنتهم» والفتنة في كلام العرب لفظة مشتركة تقال بمعنى حب الشيء والإعجاب به كما تقول فتنت بكذا، وتحتمل الآية هنا هذا المعنى أي لم يكن حبهم للأصنام وإعجابهم بها واتباعهم لها لما سئلوا عنها ووقفوا على عجزها إلا التبري منها والإنكار لها، وهذا توبيخ لهم كما تقول لرجل كان يدعي مودة آخر ثم انحرف عنه وعاداه يا فلان لم تكن مودتك لفلان إلا أن شتمته وعاديته، ويقال الفتنة في كلام العرب بمعنى الاختبار، كما قال عز وجل لموسى عليه السلام: وَفَتَنَّاكَ فُتُوناً [طه: ٤٠]، وكقوله تعالى: وَلَقَدْ فَتَنَّا سُلَيْمانَ وَأَلْقَيْنا [ص: ٣٤] وتحتمل الآية هاهنا هذا المعنى لأن سؤالهم عن الشركاء وتوقيفهم اختبار، فالمعنى ثم لم يكن اختبارنا لهم إذ لم يفد ولا أثمر، إلا إنكارهم الإشراك، وتجيء الفتنة في اللغة على معان غير هذين لا مدخل لها في الآية ومن قال إن أصل الفتنة الاختبار من فتنت الذهب في النار ثم يستعار بعد ذلك في غيره فقد أخطأ لأن الاسم لا يحكم عليه بمعنى الاستعارة حتى يقطع باستحالة حقيقته في الموضع الذي استعير له كقول ذي الرمة: [الطويل] ولفّ الثّريّا في ملاءته الفجر ونحوه، والفتنة لا يستحيل أن تكون حقيقة في كل موضع قيلت عليه، وقرأ نافع وابن كثير وأبو عمرو وعاصم وابن عامر والله «ربّنا» خفض على النعت لاسم الله، وقرأ حمزة والكسائي «ربّنا» نصب على النداء. ويجوز فيه تقدير المدح، وقرأ عكرمة وسلام بن مسكين «والله ربّنا» برفع الاسمين وهذا على تقدير تقديم وتأخير كأنهم قالوا ما كنا مشركين والله ربنا، وما كُنَّا مُشْرِكِينَ معناه جحود إشراكهم في الدنيا، فروي أنهم إذا رأوا إخراج من في النار من أهل الإيمان ضجوا فيوقفون ويقال لهم أين شركاؤكم فينكرون طماعية منهم أن يفعل بهم ما فعل بأهل الإيمان. وأتى رجل ابن عباس فقال: سمعت الله يقول: وَاللَّهِ رَبِّنا ما كُنَّا مُشْرِكِينَ وفي أخرى وَلا يَكْتُمُونَ اللَّهَ حَدِيثاً [النساء: ٤٢]

صفحة رقم 278
المحرر الوجيز فى تفسير الكتاب العزيز
عرض الكتاب
المؤلف
أبو محمد عبد الحق بن غالب بن عبد الرحمن بن تمام بن عطية الأندلسي المحاربي
تحقيق
عبد السلام عبد الشافي محمد
الناشر
دار الكتب العلمية - بيروت
سنة النشر
1422 - 2001
الطبعة
الأولى
عدد الأجزاء
1
التصنيف
التفسير
اللغة
العربية