
يقول تعالى مخبراً عن المشركين ﴿ وَيَوْمَ نَحْشُرُهُمْ جَمِيعاً ﴾ يوم القيامة فيسألهم عن الأصنام والأنداد التي كانوا يعبدونها من دونه، قائلاً لهم :﴿ أَيْنَ شُرَكَآؤُكُمُ الذين كُنتُمْ تَزْعُمُونَ ﴾، كقوله تعالى في سورة القصص :﴿ وَيَوْمَ يُنَادِيهِمْ فَيَقُولُ أَيْنَ شُرَكَآئِيَ الذين كُنتُمْ تَزْعُمُونَ ﴾ [ القصص : ٦٢، ٧٤ ]، وقوله تعالى :﴿ ثُمَّ لَمْ تَكُنْ فِتْنَتُهُمْ ﴾ أي حجتهم ﴿ إِلاَّ أَن قَالُواْ والله رَبِّنَا مَا كُنَّا مُشْرِكِينَ ﴾، قال ابن عباس : أي حجتهم، وقال عطاء عنه : أي معذرتهم، وكذا قال قتادة، وقال عطاء الخراساني :﴿ ثُمَّ لَمْ تَكُنْ فِتْنَتُهُمْ ﴾ بليتهم حين ابتلوا ﴿ إِلاَّ أَن قَالُواْ والله رَبِّنَا مَا كُنَّا مُشْرِكِينَ ﴾ وقال ابن جرير : والصواب : ثم لم يكن قيلهم عند فتنتنا إياهم اعتذاراً عما سلف منهم من الشرك بالله ﴿ إِلاَّ أَن قَالُواْ والله رَبِّنَا مَا كُنَّا مُشْرِكِينَ ﴾، وقال ابن أبي حاتم عن سعيد بن جبير عن ابن عباس قال : أتاه رجل. فقال : يا ابن عباس سمعت الله يقول :﴿ والله رَبِّنَا مَا كُنَّا مُشْرِكِينَ ﴾ قال : أما قوله :﴿ والله رَبِّنَا مَا كُنَّا مُشْرِكِينَ ﴾ فإنهم رأوا أنه لا يدخل الجنة إلاّ أهل الصلاة، فقالوا : تعالوا فلنجحد فيجحدون، فيختم الله على أفواههم، وتشهد أيديهم وأرجلهم، ولا يكتمون الله حديثاً فهل في قلبك الآن شيء؟ إنه ليس من القرآن شيء إلاّ ونزل فيه شيء، ولكن لا تعلمون وجهه، ولهذا قال في حق هؤلاء :﴿ انظر كَيْفَ كَذَبُواْ على أَنفُسِهِمْ وَضَلَّ عَنْهُمْ مَّا كَانُواْ يَفْتَرُونَ ﴾، كقوله :﴿ ثُمَّ قِيلَ لَهُمْ أَيْنَ مَا كُنتُمْ تُشْرِكُونَ مِن دُونِ الله قَالُواْ ضَلُّواْ عَنَّا ﴾ [ غافر : ٧٣-٧٤ ] الآية، وقوله :﴿ وَمِنْهُمْ مَّن يَسْتَمِعُ إِلَيْكَ وَجَعَلْنَا على قُلُوبِهِمْ أَكِنَّةً أَن يَفْقَهُوهُ وفي آذَانِهِمْ وَقْراً وَإِن يَرَوْاْ كُلَّ آيَةٍ لاَّ يُؤْمِنُواْ بِهَا ﴾ : أي يجيئون ليستمعوا قراءتك ولا تجزي عنهم شيئاً لأن الله جعل ﴿ على قُلُوبِهِمْ أَكِنَّةً ﴾ أي أغطية لئلا يفقهوا القرآن، ﴿ وفي آذَانِهِمْ وَقْراً ﴾ أي صمماً عن السماع النافع لهم. كما قال تعالى :﴿ وَمَثَلُ الذين كَفَرُواْ كَمَثَلِ الذي يَنْعِقُ بِمَا لاَ يَسْمَعُ إِلاَّ دُعَآءً وَنِدَآءً ﴾ [ البقرة : ١٧١ ] الآية.
وقوله تعالى :﴿ وَإِن يَرَوْاْ كُلَّ آيَةٍ لاَّ يُؤْمِنُواْ بِهَا ﴾ أي مهما رأوا من الآيات والدلالات والحجج البينات والبراهين لا يؤمنوا بها، فلا فهم عندهم ولا إنصاف، كقوله تعالى :﴿ وَلَوْ عَلِمَ الله فِيهِمْ خَيْراً لأَسْمَعَهُمْ ﴾ [ الأنفال : ٢٣ ] الآية. وقوله تعالى :﴿ حتى إِذَا جَآءُوكَ يُجَادِلُونَكَ ﴾ أي يحاجونك ويناظرونك في الحق بالباطل، ﴿ يَقُولُ الذين كفروا إِنْ هاذآ إِلاَّ أَسَاطِيرُ الأولين ﴾ أي ما هذا الذي جئت به إلاّ مأخوذ من كتب الأوائل ومنقول عنهم. وقوله :﴿ وَهُمْ يَنْهَوْنَ عَنْهُ وَيَنْأَوْنَ عَنْهُ ﴾ في معنى ينهون عنه قولان، ( أحدهما ) : أن المراد أنهم ينهون الناس عن اتباع الحق وتصديق الرسول والانقياد للقرآن ﴿ وَيَنْأَوْنَ عَنْهُ ﴾ أي ويبعدون هم عنه فيجمعون بين الفعلين القبيحين لا ينتفعون ولا يدعون أحداً ينتفع.

قال ابن عباس :﴿ وَهُمْ يَنْهَوْنَ عَنْهُ ﴾ يردون الناس عن محمد ﷺ أن يؤمنوا به. وقال محمد بن الحنفيه : كان كفار قريش لا يأتون النبي ﷺ وينهون عنه، وهذا القول أظهر وهو اختيار ابن جرير. ( والقول الثاني ) : رواه سفيان عن ابن عباس قال : نزلت في أبي طالب، كان ينهى الناس عن النبي ﷺ أن يؤذى، وقال سعيد بن أبي هلال : نزلت في عمومة النبي ﷺ وكانوا عشرة، فكانوا أشد الناس معه في العلانية وأشد الناس عليه في السر. وقال محمد بن كعب القرظي :﴿ وَهُمْ يَنْهَوْنَ عَنْهُ ﴾ أي ينهون الناس عن قتله. وقوله :﴿ وَيَنْأَوْنَ عَنْهُ ﴾ أي يتباعدون منه، ﴿ وَإِن يُهْلِكُونَ إِلاَّ أَنفُسَهُمْ وَمَا يَشْعُرُونَ ﴾ أي وما يهلكون بهذا الصنيع ولا يعود وباله إلاّ عليهم وهم لا يشعرون.
صفحة رقم 727