آيات من القرآن الكريم

هَلْ يَنْظُرُونَ إِلَّا أَنْ تَأْتِيَهُمُ الْمَلَائِكَةُ أَوْ يَأْتِيَ رَبُّكَ أَوْ يَأْتِيَ بَعْضُ آيَاتِ رَبِّكَ ۗ يَوْمَ يَأْتِي بَعْضُ آيَاتِ رَبِّكَ لَا يَنْفَعُ نَفْسًا إِيمَانُهَا لَمْ تَكُنْ آمَنَتْ مِنْ قَبْلُ أَوْ كَسَبَتْ فِي إِيمَانِهَا خَيْرًا ۗ قُلِ انْتَظِرُوا إِنَّا مُنْتَظِرُونَ
ﭑﭒﭓﭔﭕﭖﭗﭘﭙﭚﭛﭜﭝﭞﭟﭠﭡﭢﭣﭤﭥﭦﭧﭨﭩﭪﭫﭬﭭﭮﭯﭰﭱﭲﭳﭴﭵﭶﭷ

اعْلَمْ أَنَّ قَوْلَهُ: وَهذا كِتابٌ لَا شَكَّ أَنَّ الْمُرَادَ هُوَ الْقُرْآنُ وَفَائِدَةُ وَصْفِهِ بِأَنَّهُ مُبَارَكٌ أَنَّهُ ثَابِتٌ لَا يَتَطَرَّقُ إِلَيْهِ النَّسْخُ كَمَا فِي الْكِتَابَيْنِ أَوِ الْمُرَادُ أَنَّهُ كَثِيرُ الْخَيْرِ وَالنَّفْعِ.
ثُمَّ قَالَ: فَاتَّبِعُوهُ وَالْمُرَادُ ظَاهِرٌ.
ثُمَّ قَالَ: وَاتَّقُوا لَعَلَّكُمْ تُرْحَمُونَ أَيْ لِكَيْ تُرْحَمُوا. وَفِيهِ ثَلَاثَةُ أَقْوَالٍ: قِيلَ اتَّقُوا مُخَالَفَتَهُ عَلَى رَجَاءِ الرَّحْمَةِ وَقِيلَ: اتَّقُوا لِتُرْحَمُوا أَيْ لِيَكُونَ الْغَرَضُ بِالتَّقْوَى رَحْمَةَ اللَّهِ وَقِيلَ: اتَّقُوا لِتُرْحَمُوا جَزَاءً عَلَى التَّقْوَى.
ثُمَّ قَالَ تَعَالَى: أَنْ تَقُولُوا إِنَّما أُنْزِلَ الْكِتابُ عَلى طائِفَتَيْنِ مِنْ قَبْلِنا وَفِيهِ وُجُوهٌ:
الْوَجْهُ الْأَوَّلُ: قَالَ الْكِسَائِيُّ وَالْفَرَّاءُ وَالتَّقْدِيرُ: أَنْزَلْنَاهُ لِئَلَّا تَقُولُوا ثُمَّ حَذَفَ الْجَارَّ وَحَرْفَ النَّفْيِ كَقَوْلِهِ:
يُبَيِّنُ اللَّهُ لَكُمْ أَنْ تَضِلُّوا [النِّسَاءِ: ١٧٦] وَقَوْلِهِ: رَواسِيَ أَنْ تَمِيدَ بِكُمْ [النَّحْلِ: ١٥] أَيْ لِئَلَّا.
وَالْوَجْهُ الثَّانِي: وَهُوَ قَوْلُ الْبَصْرِيِّينَ مَعْنَاهُ: أَنْزَلْنَاهُ كَرَاهَةَ أَنْ تَقُولُوا وَلَا يُجِيزُونَ إِضْمَارَ «لَا» فَإِنَّهُ لَا يَجُوزُ أَنْ يُقَالَ: جِئْتُ أَنْ أُكْرِمَكَ بِمَعْنَى: أَنْ لَا أُكْرِمَكَ وَقَدْ ذَكَرْنَا تَحْقِيقَ هَذِهِ الْمَسْأَلَةِ فِي آخِرِ سُورَةِ النِّسَاءِ.
وَالْوَجْهُ الثَّالِثُ: قَالَ الْفَرَّاءُ: يَجُوزُ أَنْ يَكُونَ «أَنْ» مُتَعَلِّقَةً بِاتَّقُوا وَالتَّأْوِيلُ: وَاتَّقُوا أَنْ تَقُولُوا إِنَّمَا أُنْزِلَ الْكِتَابُ.
الْبَحْثُ الثَّانِي: قَوْلُهُ: أَنْ تَقُولُوا خِطَابٌ لِأَهْلِ مَكَّةَ وَالْمَعْنَى: كَرَاهَةَ أَنْ يَقُولَ أَهْلُ مَكَّةَ أُنْزِلَ الْكِتَابُ وَهُوَ التَّوْرَاةُ وَالْإِنْجِيلُ عَلَى طَائِفَتَيْنِ مِنْ قَبْلِنَا وَهُمُ الْيَهُودُ وَالنَّصَارَى وَإِنْ كُنَّا «ان» هي المخففة مِنَ الثَّقِيلَةِ وَاللَّامُ هِيَ الْفَارِقَةُ بَيْنَهَا وَبَيْنَ النَّافِيَةِ وَالْأَصْلُ وَأَنَّهُ كُنَّا عَنْ دِرَاسَتِهِمْ لَغَافِلِينَ وَالْمُرَادُ بِهَذِهِ الْآيَاتِ إِثْبَاتُ الْحُجَّةِ عَلَيْهِمْ بِإِنْزَالِ الْقُرْآنِ عَلَى مُحَمَّدٍ كَيْ لَا يَقُولُوا يَوْمَ القيامة ان التوراة والإنجيلى أُنْزِلَا عَلَى طَائِفَتَيْنِ مِنْ قَبْلِنَا وَكُنَّا غَافِلِينَ عَمَّا فِيهِمَا فَقَطَعَ اللَّهُ عُذْرَهُمْ بِإِنْزَالِ الْقُرْآنِ عَلَيْهِمْ وَقَوْلُهُ: وَإِنْ كُنَّا عَنْ دِراسَتِهِمْ لَغافِلِينَ أَيْ لَا نَعْلَمُ مَا هِيَ لِأَنَّ كِتَابَهُمْ مَا كَانَ بِلُغَتِنَا وَمَعْنَى أَوْ تَقُولُوا لَوْ أَنَّا أُنْزِلَ عَلَيْنَا الْكِتَابُ لَكُنَّا أَهْدَى مِنْهُمْ مُفَسِّرٌ لِلْأَوَّلِ فِي أَنَّ مَعْنَاهُ لِئَلَّا يَقُولُوا وَيَحْتَجُّوا بِذَلِكَ ثُمَّ بَيَّنَ تَعَالَى قَطْعَ احْتِجَاجِهِمْ بِهَذَا وَقَالَ: فَقَدْ جاءَكُمْ بَيِّنَةٌ مِنْ رَبِّكُمْ وَهُوَ الْقُرْآنُ وَمَا جَاءَ بِهِ الرَّسُولُ وَهُدىً وَرَحْمَةٌ.
فَإِنْ قِيلَ: الْبَيِّنَةُ وَالْهُدَى وَاحِدٌ فَمَا الْفَائِدَةُ فِي التَّكْرِيرِ؟
قُلْنَا: الْقُرْآنُ بَيِّنَةٌ فِيمَا يُعْلَمُ سَمْعًا وَهُوَ هُدًى فِيمَا يُعْلَمُ سَمْعًا وَعَقْلًا فَلَمَّا اخْتَلَفَتِ الْفَائِدَةُ صَحَّ هَذَا الْعَطْفُ وَقَدْ بَيَّنَّا أَنَّ مَعْنَى رَحْمَةٌ أَيْ إِنَّهُ نِعْمَةٌ فِي الدِّينِ.
ثُمَّ قَالَ تَعَالَى: فَمَنْ أَظْلَمُ مِمَّنْ كَذَّبَ بِآياتِ اللَّهِ وَالْمُرَادُ تَعْظِيمُ كُفْرِ مَنْ كَذَّبَ بِآيَاتِ اللَّهِ وَصَدَفَ عَنْهَا أَيْ مَنَعَ عَنْهَا لِأَنَّ الْأَوَّلَ ضَلَالٌ وَالثَّانِيَ: مَنْعٌ عَنِ الْحَقِّ وَإِضْلَالٌ.
ثُمَّ قَالَ تَعَالَى: سَنَجْزِي الَّذِينَ يَصْدِفُونَ عَنْ آياتِنا سُوءَ الْعَذابِ وَهُوَ كَقَوْلِهِ: الَّذِينَ كَفَرُوا وَصَدُّوا عَنْ سَبِيلِ اللَّهِ زِدْناهُمْ عَذاباً فَوْقَ الْعَذابِ [النحل: ٨٨].
[سورة الأنعام (٦) : آية ١٥٨]
هَلْ يَنْظُرُونَ إِلاَّ أَنْ تَأْتِيَهُمُ الْمَلائِكَةُ أَوْ يَأْتِيَ رَبُّكَ أَوْ يَأْتِيَ بَعْضُ آياتِ رَبِّكَ يَوْمَ يَأْتِي بَعْضُ آياتِ رَبِّكَ لَا يَنْفَعُ نَفْساً إِيمانُها لَمْ تَكُنْ آمَنَتْ مِنْ قَبْلُ أَوْ كَسَبَتْ فِي إِيمانِها خَيْراً قُلِ انْتَظِرُوا إِنَّا مُنْتَظِرُونَ (١٥٨)

صفحة رقم 187
مفاتيح الغيب
عرض الكتاب
المؤلف
أبو عبد الله محمد بن عمر (خطيب الري) بن الحسن بن الحسين التيمي الرازي
الناشر
دار إحياء التراث العربي - بيروت
سنة النشر
1420
الطبعة
الثالثة
عدد الأجزاء
1
التصنيف
التفسير
اللغة
العربية