آيات من القرآن الكريم

هَلْ يَنْظُرُونَ إِلَّا أَنْ تَأْتِيَهُمُ الْمَلَائِكَةُ أَوْ يَأْتِيَ رَبُّكَ أَوْ يَأْتِيَ بَعْضُ آيَاتِ رَبِّكَ ۗ يَوْمَ يَأْتِي بَعْضُ آيَاتِ رَبِّكَ لَا يَنْفَعُ نَفْسًا إِيمَانُهَا لَمْ تَكُنْ آمَنَتْ مِنْ قَبْلُ أَوْ كَسَبَتْ فِي إِيمَانِهَا خَيْرًا ۗ قُلِ انْتَظِرُوا إِنَّا مُنْتَظِرُونَ
ﭑﭒﭓﭔﭕﭖﭗﭘﭙﭚﭛﭜﭝﭞﭟﭠﭡﭢﭣﭤﭥﭦﭧﭨﭩﭪﭫﭬﭭﭮﭯﭰﭱﭲﭳﭴﭵﭶﭷ ﭹﭺﭻﭼﭽﭾﭿﮀﮁﮂﮃﮄﮅﮆﮇﮈﮉﮊﮋﮌ ﮎﮏﮐﮑﮒﮓﮔﮕﮖﮗﮘﮙﮚﮛﮜﮝﮞ

نصرانيته منهم بعد الفتح الإسلامي إلى بضع عشرات السنين لم تكن منتشرة أو لم تكن تامة. ولقد تبدل الحال بعد ذلك. ففي تفسير البغوي والطبرسي والخازن وابن كثير مثلا وهم من أهل القرون الخامس والسادس والسابع ما يمكن أن يفيد أنهم كانوا مطلعين على ترجمة عربية لأسفار العهد القديم والعهد الجديد أو لبعضها وبخاصة لبعض الأناجيل المتداولة. والله تعالى أعلم.
[سورة الأنعام (٦) : الآيات ١٥٨ الى ١٦٠]
هَلْ يَنْظُرُونَ إِلاَّ أَنْ تَأْتِيَهُمُ الْمَلائِكَةُ أَوْ يَأْتِيَ رَبُّكَ أَوْ يَأْتِيَ بَعْضُ آياتِ رَبِّكَ يَوْمَ يَأْتِي بَعْضُ آياتِ رَبِّكَ لا يَنْفَعُ نَفْساً إِيمانُها لَمْ تَكُنْ آمَنَتْ مِنْ قَبْلُ أَوْ كَسَبَتْ فِي إِيمانِها خَيْراً قُلِ انْتَظِرُوا إِنَّا مُنْتَظِرُونَ (١٥٨) إِنَّ الَّذِينَ فَرَّقُوا دِينَهُمْ وَكانُوا شِيَعاً لَسْتَ مِنْهُمْ فِي شَيْءٍ إِنَّما أَمْرُهُمْ إِلَى اللَّهِ ثُمَّ يُنَبِّئُهُمْ بِما كانُوا يَفْعَلُونَ (١٥٩) مَنْ جاءَ بِالْحَسَنَةِ فَلَهُ عَشْرُ أَمْثالِها وَمَنْ جاءَ بِالسَّيِّئَةِ فَلا يُجْزى إِلاَّ مِثْلَها وَهُمْ لا يُظْلَمُونَ (١٦٠)
(١) ينظرون: ينتظرون.
(٢) لست منهم في شيء: لست مسؤولا عن عملهم أو أنت بريء منهم.
(٣) لا يظلمون: لا يكون عليهم حيف وجور إلّا حسب استحقاقهم.
في الآيات سؤال استنكاري عما ينتظره الكفار المشركون بعد ما جاءتهم بينة الله وكتابه وهداه وتفصيل طريقه القويم، وهل ينتظرون أن تأتيهم الملائكة أو يأتيهم الله أو تأتيهم بعض آيات الله حتى يؤمنوا؟ وتقرير بأن بعض آيات الله سوف تأتيهم ولكن الفرصة تكون حينئذ قد ضاعت منهم، ولم يعد الإيمان ينفع الذين لم يكونوا قد آمنوا وعملوا الصالحات والخيرات قبلها. وأمر للنبي ﷺ بأن يقول لهم على سبيل الإنذار والإمهال انتظروا ذلك فنحن أيضا منتظرون. وخطاب له بأنه ليس مسؤولا عن الذين اتبعوا الأهواء في الدين وتفرقوا فيه شيعا، وأنه بريء منهم وأن أمرهم في يد الله ومرجعهم إليه حيث ينبئهم بما فعلوا ويجزيهم عليه بما استحقوا، ومن فعل الحسنة جوزي بعشر أمثالها ومن اقترف السيئة جوزي بمثلها دون ظلم ولا إجحاف.

صفحة رقم 194

والآيات متصلة بالسياق واستمرار له وتعقيب عليه كما هو المتبادر.
تعليق على الآية يَوْمَ يَأْتِي بَعْضُ آياتِ رَبِّكَ لا يَنْفَعُ نَفْساً إِيمانُها لَمْ تَكُنْ آمَنَتْ مِنْ قَبْلُ أَوْ كَسَبَتْ فِي إِيمانِها خَيْراً قُلِ انْتَظِرُوا إِنَّا مُنْتَظِرُونَ
ولقد قال المفسرون إن هذه الآية تعني ما يسمى بعلامات الساعة التي تسبق ختام الدنيا كما تضمنت أن باب التوبة والإيمان ينسد حينئذ فلا ينفع نفسا إيمانها وتوبتها. وأوردوا في صدد ذلك أحاديث عديدة منها ما ورد في الكتب الخمسة ومنها ما لم يرد وكثير مما لم يرد في الكتب الخمسة مقارب لما ورد في هذه الكتب. فرأينا أن نكتفي بطائفة مما ورد في هذه الكتب لأنها الأوثق. فمن ذلك حديث رواه البخاري عن أبي هريرة في تفسير الآية قال: «قال النبي ﷺ لا تقوم الساعة حتى تطلع الشمس من مغربها فإذا طلعت ورآها الناس آمنوا أجمعون وذلك حين لا ينفع نفسا إيمانها» «١». وحديث رواه الترمذي بسند حسن عن أبي هريرة قال: «قال النبيّ ﷺ ثلاث إذا خرجن لم ينفع نفسا إيمانها لم تكن آمنت من قبل:
الدجّال والدابة وطلوع الشمس من المغرب أو من مغربها»
«٢». وحديث رواه مسلم وأبو داود عن عبد الله بن عمرو قال: «حفظت عن رسول الله ﷺ حديثا لم أنسه بعد، سمعته يقول إن أول الآيات خروجا طلوع الشمس من مغربها وخروج الدابة على الناس ضحى. وأيّهما ما كانت قبل صاحبتها فالأخرى على إثرها قريبا» «٣».
وحديث رواه مسلم والترمذي وأبو داود عن حذيفة الغفاري قال: «اطلع النبي ﷺ علينا ونحن نتذاكر فقال ما تذكرون؟ قالوا: نذكر الساعة، قال إنها لن تقوم حتى

(١) التاج ج ٤ ص ١٠٢.
(٢) المصدر نفسه.
(٣) التاج ج ٥ ص ٣٠٤- ٣٠٧. وفي التاج أحاديث أخرى من هذا الباب فاكتفينا بما تقدم.

صفحة رقم 195

تروا قبلها عشر آيات. فذكر الدخان والدّجال والدابة وطلوع الشمس من مغربها ونزول عيسى ابن مريم ويأجوج ومأجوج وثلاثة خسوف. خسف بالمشرق وخسف بالمغرب وخسف بجزيرة العرب، وآخر ذلك نار تخرج من اليمن تطرد الناس إلى محشرهم» «١». وحديث رواه مسلم والترمذي عن أبي هريرة أن رسول الله قال: «لا تقوم الساعة حتى يقاتل المسلمون اليهود فيقتلهم المسلمون حتى يختبىء اليهودي من وراء الحجر والشجر فيقول الحجر أو الشجر يا مسلم يا عبد الله هذا يهوديّ خلفي فتعال فاقتله إلا الغرقد فإنه من شجر اليهود» «٢».
وتعليقا على ما تقدم نقول أولا: إنه يلحظ أن الآية التي نحن في صددها جزء من التعقيب الذي احتوته الآيات التي قبلها وتضمنت إنذار الكفار السامعين والتنديد بهم. وإن الأولى أن تصرف في مقامها إليهم وبكلمة أخرى إلى أمر قريب متصل بظرفهم وأشخاصهم. لأن هذا هو الذي يكون له التأثير والمعنى في إنذارهم وحملهم على الارعواء. في حين أن قيام الساعة كما جاء في الأحاديث بعيد جدا عنهم. وليس في الأحاديث إلى هذا صراحة بأن الآية قصدت ذلك وكل ما فيها هو تطبيق ما فيها على ما سوف يكون عند قيام الساعة. ولعل فيها إنذارا للكفار السامعين بغمرات الموت أو بوقوع عذاب من الله عليهم بغتة- وهذا يندرج في معنى بعض آيات ربك- فيحول ذلك بينهم وبين تلافي أمرهم. ودعوة لهم إلى اغتنام فرصة العافية وسعة الوقت قبل فواته. قد تكرر هذا المعنى في آيات عديدة مرت أمثلة منها.
ومع خصوصية هذا التوجيه الزمني فإن الآية في حد ذاتها عامة الشمول في إنذارها وتحذيرها بطبيعة الحال.
وثانيا: ما دام أن هناك أحاديث عديدة وردت في الكتب المعتبرة بطرق

(١) التاج ج ٥ ص ٣٠٤- ٣٠٧. وفي التاج أحاديث أخرى من هذا الباب فاكتفينا بما تقدم.
(٢) المصدر نفسه.

صفحة رقم 196

متعددة وعن أشخاص متعددين عن علامات الساعة بالإضافة إلى ما في القرآن من إشارات عديدة في هذا الصدد منها آيات سورة الأنبياء هذه: حَتَّى إِذا فُتِحَتْ يَأْجُوجُ وَمَأْجُوجُ وَهُمْ مِنْ كُلِّ حَدَبٍ يَنْسِلُونَ (٩٦) وَاقْتَرَبَ الْوَعْدُ الْحَقُّ فَإِذا هِيَ شاخِصَةٌ أَبْصارُ الَّذِينَ كَفَرُوا يا وَيْلَنا قَدْ كُنَّا فِي غَفْلَةٍ مِنْ هذا بَلْ كُنَّا ظالِمِينَ (٩٧) فالواجب على المسلم أن يؤمن بما احتوته من أخبار مغيبة أسوة بكل ما ورد في القرآن وما صح عن النبي ﷺ من مثل هذه الأخبار مع الاستشفاف للحكمة المنطوية في الإخبار بذلك بالأسلوب الذي جاء به. ويستلهم من فحوى الأحاديث أن من هذه الحكمة تنبيه الناس وتحذيرهم وحملهم على الارعواء والاستعداد حتى لا يباغتوا ويضيعوا فرصة الإيمان بالله ورسوله واليوم الآخر والعمل الصالح. والله أعلم.
هذا، وفي الأحاديث ذكر لخروج يأجوج ومأجوج ونزول عيسى وظهور الدجال والدابة. ولقد علقنا على موضوع الدابة وأوردنا بعض ما ورد في صددها في سياق سورة النمل، وسنلمّ في مناسبات قريبة أكثر ملاءمة بالأمور الأخرى إن شاء الله.
تعليق على الآية إِنَّ الَّذِينَ فَرَّقُوا دِينَهُمْ وَكانُوا شِيَعاً لَسْتَ مِنْهُمْ فِي شَيْءٍ
وفي كتب التفسير أحاديث نبوية وروايات عن أهل التأويل في سياق هذه الآية ومداها. وقد استوعب الطبري أكثرها، من ذلك أن عليا رضي الله عنه كان يقرأ فَرَّقُوا فارقوا وكأنه كان يذهب إلى أنها عنت من فارق دينه أو ارتد عنه- وهذا كلام الطبري- ومن ذلك أن جملة إِنَّ الَّذِينَ فَرَّقُوا دِينَهُمْ وَكانُوا شِيَعاً عنت اليهود والنصارى. ومن ذلك أنها عنت الخوارج أو أهل البدع والأهواء والضلالة عامة. وقد أورد الطبري حديثا عن أبي هريرة قال: «قال رسول الله ﷺ هم أهل البدع وأهل الشبهات وأهل الضلالة من هذه الأمة». وهناك صيغ أخرى في الطبري والبغوي لهذا الحديث مروية عن عائشة أيضا. وروى الطبري في صدد جملة

صفحة رقم 197

لَسْتَ مِنْهُمْ فِي شَيْءٍ قولين: واحد بأنها عنت اليهود والنصارى وأنها نسخت بآيات القتال: وواحد بأنها عنت الذين فرقوا دينهم من أمة محمد وأنها محكمة لأن النسخ إنما يكون لأجل أمر النبي ﷺ بتعديل موقفه. وحكم الآية هو بالنسبة لمن يكون بعده من أمته. ويكون مداها إعلانا مسبقا لبراءة النبي ﷺ من أهل البدع والأهواء والضلالة والشبهات من أمته.
والأحاديث التي تفسر الآية لم ترد في الكتب الخمسة وإن كان في هذه الكتب أحاديث في التنديد بأهل البدع بدون عطف على الآية على ما سوف نورده بعده.
وروح الآية ومقامها وفحواها يلهم بقوة أنها جاءت مثل سابقتها معقبة على الموقف الحجاجي والجدي الذي وقفه المشركون في التحريم والتحليل ومزاعمهم الكاذبة بدون علم بأن ذلك من دين الله وأنها هي الأخرى بسبيل التنديد بمواقفهم ومزاعمهم وتقاليدهم. وفي الآية السابقة لها قرينة على ذلك لأنها تعني المشركين الذين سبق الكلام عنهم كما هو واضح بكل قوة. ومما يؤيد هذا آيات في سورة الروم آية فيها صراحة وهي: مُنِيبِينَ إِلَيْهِ وَاتَّقُوهُ وَأَقِيمُوا الصَّلاةَ وَلا تَكُونُوا مِنَ الْمُشْرِكِينَ (٣١) مِنَ الَّذِينَ فَرَّقُوا دِينَهُمْ وَكانُوا شِيَعاً كُلُّ حِزْبٍ بِما لَدَيْهِمْ فَرِحُونَ (٣٢).
ويمكن أن يقال والحالة هذه أن ذكر تفرقة اليهود والنصارى شيعا وفرقا وذكر أهل الأهواء والبدع والضلالة والخوارج في معرض هذه الآية هو من قبيل التطبيق.
ولقد ذكر اختلاف أهل الكتاب وتفرقهم في القرآن كثيرا مما مرّ منه أمثلة. ولقد ندد في القرآن بأهل البدع والأهواء أيضا. ولقد حذر المسلمون في القرآن من ذلك فكان هذا وذاك وسيلة إلى هذا التطبيق.
هذا من ناحية تفسير وشرح الآية في مقام ورودها وظرفها، غير أن إطلاق عبارتها يجعلها هي الأخرى كما هو المتبادر عامة الشمول مستمرة التلقين في إنذارها وتنديدها بكل من يشذ عن طريق الدين الواضح والذي لا يتحمل فرقة ولا

صفحة رقم 198

انقساما على ما قررته الآية [١٥٣] التي سبقت هذه الآية، ويسير في سبيل الشقاق والفرقة والخلاف بدافع من الهوى والمآرب الخاصة. ثم في إعلانها المسبق ببراءة النبي ﷺ ممن يفعلون ذلك من أمته.
ولقد أورد الطبري والبغوي وابن كثير في سياق هذه الآية أحاديث نبوية عديدة بالتنديد بالتفرق والاختلاف والبدع والضلالات. منها ما ورد في الكتب الخمسة ومنها ما لم يرد وإن كان مقاربا لما ورد في هذه الكتب فنكتفي بإيراد بعض ما ورد في هذه الكتب. فمن ذلك حديث رواه الترمذي عن العرباض بن سارية قال: «وعظنا رسول الله ﷺ يوما بعد صلاة الغداة موعظة بليغة ذرفت منها العيون ووجلت منها القلوب، فقال رجل إن هذه موعظة مودّع، فماذا تعهد إلينا يا رسول الله؟ قال: أوصيكم بتقوى الله والسمع والطاعة وإن عبد حبشيّ، فإنه من يعش منكم ير اختلافا كثيرا. وإياكم ومحدثات الأمور فإنّها ضلالة فمن أدرك ذلك منكم فعليه بسنّتي وسنّة الخلفاء الراشدين المهديين عضّوا عليها بالنواجذ» «١». وحديث رواه الترمذي عن أبي هريرة عن النبي ﷺ قال: «افترقت اليهود على إحدى أو ثنتين وسبعين فرقة وتفرّقت النصارى على إحدى أو ثنتين وسبعين فرقة وتفرّقت أمتي على ثلاث وسبعين فرقة زاد في رواية ثنتان وسبعون في النار وواحدة في الجنة وهي الجماعة» «٢».
وحديث رواه الشيخان والنسائي عن جابر عن النبي ﷺ قال: «إن أصدق الحديث كتاب الله، وأحسن الهدى هدى محمّد. وشرّ الأمور محدثاتها، وكلّ محدثة بدعة، وكلّ بدعة ضلالة، وكلّ ضلالة في النار» «٣». وفي الأحاديث تنبيه وتحذير نبويان يؤيدان ما في عبارة الآية المطلقة من تلقين مستمر المدى للمسلمين في كل زمن ومكان.

(١) التاج ج ١ ص ٣٩ و ٤٠.
(٢) المصدر نفسه.
(٣) المصدر نفسه ص ٣٧ وهناك أحاديث أخرى في التاج من هذا الباب فاكتفينا بما تقدم.

صفحة رقم 199

ويحسن أن ننبه على أمر هام في هذا الصدد، فالذي يتبادر من روح الآيات والأحاديث أن البدعة والأمور المحدثة المندد بها والمنهي عنها هي ما كان مخالفا للتشريعات والأحكام والنصوص الصريحة في كتاب الله والتأثر في سنة رسوله القولية والفعلية. وكذلك لما في كتاب الله وسنته ورسوله من تنبيهات وتعليمات وتلقينات وخطوط ومبادئ عامة.
ومعلوم أن أئمة المذاهب المشهورة الذين تواترت الروايات عن حرصهم على اتباع كتاب الله وسنة رسوله ولم يكونوا من أهل البدع والأهواء ومن سار على دربهم من العلماء والمجتهدين يختلفون في أمور كثيرة في المعاملات والعبادات والاستنباطات والأحكام نتيجة لاختلاف التأويلات وتعدد الأحاديث وقوتها ومراتبها. فالمتبادر أنهم لا يدخلون في شمول هذه الآية والآية [١٥٣] حيث يكونون قد اجتهدوا وتحروا الحق والحقيقة فيما جاء في كتاب الله وسنة رسوله.
أما أصحاب الأهواء المشهورة الذين يعمدون إلى الأخذ بما يرونه متساوقا مع أهوائهم من أحاديث وتأويلات ولو لم تكن صحيحة فإنهم يدخلون في شمول الآيتين وهم من الذين عنتهم الأحاديث فيما هو المتبادر، والله أعلم.
وهناك شؤون دنيوية متنوعة ليس فيها شيء في كتاب الله وسنة رسوله.
والمتبادر أن ما لم يكن مناقضا للخطوط والتلقينات والمبادئ القرآنية والنبوية العامة، ولما هو متعارف عليه أو متفق عليه بين جمهور المسلمين بأنه من مصلحة المسلمين العامة وأمنهم وأعرافهم من اجتهادات وقرارات وخطوات وعزائم ومشاريع فيها تنظيم وتقويم وتحسين لمختلف الشؤون السياسية والاجتماعية والاقتصادية والثقافية والعمرانية والسلوكية يباشرها ويقوم عليها المسلمون أفرادا وجماعات أو حكومات. فالمتبادر أن ذلك لا يدخل في نطاق المنهي عنه المنذر به ولو يكن منه شيء في زمن النبي ﷺ وخلفائه الراشدين. ولو اختلف فيه المسلمون في قطر دون قطر ودولة دون دولة وظرف بعد ظرف ما دام أنه لا يناقض ولا يخالف الخطوط العامة القرآنية والنبوية.

صفحة رقم 200

وهناك حديث رواه مسلم والترمذي عن جرير بن عبد الله عن النبي ﷺ يمكن أن يورد لتدعيم هذا القول قال: «قال النبي ﷺ من سنّ في الإسلام سنة حسنة فعمل بها بعده كتب له مثل أجر من عمل بها ولا ينقص من أجورهم شيء. ومن سنّ في الإسلام سنة سيئة فعمل بها بعده كتب عليه مثل وزر من عمل بها ولا ينقص من أوزارهم شيء» «١». حيث يفيد الحديث أن رسول الله ﷺ لم يغب عنه احتمال تطور حياة المسلمين وإحداثهم أمورا لم تكن في عهده ولم يأمر ولم ينه عنها وإنه لم ير بأسا أن يستن المسلمون سننا حسنة فيها صالحهم الخاص والعام لأفرادهم وجماعاتهم وحكوماتهم وعلى مختلف الوجوه وليس فيها مخالفة للكتاب والسنة بوجه ما بل حبذها وشجع عليها وقرر الأجر الدائم لمستنّها. وإن البدع التي عنادها وندد بها في الأحاديث السابقة هي ما كانت سننا سيئة محدثة مخالفة للكتاب والسنة بوجه ما وفيها ضرر وضلالة في الدين والدنيا، والله تعالى أعلم.
تعليق على الآية مَنْ جاءَ بِالْحَسَنَةِ فَلَهُ عَشْرُ أَمْثالِها
جاءت هذه الآية معقبة على ما سبقها من إنذار وتنديد. وجاءت في الوقت نفسه مطلقة العبارة ليكون فيها حثّ وتشجيع دائمان على الأعمال الحسنة ونهي وتحذير دائمان من الأعمال السيئة، مع تمثل رحمة الله وإحسانه وعدله في زيادة أجر المحسنين وعدم زيادة وزر المسيئين.
ولقد احتوت سورة القصص التي سبق تفسيرها آية مماثلة مع فرق هو أن آية القصص ذكرت بالنسبة لعامل الحسنة فَلَهُ خَيْرٌ مِنْها (القصص/ ٨٤) وهذه ذكرت فَلَهُ عَشْرُ أَمْثالِها حيث ينطوي في هذا تنوع في أسلوب الحث والتحذير اقتضته حكمة التنزيل وصورة من صوره. وفي سور أخرى صور أخرى من ذلك

(١) التاج ج ١ ص ٦٦.

صفحة رقم 201
التفسير الحديث
عرض الكتاب
المؤلف
محمد عزة بن عبد الهادي دروزة
الناشر
دار إحياء الكتب العربية - القاهرة
سنة النشر
1383
عدد الأجزاء
1
التصنيف
التفسير
اللغة
العربية