
وقد تكون الخالصة مصدرا لتأنيثها كما تَقُولُ: العاقبة والعافية. وهو مثل قوله:
إِنَّا أَخْلَصْناهُمْ بِخالِصَةٍ ذِكْرَى الدَّارِ «١».
وقوله: وَهُوَ الَّذِي أَنْشَأَ جَنَّاتٍ مَعْرُوشاتٍ وَغَيْرَ مَعْرُوشاتٍ (١٤١) هَذِه الكروم، ثُمَّ قَالَ: وَالزَّيْتُونَ وَالرُّمَّانَ مُتَشابِهاً فى لونه وَغَيْرَ مُتَشابِهٍ فِي طعمه، منه حلو ومنه حامض.
وقوله: وَآتُوا حَقَّهُ يَوْمَ حَصادِهِ هَذَا لِمَن حضره من اليتامى والمساكين.
وقوله: وَلا تُسْرِفُوا فِي أن تعطوا كله. وَذَلِكَ أن ثابت «٢» بن قيس خلَّى بين النّاس وبين نَخله، فذُهِبَ «٣» بِهِ كله ولم يبق لأهله منه شيء، فقال الله تبارك وتعالى:
وَلا تُسْرِفُوا إِنَّهُ لا يُحِبُّ الْمُسْرِفِينَ.
وقوله: وَمِنَ الْأَنْعامِ حَمُولَةً وَفَرْشاً (١٤٢) يقول: وأَنشأ لَكم من الأنعام حمولة، يريدُ ما أطاقَ الحمل والعمل:
والفرش: الصغار. ثُمَّ قال:
وقوله: ثَمانِيَةَ أَزْواجٍ (١٤٣) فإنْ شِئتَ جعلت الثمانية مردودة عَلَى الحمولة. وإن شئت أضمرت لَهَا فعلا «٤».
وقوله: ثَمانِيَةَ أَزْواجٍ الذكر زوج، والأنثى زوج، ولو رفعت «٥» اثنين واثنين
(٢) هو ثابت بن قيس بن شماس الأنصارىّ الخزرجىّ، خطيب الأنصار، قتل فى وقعة اليمامة.
(٣) كذا فى ش. وفى ج: «قد ذهب».
(٤) أي أنشأ.
(٥) وقد قرأ بذلك أبان بن عثمان.

لدخول (مِنْ) كَانَ صوابًا كما تَقُولُ: رأيت القوم منهم قاعد ومنهم قائم، وقاعدًا وقائِمًا.
والمعنى فى قوله: قُلْ آلذَّكَرَيْنِ حَرَّمَ يقول: أجاءكم التحريم فيما حرمتم من السائبة والبَحِيرة والوَصِيلة والحام من الذكرين أم من الأنثيين؟ فلو قالوا: من قِبل الذكر حرم عليهم كل ذكر، ولو قالوا: من قبل الأنثى حرمت عليهم كل أنثى.
ثُمَّ قَالَ: أَمَّا اشْتَمَلَتْ عَلَيْهِ يقول أم حرّم عليكم اشتمال الرحم؟ فلو قالوا ذَلِكَ لحرّم عليهم الذكر والأنثى لأن الرحم يشتمل عَلَى الذكر والأنثى. و (ما) فى قوله: «أمّا اشتملت» فِي موضع نصب، نصبته بإتباعه «١» الذكرين والأنثيين.
وقوله: أَمْ كُنْتُمْ شُهَداءَ إِذْ وَصَّاكُمُ اللَّهُ بِهذا (١٤٤) يقول: أوَصَّاكُم الله بِهذا معاينة؟
وقوله: قُلْ لا أَجِدُ فِي مَا أُوحِيَ إِلَيَّ مُحَرَّماً (١٤٥) ثُمَّ قَالَ جل وجهه: إِلَّا أَنْ يَكُونَ مَيْتَةً وإن شئت (تَكُون «٢» ) وَفِي (الميتة) وجهان الرفع والنصب. ولا يصلح «٣» الرفع فِي القراءة لأن الدم منصوب بالرد عَلَى الميتة وَفِيهِ ألف تَمنع من جواز الرفع. ويَجوز (أن تكون) لتأنيث الميتة، ثُمَّ تردّ «٤» ما بعدها عليها.
(٢) وهى قراءة ابن عامر وأبى جعفر. [.....]
(٣) بل يصلح الرفع، وقرأ به ابن عامر. وقوله: «أو دما» عطف على موضع «أن يكون» أي على المستثنى.
(٤) كأنه يريد أنه يصح تأنيث (تكون) بالنظر إلى «ميتة» وإن عطف عليها «دما» المذكر، وهذا كما تقول جاءت هند ومحمد.

ومن رفع (الميتة) جعل (يكون) فعلا لَهَا، اكتفى بيكون بلا فعل «١». وكذلك (يكون) «٢» فِي كل الاستثناء لا تَحتاج إلى فعل، ألا ترى أنك تَقُولُ: ذهب الناس إلا أن يكون أخاكَ، وأخوكَ. وإنّما استغنت كَانَ ويكون عَن الفعل كما استغنى ما بعد إلا عَن فعل يكون للاسم. فلما قيلَ: قام الناس إلا زيدًا وإلا زيد فنصب بلا فعل ورفع بلا فعل صلحت كَانَ تامة. ومن نصب: قَالَ كَانَ من عادة كَانَ عند العرب مرفوع ومنصوب، فأضمروا فِي كَانَ اسمًا مجهولا، وصيّروا الَّذِي بعده فعلا لذلك المجهول. وَذَلِكَ جائزٌ فِي كَانَ، وليس، ولم يزل، وَفِي أظنّ وأخواتها: أن تَقُولُ (أظنه زيد أخوك «٣» و) أظنّه فيها زيد. ويَجوز فِي إنّ وأخواتها كقول الله تبارك وتعالى: يَا بُنَيَّ إِنَّها إِنْ تَكُ مِثْقالَ حَبَّةٍ «٤» وكقوله: إِنَّهُ أَنَا اللَّهُ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ «٥» فتذكر الْهَاء وتوحدها، ولا يَجوز تثنيتها ولا جمعها مع جمع ولا غيره. وتأنيثها مع المؤنث وتذكيرها مع المؤنث جائز فتقول: إنّها ذاهبة جاريتك، وإنه ذاهبة جاريتك.
فإن قلت: كيف جاز التأنيث مع الأنثى، ولم تَجز التثنية مع الاثنين؟
قلت: لأن العرب إِنَّما ذهبت إلى تأنيث الفعل وتذكيره، فلمّا جازَ وَأَخَذَ الَّذِينَ ظَلَمُوا الصَّيْحَةُ وَأَخَذَتِ جازَ التأنيث، والتذكير. ولَما لَمْ يَجز:
قاما أخواك ولا قاموا قومك، لَمْ يَجز تثنيتها ولا جَمعها.
فإن قلت: أتُجيز تثنيتها فِي قول من قَالَ: ذهبا أخواك؟ قلت: لا، من قِبل أن الفعل واحد، والألف التي فيها كأنّها تدلّ عَلَى صاحِبي الفعل، والواو فى الجمع
(٢) جعل (يكون) فى الآية استثناء، وجعل ضميرها الضمير المجهول، وهو ما يسمى ضمير الشأن. وهذا مذهب كوفى. والبصريون يجعلون الضمير فى «يكون» للمطعوم، ونحوه مما يفهم من المقام.
(٣) سقط ما بين القوسين فى ج.
(٤) آية ١٦ سورة لقمان.
(٥) آية ٩ سورة النمل.

تدل عَلَى أصحاب الفعل، فلم يستقم أن يكنى عَن فعل واسم فِي عقدة، فالفعل واحد أبدًا لأن الَّذِي فِيهِ من الزيادات أسماء.
وتقول فِي مسألتين منه يستدل بِهما عَلَى غيرهما: إنَّها أسَد جاريتك، فأنثت لأن الأسد فعل «١» للجارية، ولو جعلت الجارية فعلا «٢» للأسد ولِمثله من المذكر لَمْ يَجز إلا تذكير الْهَاء. وكذلك كل اسم مذكر شبهته بمؤنث فذكّر فيه الهاء، وكل مؤنث شبهته بِمذكر ففيه تذكير الْهَاء وتأنيثها فهذه واحدة. ومتى ما ذكَّرت فعل مؤنث فقلت: قام جاريتك، أو طالَ صلاتك، (ثُمَّ «٣» أدخلت عَلَيْهِ إنه) لَم يَجز إلا تذكيرها، فتقول: إنه طال صلاتك فذكَّرتها «٤» لتذكير الفعل، لا يَجوز أن تؤنث وقد ذكّر الفعل.
وَإِذَا رأيت الاسم مرفوعًا بالمحالّ- مثل عندك، وفوقك، وفيها- فأنِّثْ وذَكّر فِي المؤنث ولا تؤنث فِي المذكر. وَذَلِكَ أن الصفة لا يُقدر فيها عَلَى التأنيث كما يقدر (فِي «٥» قام) جاريتك عَلَى أن تَقُولُ: قامت جاريتك. فلذلك كَانَ فِي الصفات الإجراء «٦» عَلَى الاصل.
وَإِذَا أخليت كَانَ باسم واحد جازَ أن ترفعه «٧» وتَجعل لَهُ الفعل. وإن شئت أضمرت فِيهِ مَجهولا ونصبت ما بعده فقلت: إِذَا كَانَ غدًا فأتنا. وتقول:
اذهب فليس «٨» إلا أباكَ، وأبوك. فمن رفع أضمر أحدًا كأنه قَالَ: لَيْسَ أحد
(٢) بأن تكون خبرا عن «أسد» ويكون القصد مسبب ية الأسد بالجارية.
(٣) ثبت ما بين القوسين فى ش، وسقط فى ج.
(٤) كذا فى ش. وفى ج: «ذكرتها».
(٥) كذا فى ج. وفى ش: «مقام».
(٦) كذا فى ج. وفى ش: «للإجراء».
(٧) كذا فى ج. وفى ش: «تعرفه». [.....]
(٨) سقط هذا الحرف فى ش.

إلا أبوك، ومن نصب أضمر الاسم المجهول فنصب لأن المجهول معرفة فلذلك نصبت. ومن قَالَ: إِذَا كَانَ غُدْوةً فأتنا لَمْ يَجز لَهُ أن يقول: إِذَا غدوةً كَانَ فأتنا، كذلك الاسم المجهول لا يتقدمه منصوبه. وَإِذَا قرنت بالنكرة فِي كَانَ صفة فقلت:
إن كَانَ بينهم شرّ فلا تقربهم، رفعت. وإن بدأت بالشر وأخرت الصفة كَانَ الوجه الرفع فقلت: إن كَانَ شر بينهم فلا تقربهم، ويَجوز النصب. قَالَ وأنشدني بعضهم:
فعينَيَّ هلا تبكيان عفاقا | إذا كان طعنا بينهم وعناقا «١» |
وقوله: وَمِنَ الْبَقَرِ وَالْغَنَمِ حَرَّمْنا عَلَيْهِمْ شُحُومَهُما (١٤٦) حَرَّمَ عليهم الثَّرْب «٢»، وشحوم الْكُلَى.
ثُمَّ قَالَ: إِلَّا ما حَمَلَتْ ظُهُورُهُما و (ما) فِي موضع نصب بالفعل بالاستثناء.
و (الْحَوَايَا) فِي موضع رفع، تردّها عَلَى الظهور: إِلا ما حملت ظهورهما أو حملت الحوايا، وهي المباعر «٣» وبنات «٤» اللبن. والنصبُ عَلَى أن تريد (أو شحوم الحوايا) فتحذف الشحوم وتكتفى بالحوايا كما قال: وَسْئَلِ الْقَرْيَةَ، يريد: واسأل أهل القرية.
وقوله: أَوْ مَا اخْتَلَطَ بِعَظْمٍ وهى الألية. و (ما) فى موضع نصب.
(٢) هو الشحم الرقيق الذي يكون على الكرش.
(٣) واحدها مبعر ومبعر بفتح الميم وكسرها. وهو حيث يجتمع البعر من الأمعاء.
(٤) بنات اللبن: ما صغر من الأمعاء. وانظر اللسان (هو).