
وقوله - عَزَّ وَجَلَّ -: (كَأَنَّمَا يَصَّعَّدُ فِي السَّمَاءِ).
قيل: كالمتكلف للصعود إلى السماء لا يقدر عليه.
وقيل: (كَأَنَّمَا يَصَّعَّدُ فِي السَّمَاءِ): كأنما يشق عليه الصعود.
وروي عن عمر - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - أنه قال: ما تصعد في شيء ما تصعده في الخطبة، أي ما يشق عليَّ شيء ما شق عليَّ الخطبة.
وقوله: (كَذَلِكَ يَجْعَلُ اللَّهُ الرِّجْسَ عَلَى الَّذِينَ لَا يُؤْمِنُونَ).
اختلف في الرجس قيل: الرجس: الإثم، أي: كما جعل قلوبهم ضيقة حرجة بكفرهم كذلك يجعل في قلوبهم الإثم.
وقيل: الرجس: اللعن والغضب، أي: جعل في قلوبهم اللعن والغضب؛ دليله قوله: (قَالَ قَدْ وَقَعَ عَلَيْكُمْ مِنْ رَبِّكُمْ رِجْسٌ وَغَضَبٌ).
* * *
قوله تعالى: (وَهَذَا صِرَاطُ رَبِّكَ مُسْتَقِيمًا قَدْ فَصَّلْنَا الْآيَاتِ لِقَوْمٍ يَذَّكَّرُونَ (١٢٦) لَهُمْ دَارُ السَّلَامِ عِنْدَ رَبِّهِمْ وَهُوَ وَلِيُّهُمْ بِمَا كَانُوا يَعْمَلُونَ (١٢٧)
وقوله - عَزَّ وَجَلَّ -: (وَهَذَا صِرَاطُ رَبِّكَ مُسْتَقِيمًا).
لم يشر بهذا إلى شيء لكن يحتمل قوله: (وَهَذَا): الإسلام الذي سبق ذكره: أن يشرح به صدر المؤمن، ويحتمل قوله: (وَهَذَا صِرَاطُ رَبِّكَ مُسْتَقِيمًا): الذي يدعى إليه الخلق، وهو التوحيد.
وقوله - عَزَّ وَجَلَّ -: (قَدْ فَصَّلْنَا الْآيَاتِ)، أي: بينا وأقمنا دلائل التوحيد وحججه، وقد ذكرناه.
(لِقَوْمٍ يَذَّكَّرُونَ).
أي: لقوم يت ظون بالمواعظ.
ويحتمل: لقوم يقبلون الدلائل والحجج، ولا يكابرون.
وقوله - عَزَّ وَجَلَّ -: (لَهُمْ دَارُ السَّلَامِ عِنْدَ رَبِّهِمْ... (١٢٧)
يحتمل السلام اسم الجنة أي: لهم الجنة؛ كقوله: (وَاللَّهُ يَدْعُو إِلَى دَارِ السَّلَامِ)

ويحتمل السلام: هو اسم اللَّه، أي: لهم دار اللَّه، وهي الجنة.
وقوله - عَزَّ وَجَلَّ -: (وَهُوَ وَلِيُّهُمْ بِمَا كَانُوا يَعْمَلُونَ)، قيل: هو أولى بهم، أي: أولى بالمؤمنين؛ كقوله: (فَاللَّهُ أَوْلَى بِهِمَا)، ويحتمل قوله: (وَهُوَ وَلِيُّهُمْ)، أي: حافظهم وناصرهم.
وقد ذكرنا فيما تقدم " يَصَّعَّدُ " و " يصَّاعد " و " يَصْعد ": كله لغات، والمعنى واحد.
والضيق: قال الكيساني: الضيق من الضيق في المعاش، فأما في الأمر فإنه الضَيق، ومنه قوله: (وَلَا تَكُ فِي ضَيْقٍ مِمَّا يَمْكُرُونَ).
وأما قوله: (حَرَجًا) ففيه لغتان: حَرَج وحَرِج، قَالَ الْقُتَبِيُّ: الحرج: الذي ضاق فلم بجد منفذا.
وقال أَبُو عَوْسَجَةَ: الحرج: الضيق، يقال منه: حرج يحرج حرجا؛ فهو حرج.
قوله تعالى: (وَيَوْمَ يَحْشُرُهُمْ جَمِيعًا يَا مَعْشَرَ الْجِنِّ قَدِ اسْتَكْثَرْتُمْ مِنَ الْإِنْسِ وَقَالَ أَوْلِيَاؤُهُمْ مِنَ الْإِنْسِ رَبَّنَا اسْتَمْتَعَ بَعْضُنَا بِبَعْضٍ وَبَلَغْنَا أَجَلَنَا الَّذِي أَجَّلْتَ لَنَا قَالَ النَّارُ مَثْوَاكُمْ خَالِدِينَ فِيهَا إِلَّا مَا شَاءَ اللَّهُ إِنَّ رَبَّكَ حَكِيمٌ عَلِيمٌ (١٢٨) وَكَذَلِكَ نُوَلِّي بَعْضَ الظَّالِمِينَ بَعْضًا بِمَا كَانُوا يَكْسِبُونَ (١٢٩) يَا مَعْشَرَ الْجِنِّ وَالْإِنْسِ أَلَمْ يَأْتِكُمْ رُسُلٌ مِنْكُمْ يَقُصُّونَ عَلَيْكُمْ آيَاتِي وَيُنْذِرُونَكُمْ لِقَاءَ يَوْمِكُمْ هَذَا قَالُوا شَهِدْنَا عَلَى أَنْفُسِنَا وَغَرَّتْهُمُ الْحَيَاةُ الدُّنْيَا وَشَهِدُوا عَلَى أَنْفُسِهِمْ أَنَّهُمْ كَانُوا كَافِرِينَ (١٣٠) ذَلِكَ أَنْ لَمْ يَكُنْ رَبُّكَ مُهْلِكَ الْقُرَى بِظُلْمٍ وَأَهْلُهَا غَافِلُونَ (١٣١) وَلِكُلٍّ دَرَجَاتٌ مِمَّا عَمِلُوا وَمَا رَبُّكَ بِغَافِلٍ عَمَّا يَعْمَلُونَ (١٣٢)