
قال الفقيه: قال: حدّثنا الخليل بن أحمد حدّثنا الديبلي قال: حدّثنا أبو عبيد الله عن سفيان عن خالد بن أبي كريمة عن عبد الله بن المسور أن رسول الله ﷺ قال: لما نزلت هذه الآية فَمَنْ يُرِدِ اللَّهُ أَنْ يَهْدِيَهُ يَشْرَحْ صَدْرَهُ لِلْإِسْلامِ قالوا: يا رسول الله: فكيف ذلك؟ إذا دَخَلَ النُّورُ فِي القلب انشرح وانفسح قالوا: وهل لذلك من علامة يعرف به؟ قال: «نَعَمْ التَّجَافِي عَنْ دَارِ الغُرُورِ وَالإنَابَةُ إلى دَارِ الخُلُودِ وَالاسْتِعْدَادُ لِلْمَوْتِ قَبْلَ نُزُولِ المَوْتِ».
ثم قال تعالى: وَمَنْ يُرِدْ أَنْ يُضِلَّهُ عن الإسلام فلا يقبله ويتركه بغير نور يَجْعَلْ صَدْرَهُ ضَيِّقاً عن الإسلام يعني: غير موسع حَرَجاً يعني: شاكاً. وقال ابن عباس:
كالشجرة الملتفة بعضها في بعض لا يجد النور منفذاً ومجازاً قرأ ابن كثير ضَيِّقاً بتخفيف الياء وجزمها. وقرأ الباقون بالتشديد. وقرأ نافع وعاصم في رواية أبي بكر حَرَجاً بكسر الراء. وقرأ الباقون بالنصب. فمن قرأ بالنصب فهو المصدر. ومن قرأ بالكسر فهو النعت.
ثم قال: كَأَنَّما يَصَّعَّدُ فِي السَّماءِ يعني: مثله كمثل الذي يتكلف الصعود إلى السماء وهو لا يستطيع، فكذلك قلب الكافر لا يستطيع قبول الإسلام. قرأ ابن كثير يَصَّعَّدُ بجزم الصاد ونصب العين بغير تشديد من صَعَد يَصْعَد. وقرأ عاصم في رواية أبي بكر يَصَّاعد بالألف مع تشديد الصاد وتخفيف العين لأن أصله يتصاعد فأدغم التاء في الصاد. وقرأ الباقون: يَصَّعَّدُ بتشديد الصاد والعين بغير ألف لأن أصله يتصعد فأدغم التاء في الصاد ثم قال: كَذلِكَ يَجْعَلُ اللَّهُ الرِّجْسَ يعني: العذاب عَلَى الَّذِينَ لاَ يُؤْمِنُونَ بترك حلاوة الإيمان على الذين لا يرغبون في الإيمان ويقال الرجس في اللغة: هو اللعنة والعذاب.
قوله تعالى:
[سورة الأنعام (٦) : الآيات ١٢٦ الى ١٢٩]
وَهذا صِراطُ رَبِّكَ مُسْتَقِيماً قَدْ فَصَّلْنَا الْآياتِ لِقَوْمٍ يَذَّكَّرُونَ (١٢٦) لَهُمْ دارُ السَّلامِ عِنْدَ رَبِّهِمْ وَهُوَ وَلِيُّهُمْ بِما كانُوا يَعْمَلُونَ (١٢٧) وَيَوْمَ يَحْشُرُهُمْ جَمِيعاً يا مَعْشَرَ الْجِنِّ قَدِ اسْتَكْثَرْتُمْ مِنَ الْإِنْسِ وَقالَ أَوْلِياؤُهُمْ مِنَ الْإِنْسِ رَبَّنَا اسْتَمْتَعَ بَعْضُنا بِبَعْضٍ وَبَلَغْنا أَجَلَنَا الَّذِي أَجَّلْتَ لَنا قالَ النَّارُ مَثْواكُمْ خالِدِينَ فِيها إِلاَّ مَا شاءَ اللَّهُ إِنَّ رَبَّكَ حَكِيمٌ عَلِيمٌ (١٢٨) وَكَذلِكَ نُوَلِّي بَعْضَ الظَّالِمِينَ بَعْضاً بِما كانُوا يَكْسِبُونَ (١٢٩)
وَهذا صِراطُ رَبِّكَ مُسْتَقِيماً يعني: هذا التوحيد دين ربك مستقيماً يعني: قائماً برضاه قَدْ فَصَّلْنَا الْآياتِ يعني: قد بيّنا العلامات وبيّنا الآيات في أمر القلوب والهدى والضلالة

لِقَوْمٍ يَذَّكَّرُونَ يعني: يتعظون ويتفكرون في توحيد الله تعالى. ويقال: معناه لا عذر لأحد في التخلّف عن الإيمان لأن الله تعالى قد بيّن طريق الهدى، وقد بيّن العلامات في ذلك لمن كان له عقل وتمييز.
ثم ذكر ما أعد الله للمؤمنين في الآخرة فقال: لَهُمْ دارُ السَّلامِ عِنْدَ رَبِّهِمْ وهي الجنة وهي دار السلام من الأمراض والآفات والخوف والهرم وغير ذلك. ويقال: لَهُمْ دارُ السَّلامِ فالله السلام والجنة داره يعني: دار رب العزة التي أعد لأوليائه بالثواب وَهُوَ وَلِيُّهُمْ أي الله تعالى حافظهم وناصرهم في الدنيا. ويقال: هو وليهم في الآخرة بالثواب بِما كانُوا يَعْمَلُونَ في الدنيا.
قوله تعالى: وَيَوْمَ يَحْشُرُهُمْ يقول: واذكر يوم يجمعهم الله جَمِيعاً يعني: الجن والإنس. قرأ عاصم في رواية حفص يَحْشُرُهُمْ بالياء يعني: أن الله يحشرهم وقرأ الباقون نحشرهم بالنون يا مَعْشَرَ الْجِنِّ يقول لهم يا معشر الجن قَدِ اسْتَكْثَرْتُمْ مِنَ الْإِنْسِ يعني:
قد أضللتم كثيراً من الإنس وَقالَ أَوْلِياؤُهُمْ مِنَ الْإِنْسِ الذين أضلوهم رَبَّنَا اسْتَمْتَعَ بَعْضُنا بِبَعْضٍ يعني: انتفع بعضنا ببعض وكان استمتاع الإنس بالجن في الدنيا أن أهل الجاهلية كانوا إذا سافر واحد منهم فأدركه المساء بأرض قفر وخاف بالليل فقال: أعوذ بسيد أهل هذا الوادي من سفهاء قومه، فأمن، ولبث في جوارهم حتى يصبح. وكان استمتاع الجن بالإنس أن قالوا: لقد سوّدنا الإنس والجن فيزيدون شرفاً في قومهم يعني: فيما بين الجن والإنس.
وَبَلَغْنا أَجَلَنَا الَّذِي أَجَّلْتَ لَنا يعني: الموت الذي جعلته أجلنا في هذه الدنيا وهذا قول الكلبي. وقال الضحاك: رَبَّنَا اسْتَمْتَعَ بَعْضُنا بِبَعْضٍ يعني: خدع بعضنا بعضاً عن دينك يعني: أن الجن قد خدعنا وأضَلَّنَا وَبَلَغْنا أَجَلَنَا الَّذِي أَجَّلْتَ لَنا يعني: ما كتبت علينا من الشقاوة قالَ النَّارُ مَثْواكُمْ يعني: منزلكم وهم الجن والإنس خالِدِينَ فِيها مقيمين في النار إِلَّا ما شاءَ اللَّهُ قال الكلبي: مشيئة الله من كل شيء، ويقال: إلا ما شاء الله البرزخ والقيامة قد شاء الله لهم الخلود فيها. ويقال إِلَّا مَا شاءَ اللَّهُ يخرج منها من أهل التوحيد إِنَّ رَبَّكَ حَكِيمٌ عَلِيمٌ ثم قال: وَكَذلِكَ نُوَلِّي يعني: نسلط بَعْضَ الظَّالِمِينَ بَعْضاً يعني: كفار الجن على كفار الإنس. ويقال: نسلط بعض الظالمين بعضا فيهلكه ويذله. وهذا كلام لتهديد الظالم لكي يمتنع عن ظلمه. لأنه لو لم يمتنع يسلط الله عليه ظالماً آخر. ويدخل في الآية جميع من يظلم ومن ظلم في رعيته أو التاجر يظلم الناس في تجارته أو السارق وغيرهم. وقال فضيل بن عياض: إذا رأيت ظالماً ينتقم من ظالم فقف وانظر فيه متعجباً. وقال ابن عباس: إذا رضي الله عن قوم ولّى أمرهم خيارهم. وإذا سخط الله على قوم ولّى أمرهم شرارهم بما كانوا يكسبون، ثم تلا قوله وَكَذلِكَ نُوَلِّي بَعْضَ الظَّالِمِينَ بَعْضاً.