
لا في (١)] استحلال الذبيحة التي لم يذكر اسم الله عليها (٢).
١٢٢ - قوله تعالى: ﴿أَوَمَنْ كَانَ مَيْتًا فَأَحْيَيْنَاهُ﴾. قرأ نافع (٣) (مَيِّتًا) بالتشديد. قال أهل اللغة (٤): (المَيْتُ، مخففًا: تخفيف ميِّت، ومعناهما واحد ثُقِّلَ أو خُفِّفَ، والمحذوف في (٥) المخفف من الياءين الثانية المنقلبة عن الواو، أُعلت بالحذف كما أعلت بالقلب) (٦) قال ابن عباس (٧)
(٢) ذكر مثل هذا الواحدي في "الوسيط" ١/ ١٠٩، والرازي في "تفسيره" ١٣/ ١٣٨، وقال الطبري في "تفسيره" ١٢/ ٨٥: (الصواب: إن الله عني بذلك ما ذبح للأصنام والآلهة، وما مات أو ذبحه من لا تحل ذبيحته، وأما من قال: عني بذلك ما ذبحه المسلم فنسي ذكر اسم الله فقول بعيد عن الصواب؛ لشذوذه وخروجه عما عليه الحجة مجمعة من تحليله، وكفى بذلك شاهدًا على فساده). اهـ.
وانظر: البغوي ٣/ ١٨٣، وابن عطية ٦/ ١٤٠.
(٣) قرأ نافع (ميتًا) بتشديد الياء مع كسرها، وأسكنها الباقون. انظر: "السبعة" ص ٢٦٨، و"التذكرة" ٢/ ٤٠٩، و"التيسير" ص ١٠٦.
(٤) الموت: ضد الحياة، يقال: ميت بفتح الميم، وكسر الياء المشددة، وأصله ميْوت على فيعل. وقيل: أصله مويت ثم أدغم ثم خفف، فقيل: ميت بفتح الميم وسكون الياء، والمعنى واحد.
انظر: "العين" ٨/ ١٤٠، و"الجمهرة" ١/ ٤١١، و"البارع" ص ٧٠٤، و"تهذيب اللغة" ١٤/ ٣٤٢، و"الصحاح" ١/ ٢٦٦، و"مقاييس اللغة" ٥/ ٢٨٣، و"المفردات" ص ٧٨١، و"اللسان" ٢/ ٩٠ (موت).
(٥) في (أ): (والمحذوف من المخفف في الياءين).
(٦) هذا قول أبي علي في "الحجة" ٣/ ٣٩٨ - ٣٩٩، وانظر: "معاني القراءات" ١/ ٣٨٣، و"إعراب القراءات" ١/ ١٦٨.
(٧) أخرجه الطبري في "تفسيره" ١٢/ ٩١، بسند جيد وذكره السيوطي في "الدر" ٣/ ٣٥١ - ٣٥٢.

ومجاهد (١) ومحمد بن كعب (٢) وجميع المفسرين (٣): (يعني: من كان كافرًا [ضالًّا] (٤) فهدينا).
قال أهل المعاني: (قد وصف الكفار بأنهم أموات في قوله تعالى: ﴿أَمْوَاتٌ غَيْرُ أَحْيَاءٍ وَمَا يَشْعُرُونَ أَيَّانَ يُبْعَثُونَ﴾ [النحل: ٢١] فلما جعل الكفر موتًا، والكافر ميتًا، جعل الهدى حياة، والهداية إحياء، وإنما جعل الكفر موتًا؛ لأنه جهل، والجهل يؤدي إلى الحيرة والهلكة، والموت كالجهل في أنه لا يدرك به حقيقة، والهدى علم وبصيرة، والعلم يهتدي به إلى الرشد ويدرك به الأمور كما يدرك الحياة (٥).
وقوله تعالى: ﴿وَجَعَلْنَا لَهُ نُورًا يَمْشِي بِهِ فِي النَّاسِ﴾. قال ابن عباس: (يعني: دينًا) (٦)، وقال مجاهد: (يعني: الهدى) (٧)، وقال الكلبي: (إيمانًا
(٢) لم أقف عليه.
(٣) ومنهم مقاتل في "تفسيره" ١/ ٥٨٧، والفراء في "معانيه" ١/ ٢٥٣، وابن قتيبة في تفسير "غريب القرآن" ص ١٥٩، والطبري في "تفسيره" ١٢/ ٨٨، والسمرقندي ١/ ٥١١، ومكي في "تفسير المشكل" ص ٧٩.
(٤) لفظ: (ضالًا) ساقط من (أ).
(٥) بعضه في "الحجة" لأبي علي ٣/ ٩٨، وذكره الرازي ١٣/ ١٧٣١ عن أهل المعاني، وانظر: "الفتاوى" ١٩/ ٩٤، و"بدائع التفسير" ٢/ ١٧٨.
(٦) أخرج الطبري في "تفسيره" ٨/ ٢٣، بسند جيد عن ابن عباس قال: (يعني بالنور: القرآن) اهـ. وأخرج بسند ضعيف عنه قال: (يقول: الهدى). وقال السيوطي في "الدر" ٣/ ٨١: (أخرج عبد بن حميد وابن المنذر وابن أبي حاتم وأبو الشيخ عن ابن عباس قال: (يعني بالنور: القرآن) اهـ.
(٧) أخرجه الطبري في "تفسيره" ٨/ ٢٣، بسند جيد، وذكره السيوطي في "الدر" ٣/ ٨١، وفي "تفسير مجاهد" ١/ ٢٢٣، قال: (يعني: الإيمان) اهـ.

﴿يَمْشِي بِهِ فِي النَّاسِ﴾ مع المسلمين) (١)، وقال ابن زيد: (يعني: الإِسلام) (٢)، وهذا الأقوال سواء (٣)، قال أصحاب المعاني الزجاج (٤) وأبو علي (٥): (المؤمن مستضيء في الناس بنور الحكمة والإيمان فيراد بالنور هاهنا: نور الحكمة التي يؤتاها المسلم بإسلامه)، وقال قتادة: (النور هاهنا كتاب الله بينة من الله مع المؤمن، بها يعمل، وبها يأخذ، وإليها ينتهي) (٦)، وهو قول الحسن قال: (هو القرآن) (٧)، قال أبو علي: (ويجوز أن يراد به النور المذكور في قوله تعالى: ﴿يَوْمَ تَرَى الْمُؤْمِنِينَ وَالْمُؤْمِنَاتِ يَسْعَى نُورُهُمْ بَيْنَ أَيْدِيهِمْ وَبِأَيْمَانِهِمْ﴾ [الحديد: ١٢]، وقوله تعالى: ﴿يَوْمَ يَقُولُ الْمُنَافِقُونَ﴾ إلى قوله: ﴿نَقْتَبِسْ مِنْ نُورِكُمْ﴾ [الحديد: ١٣]) (٨).
وقوله: ﴿كَمَنْ مَثَلُهُ فِي الظُّلُمَاتِ﴾. قال المفسرون: (يعني: الكافر [يكون] (٩) في ظلمات الكفر والضلالة) (١٠). ومعنى: ﴿كَمَنْ مَثَلُهُ فِي الظُّلُمَاتِ﴾ كمن هو في الظلمات، والعرب (١١) تزيد مثل في الكلام،
(٢) أخرجه الطبري في "تفسيره" ٨/ ٢٣، بسند جيد.
(٣) انظر: "تفسير الرازي" ١٣/ ١٧٢، وابن كثير ٢/ ١٩٢.
(٤) انظر: "معاني الزجاج" ٢/ ٢٨٨.
(٥) "الحجة" لأبي علي ٣/ ٣٩٩.
(٦) أخرجه الطبري في "تفسيره" ٨/ ٢٣، بسند جيد، وذكره السيوطي في "الدر" ٣/ ٨١.
(٧) ذكره الماوردي في "تفسيره" ٢/ ١٦٣، وابن الجوزي ٣/ ١١٧.
(٨) الحجة لأبي علي ٣/ ٣٩٩.
(٩) لفظ: (يكون) ساقط من (أ).
(١٠) ومنهم الطبري في "تفسيره" ٨/ ٢٣، وأخرجه من عدة طرق عن ابن عباس ومجاهد وقتادة والسدي وابن زيد.
(١١) انظر: "حروف المعاني" للزجاجي ص ٢ - ٣.

ولا يريدون به التشبيه، كقولهم: أنا أكرم مثلك. أي: أنا أكرمك، وعلى هذا يتوجه قوله تعالى: ﴿فَجَزَاءٌ مِثْلُ مَا قَتَلَ [مِنَ النَّعَمِ]﴾ (١) [المائدة: ٩٥] فيمن أضاف (٢)؛ لأن معناه: فجزاء ما قتل، لا جزاء مثله.
ومن هذا قل (٣) في قوله تعالى: ﴿لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَيْءٌ﴾ [الشورى: ١١] ليس كهو شيء (٤)، والتقدير في الآية: أفمن جعلنا له نورًا (٥) يمشي به كمن هو في الظلمات، والمِثْل والمَثل (٦) واحد.
ويجوز أن يكون المعنى: كمن مثله الذي هو شبه له في الظلمات، وإذا كان مثله في الظلمات كان هو أيضًا فيها، فأخبر عن مثله، أي: شبهه، والمراد به: الكافر لا شبيهه، وهذان القولان معنى ما ذكره أبو علي (٧) في هذه الآية، وقال غيره من النحويين (٨): (معنى الآية: كمن في الظلمات، وزيد المثل لأنه يفيد أنه يُضرب به المثل في ذلك). وقال بعضهم: (التقدير كمن مثله مثل من في الظلمات، أي: كمن لو شبه بشيء كان شبيهه من في
(٢) يعني: على قراءة ابن كثير ونافع وأبي عمرو وابن عامر (فجزاءُ مِثْلِ ما قتل)، بضم (فجزاءُ) من غير تنوين مضافة وجر (مثل). انظر: "السبعة" ص ٢٤٧، و"المبسوط" ص ١٦٣، ١٦٤، و"التذكرة" ٢/ ٣٩٠.
(٣) كذا في النسخ، والأولى: (ومثل هذا قل في قوله).
(٤) انظر: "معاني الحروف" للرماني ص ٤٨، ٤٩، و"سر صناعة الإعراب" ١/ ٢٩١.
(٥) في (أ): (نوران)، وهو تحريف.
(٦) المثل بكسر الميم وسكون الثاء، والمثل بالفتح، واحد، بمعنى: التسوية، انظر: "اللسان" ٧/ ٤١٣٢ (مثل).
(٧) انظر: "الحجة" لأبي علي ٣/ ٢٥٦ - ٢٥٧، وهو نص كلامه مع زيادة شرح من الواحدي.
(٨) لم أقف عليه.

الظلمات) وهذا قول الحسين بن الفضل (١)، وهو أضعف هذه الأقوال.
وقوله تعالى: ﴿لَيْسَ بِخَارِجٍ مِنْهَا﴾. قال الكلبي: (ليس بمؤمنٍ أبدًا) (٢)، واتفق المفسرون على أن هذه الآية نزلت في مؤمن وكافر، وأجمعوا على أن الكافر أبو جهل (٣).
واختلفوا في المؤمن من هو؟
فقال ابن عباس: (يريد: حمزة بن عبد المطلب، وذلك أن أبا جهل رمى النبي - ﷺ - بفرث، وحمزة يومئذ لم يؤمن، فأخبره حمزة بما فعل أبو جهل وهو راجع من قنصه، وبيده قوس، فأقبل غضبان حتى [علا] (٤)، أبا جهل بالفرس، وهو يتضرع إليه ويستكين، ويقول: أما ترى ما جاء به، سفه عقولنا، وسب آلهتنا، فقال حمزة: ومن أسفه منكم تعبدون الحجارة من دون الله، أشهد أن لا إله إلا الله [وحده لا شريك له (٥)] وأن محمدًا رسوله، فأنزل الله هذه الآية) (٦).
وقال مقاتل: (نزلت في النبي - ﷺ - وأبي جهل، وذلك أنه قال: زاحمنا
(٢) ذكره الواحدي في "الوسيط" ١/ ١١٢، بدون نسبة، وقال مجاهد في "تفسيره" ١/ ٢٢٣: ﴿لَيْسَ بِخَارِجٍ مِنْهَا﴾ أي: الضلالة أبدًا).
(٣) حكى الاتفاق أيضًا ابن عطية في "تفسيره" ٥/ ٢٣٧.
(٤) لفظ (علا)، ساقط من أصل (أ)، وملحق بأعلى السطر.
(٥) ما بين المعقوفين ساقط من (أ).
(٦) ذكره أكثرهم.
انظر: الثعلبي ص ١٨٣ ب، و"أسباب النزول" للواحدي ص ٢٢٤، والبغوي ٣/ ١٨٤، وابن الجوزي ٣/ ١١٦، والرازي ١٣/ ١٧٢، والقرطبي ٧/ ٧٨، وذكر القصة دون ذكر الآية ابن هشام في "السيرة" ١/ ٣١٢، ٣٧٦، والحاكم في "المستدرك" ٣/ ١٩٢ - ١٩٣.

بنو (١) عبد [مناف] (٢) في الشرف حتى إذا صرنا كفرسي رهان (٣) قالوا. منا نبي يوحى إليه، والله لا نؤمن به ولا نتبعه أبدًا، إلا أن يأتينا وحي كما يأتيه، فأنزل الله هذه الآية، وقوله تعالى: ﴿وَإِذَا جَاءَتْهُمْ آيَةٌ قَالُوا لَنْ نُؤْمِنَ﴾ الآية [الأنعام: ١٢٤]) (٤).
قال الزجاج: (على هذا القول فالنبي - ﷺ - هُدى، وأعطي نور الإسلام و [النبوة] (٥) والحكمة، وأبو جهل في ظلمات الكفر) (٦).
وقال عكرمة (٧) والكلبي (٨): (نزلت في عمار بن ياسر، وأبي جهل).
وقال الضحاك (٩)، ويمان: نزلت في عمر بن الخطاب -رضي الله عنه- وأبي جهل) (١٠).
(٢) لفظ: (مناف)، ساقط من (ش).
(٣) كَفَرسي رهان: أي: يتسابقان إلى غاية. وفرس بالفتح: واحد الخيل. ورهان بالكسر: المسابقة على الخيل. انظر: "النهاية" لابن الأثير ٣/ ٤٢٨ - ٤٢٩، و"اللسان" ٦/ ٣٣٧٨ (فرس)، ٣/ ١٧٥٨ (رهن).
(٤) "تفسير مقاتل" ١/ ٥٨٧.
(٥) لفظ: (النبوة) ساقط من (أ).
(٦) "معاني الزجاج" ٢/ ٢٨٨.
(٧) أخرجه الطبري في "تفسيره" ٨/ ٢٢ بسند ضعيف، وذكره السيوطي في "الدر" ٣/ ٨١، وحكاه ابن الجوزي ٣/ ١١٦ عن ابن عباس.
(٨) "تنوير المقباس" ٢/ ٥٦، وذكره السمرقندي ١/ ٥١١، والثعلبي ص ١٨٣/ ب، والماوردي ٢/ ١٦٤، والبغوي ٣/ ١٨٥، عن الكلبي.
(٩) أخرجه الطبري ٨/ ٢٢ بسند ضعيف، وذكره السيوطي في "الدر" ٣/ ٨١.
(١٠) لم أقف عليه عن يمان وحكاه النحاس في "معانيه" ٢/ ٤٨٣، عن السدي، والماوردي ٢/ ١٦٣ عن مقاتل، والواحدي في "الوسيط" ١/ ١١٢، عن زيد بن أسلم، والسيوطي في "الدر" ٣/ ٨١ عن ابن عباس.

وقال الحسن (١): (الآية عامة [في كل مؤمن وكافر، ولم تنزل في مؤمن وكافر مخصوصين)، وهو قول الزجاج: (يجوز أن تكون هذه الآية (٢) عامة] لكل من هداه الله، ولكل من أضله، فاعلم أن مثل المهتدي مثل الميت الذي أُحيي، وجُعل مستضيئًا في الناس بنور الحكمة والإيمان، ومثل الكافر مثل من هو في الظلمات الذي لا يتخلص منها) (٣).
وقوله تعالى: ﴿كَذَلِكَ زُيِّنَ لِلْكَافِرِينَ مَا كَانُوا يَعْمَلُونَ﴾. قال ابن عباس: (يريد: زين الشيطان لهم عبادة الأصنام) (٤). وأما وجه التشبيه في قوله: ﴿كَذَلِكَ﴾ فالمعنى: زين لهم الكفر فعملوه كما زين لأولئك الإيمان، فشبهت حال هؤلاء في التزيين بحال أولئك فيه (٥).
وقال أبو إسحاق: (موضع الكاف رفع، المعنى: مثل ذلك الذي قصصنا عليك زين للكافرين عملهم) (٦).
(٢) ما بين المعقوفين ساقط من (ش).
(٣) "معاني الزجاج" ٢/ ٢٨٨، وهذا القول هو الراجح، فالآية عامة يدخل فيها كل مؤمن وكافر، وهو اختيار القرطبي في "تفسيره" ٧/ ٧٨، وابن كثير ٢/ ١٩٢، وقال النحاس في "معانيه" ٢/ ٤٨٣: (الذي يوجب المعنى أن يكون عامًّا إلا أن تصح فيه رواية). اهـ. وقال الرازي في "تفسيره" ١٣/ ١٧٣: (الحق أن الآية عامة؛ لأن المعنى إذا كان حاصلًا في الكل كان التخصيص محض تحكم، إلا إذا قيل: إن النبي - ﷺ - قال: "إن مراد الله تعالى من هذه الآية العامة فلان بعينه". اهـ ملخصًا.
(٤) ذكره الواحدي في "الوسيط" ١/ ١١٣، والبغوي في "تفسيره" ٣/ ١٨٥.
(٥) انظر: "تفسير الطبري" ٨/ ٢٤، والسمرقندي ١/ ٥١١، وابن عطية ٥/ ٢٣٧.
(٦) ذكره السمين في "الدر" ٥/ ١٣٤، وقال الزجاج في "معانيه" ٢/ ٢٨٨، عند قوله تعالى: ﴿وَكَذَلِكَ جَعَلْنَا فِي كُلِّ قَرْيَةٍ﴾ (موضع الكاف نصب معطوفة على ما قبلها =