
(أَوَمَنْ كَانَ مَيْتًا فَأَحْيَيْنَاهُ وَجَعَلْنَا لَهُ نُورًا يَمْشِي بِهِ فِي النَّاسِ كَمَنْ مَثَلُهُ فِي الظُّلُمَاتِ لَيْسَ بِخَارِجٍ مِنْهَا).
(الواو) عاطفة، هذه الجملة عطفت على ما قبلها من ذكر أوهام المشركين، وطلبهم آيات وتحريمهم ما أحل الله، وإحالة الإثم منهم ظاهرا وباطنا، وهذه الآية هي بيان للفرق بين المؤمن والمشرك، والاستفهام إنكاري لإنكار الواقع، فهو نفي للمشابهة، والمعنى لَا يستوي من يكون ميتا بالجهالة فأحييناه بالإسلام والهداية

والمعرفة وجعلنا له إدراكا ومعرفة يمشي بها في الناس هاديا لهم يرشدهم ويسترشد بهم، كمن مثله من نشأ في الظلمات لَا يخرج منها، بل يتردى فيها يتحرك في جنباتها، ولا يخرج، وعبر سبحانه عن عدم خروجه من الظلمات بقوله (لَيْسَ بِخَارِجٍ مِّنْهَا)، أي أنه ألِفَ الظلمات، وصار لَا يمكن أن يخرج منها، فعبر باسم الفاعل أي صار مثل المقيم في الظلمات، وأكد سبحانه وتعالى نفي الخروج بالباء وبالوصف، فهو مرتكس في الظلمات ليس بخارج منها.
فلا يستوي - بمقتضى هذا النفي - المؤمن والمشرك، كما لَا يستوي النور والظلمة، كما لَا يستوي المبصر والأعمى، وهذا كقوله تعالى في آية أخرى: (وَمَا يَسْتَوِي الْأَعْمَى وَالْبَصِيرُ (١٩) وَلَا الظُّلُمَاتُ وَلَا النُّورُ (٢٠) وَلَا الظِّلُّ وَلَا الْحَرُورُ (٢١) وَمَا يَسْتَوِي الْأَحْيَاءُ وَلَا الْأَمْوَاتُ إِنَّ اللَّهَ يُسْمِعُ مَنْ يَشَاءُ وَمَا أَنْتَ بِمُسْمِعٍ مَنْ فِي الْقُبُورِ (٢٢) إِنْ أَنْتَ إِلَّا نَذِيرٌ (٢٣).
(كَذَلِكَ زُينَ لِلْكَافِرِينَ مَا كَانُوا يَعْمَلُونَ) كهذه الحال التي صاروا بها في ظلمات ليسوا بخارجين منها، لأنهم استمرأوا الظلام وألفوه، واستطابوا الإقامة فيه لَا يخرجون - مثل هذه الحال زين للكافرين ما كانوا يعملونه من إنكار، وبقاء في الباطل، حتى حسبوا أن ما هم عليه، هو الحق الذي لَا يأتيه الباطل.
وقوله تعالى: (زُيِّنَ) بالبناء للمجهول للإشارة إلى أنه لم يكن لهم من عقل أو فكر أو هداية، إنما زين لهم باهوائهم وأوهامهم، فضلوا ضلالا بعيدا، و (ما) هنا موصول بمعنى الذي، و " كانوا " دالة على استمرار عملهم، وسيكون ما زينته لهم أوهامهم وبالا عليهم يوم القيامة.
* * *