آيات من القرآن الكريم

أَوَمَنْ كَانَ مَيْتًا فَأَحْيَيْنَاهُ وَجَعَلْنَا لَهُ نُورًا يَمْشِي بِهِ فِي النَّاسِ كَمَنْ مَثَلُهُ فِي الظُّلُمَاتِ لَيْسَ بِخَارِجٍ مِنْهَا ۚ كَذَٰلِكَ زُيِّنَ لِلْكَافِرِينَ مَا كَانُوا يَعْمَلُونَ
ﮗﮘﮙﮚﮛﮜﮝﮞﮟﮠﮡﮢﮣﮤﮥﮦﮧﮨﮩﮪﮫﮬﮭﮮﮯ ﮱﯓﯔﯕﯖﯗﯘﯙﯚﯛﯜﯝﯞﯟﯠﯡ

ج- وذهب الجمهور (أبو حنيفة ومالك وأحمد) إلى أن متروك التسمية عمدا حرام لا يؤكل وهو ميتة، ويحل أكل متروك التسمية سهوا، أو كان الذابح المسلم أخرس أو مستكرها.
وأضاف الحنابلة: من ترك التسمية على الصيد ولو سهوا، لم يؤكل، أي أن التسمية على الذبيحة تسقط بالسهو، وعلى الصيد لا تسقط.
ودليل الجمهور: قوله تعالى: وَلا تَأْكُلُوا مِمَّا لَمْ يُذْكَرِ اسْمُ اللَّهِ عَلَيْهِ، وَإِنَّهُ لَفِسْقٌ
وقوله صلّى الله عليه وسلّم في الحديث الصحيح: «ما أنهر الدم، وذكر اسم الله عليه فكل»
وروي عنه صلّى الله عليه وسلّم أنه قال: «تسمية الله في قلب كل مسلم»
والناسي ليس بتارك للتسمية، بل هي في قلبه، فيكون متروك التسمية عمدا حراما، ومتروك التسمية سهوا ليس مما لم يذكر اسم الله عليه، ولم يلحق العامد بالناسي لأنه بترك التسمية عمدا كأنه نفى ما في قلبه.
مثل المؤمن المهتدي والكافر الضال
[سورة الأنعام (٦) : الآيات ١٢٢ الى ١٢٣]
أَوَمَنْ كانَ مَيْتاً فَأَحْيَيْناهُ وَجَعَلْنا لَهُ نُوراً يَمْشِي بِهِ فِي النَّاسِ كَمَنْ مَثَلُهُ فِي الظُّلُماتِ لَيْسَ بِخارِجٍ مِنْها كَذلِكَ زُيِّنَ لِلْكافِرِينَ ما كانُوا يَعْمَلُونَ (١٢٢) وَكَذلِكَ جَعَلْنا فِي كُلِّ قَرْيَةٍ أَكابِرَ مُجْرِمِيها لِيَمْكُرُوا فِيها وَما يَمْكُرُونَ إِلاَّ بِأَنْفُسِهِمْ وَما يَشْعُرُونَ (١٢٣)
الإعراب:
أَوَمَنْ كانَ مَيْتاً فيه مضاف محذوف تقديره: أو مثل من كان ميتا، بدليل: كَمَنْ

صفحة رقم 26

مَثَلُهُ فِي الظُّلُماتِ
. ومَنْ اسم موصول مبتدأ، والكاف في كَمَنْ خبره، واسم كان ضمير يعود إلى مَنْ ومَيْتاً خبرها، والجملة من الفعل واسمه وخبره صلة مَنْ.
لَيْسَ بِخارِجٍ مِنْها في موضع نصب على الحال من الضمير المرفوع في قوله: فِي الظُّلُماتِ.
مُجْرِمِيها مفعول أول لجعلنا، وأَكابِرَ مفعول ثان مقدم. لِيَمْكُرُوا اللام: لام كي.
البلاغة:
أَوَمَنْ كانَ مَيْتاً فَأَحْيَيْناهُ نُوراً... فِي الظُّلُماتِ الموت والحياة، والنور والظلمات:
استعارة، فقد استعار الموت للكفر، والحياة للإيمان، والنور للهدى، والظلمات للضلال.
المفردات اللغوية:
أَوَمَنْ كانَ مَيْتاً بالكفر. فَأَحْيَيْناهُ بالهدى. وَجَعَلْنا لَهُ نُوراً يَمْشِي بِهِ فِي النَّاسِ يتبصر به الحق من غيره وهو الإيمان. كَمَنْ مَثَلُهُ مثل: زائدة أي كمن هو، والمثل:
الصفة والنعت. فِي الظُّلُماتِ لَيْسَ بِخارِجٍ مِنْها وهو الكافر. كَذلِكَ زين للمؤمنين الإيمان كما زُيِّنَ لِلْكافِرِينَ ما كانُوا يَعْمَلُونَ من الكفر والمعاصي.
وَكَذلِكَ كما جعلنا فساق مكة أكابرها. جَعَلْنا فِي كُلِّ قَرْيَةٍ أَكابِرَ مُجْرِمِيها الأكابر:
الرؤساء، جمع كبير أو أكبر، والمجرمون: مرتكبو الاجرام، والاجرام: هو الإفساد والإضرار من الأفعال والأقوال، والقرية: البلد الذي يجمع فيه الناس، وقد تطلق على الشعب أو الأمة.
لِيَمْكُرُوا فِيها بالصدّ عن الإيمان. وَما يَمْكُرُونَ المكر: التدبير الخفي لصرف الغير عما يريده بحيلة أو خديعة أو تدليس قولي. إِلَّا بِأَنْفُسِهِمْ لأن وباله عليهم.
سبب النزول: نزول الآية (١٢٢) :
أَوَمَنْ كانَ مَيْتاً: أخرج أبو الشيخ ابن حيان الأنصاري عن ابن عباس في قوله: أَوَمَنْ كانَ مَيْتاً فَأَحْيَيْناهُ قال: نزلت في عمر وأبي جهل. وأخرج ابن جرير الطبري عن الضحاك مثله، وذكر أبو بكر

صفحة رقم 27

لحارثي عن زيد بن أسلم مثله: أَوَمَنْ كانَ مَيْتاً قال: عمر بن الخطاب كَمَنْ مَثَلُهُ فِي الظُّلُماتِ قال: أبو جهل بن هشام.
وذكر الواحدي النيسابوري عن ابن عباس قال: قوله تعالى: أَوَمَنْ كانَ مَيْتاً يريد حمزة بن عبد المطلب وأبا جهل، وذلك أن أبا جهل رمى رسول الله صلّى الله عليه وسلّم بفرث، وحمزة لم يؤمن بعد، فأخبر حمزة بما فعل أبو جهل وهو راجع من قنصه وبيده قوس، فأقبل غضبان حتى علا أبا جهل بالقوس وهو يتضرع إليه ويقول: يا أبا يعلى، أما ترى ما جاء به، سفّه عقولنا، وسبّ آلهتنا، وخالف آباءنا؟ قال حمزة: ومن أسفه منكم؟ تعبدون الحجارة من دون الله، أشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأن محمدا عبده ورسوله، فأنزل الله تعالى هذه الآية «١».
اتفقت الروايات على أن الكافر الضال هو أبو جهل، وأما المؤمن المهتدي فقيل: حمزة، وقيل: عمر رضي الله عنهما، والصحيح كما قال ابن كثير والقرطبي: أن الآية عامة يدخل فيها كل مؤمن وكافر «٢».
المناسبة:
ذكر الله تعالى في الآية السابقة أن أكثر أهل الأرض ضالون متبعون للظنون الزائفة والتخمينات، وأن المشركين يجادلون المؤمنين في دين الله، ثم ذكر هنا مثلا يوضح حال المؤمن المهتدي وحال الكافر الضال، فأبان أن المؤمن المهتدي بمنزلة من كان ميتا، فجعل حيا بعد ذلك، وأعطي نورا يهتدي به في مصالحه، وأن الكافر بمنزلة من هو في ظلمات منغمس فيها، لا خلاص له منها، فيكون متحيرا على الدوام.

(١) أسباب النزول: ١٢٨
(٢) تفسير ابن كثير: ٢/ ١٧٢، تفسير القرطبي: ٧/ ٧٨

صفحة رقم 28

التفسير والبيان:
هذا مثل ضربه الله تعالى للمؤمن الذي كان ميتا، أي في الضلالة، هالكا حائرا، فأحياه الله، أي أحيا قلبه بالإيمان وهداه له، ومثل ضربه الله للكافر المنغمس في الظلمات أي الجهالات والأهواء والضلالات.
هذه مقارنة أو موازنة بين أهل الإيمان وأهل الكفر، أفمن كان ميتا بالكفر والجهل، فأحييناه بالإيمان، وجعلنا له نورا يضيء له طريقه بين الناس، وهو نور القرآن المؤيد بالحجة والبرهان؟ وهو أيضا نور الهدى والإيمان؟
كمن مثله مثل السائر في الظلمات: ظلمة الليل، وظلمة السحاب، وظلمة المطر، وهو ليس بخارج منها، أي لا يهتدي إلى منفذ ولا مخلص مما هو فيه.
وفي المقارنة بين المؤمن والكافر وردت آيات كثيرة، منها: أَفَمَنْ يَمْشِي مُكِبًّا عَلى وَجْهِهِ أَهْدى، أَمَّنْ يَمْشِي سَوِيًّا عَلى صِراطٍ مُسْتَقِيمٍ [الملك ٦٧/ ٢٢].
ومنها: مَثَلُ الْفَرِيقَيْنِ كَالْأَعْمى وَالْأَصَمِّ، وَالْبَصِيرِ وَالسَّمِيعِ، هَلْ يَسْتَوِيانِ مَثَلًا، أَفَلا تَذَكَّرُونَ [هود ١١/ ٢٤] ومنها: وَما يَسْتَوِي الْأَعْمى وَالْبَصِيرُ، وَلَا الظُّلُماتُ وَلَا النُّورُ، وَلَا الظِّلُّ وَلَا الْحَرُورُ، وَما يَسْتَوِي الْأَحْياءُ وَلَا الْأَمْواتُ، إِنَّ اللَّهَ يُسْمِعُ مَنْ يَشاءُ، وَما أَنْتَ بِمُسْمِعٍ مَنْ فِي الْقُبُورِ، إِنْ أَنْتَ إِلَّا نَذِيرٌ [فاطر ٣٥/ ١٩- ٢٣].
وإذا كان الاهتداء إلى الإيمان والانغماس في ظلمات الكفر والضلال بسبب من الإنسان واختيار منه، فإن الله تعالى يزيد المؤمنين توفيقا إلى الخير، ويترك الكافرين سائرين في متاهات الكفر، لذا ختم الله الآية بقوله: كَذلِكَ زُيِّنَ لِلْكافِرِينَ ما كانُوا يَعْمَلُونَ أي كما زين الإيمان للمؤمنين، زين للكافرين الكفر والمعاصي، أي حسّن لكل فريق عمله، فحسّن الإيمان في أنظار المؤمنين، وحسّن الكفر والجهالة والضلالة في أعين الكافرين، كعداوة النّبي صلّى الله عليه وسلّم، وذبح القرابين

صفحة رقم 29

لغير الله، وتحريم ما لم يحرمه الله، وتحليل ما حرمه.
وقال ابن كثير: حسّن لهم ما كانوا فيه من الجهالة والضلالة، قدرا من الله وحكمة بالغة، لا إله إلا الله وحده لا شريك له. وأورد حديثا في المقارنة المتقدمة بين المؤمن والكافر،
رواه الإمام أحمد في مسنده عن رسول الله صلّى الله عليه وسلّم أنه قال: «إن الله خلق خلقه في ظلمة، ثم رشّ عليهم من نوره، فمن أصابه ذلك النور، اهتدى، ومن أخطأه ضلّ» «١».
ثم أورد الله تعالى ما يدلّ على سنته الثابتة في البشر، فقال: وَكَذلِكَ جَعَلْنا فِي كُلِّ قَرْيَةٍ.. أي وكما أن أعمال أهل مكة مزينة لهم، وجعلهم الله أكابرها مع أنهم فسّاقها، كذلك جعلنا في كل قرية أكابر مجرميها رؤساءها ودعاتها إلى الكفر والصدّ عن سبيل الله، ليمكروا فيها بالصدّ عن سبيل الله لأنهم أقدر على المكر والخداع وترويج الباطل بين الناس بحكم نفوذهم وسيادتهم وسيطرتهم.
وهكذا سنة الله في المجتمعات البشرية، يثور النزاع بين الحق والباطل، ويشتد الصراع بين الإيمان والكفر، ولكل اتجاه أعوانه وأنصاره، وسادته وكبراؤه، والأنبياء وأتباعهم من المصلحين يوجدون في هذا الوسط المتصارع، فيتبعهم الضعفاء، ويكفر بهم الأشراف، وينصرهم الأوساط، ويقاوم دعوتهم الأكابر المجرمون الذي يعادون حركة الإصلاح والتقدم، والبناء والتحضر، في كل بيئة ومجتمع.
ولكن العاقبة والنصر للمتقين المصلحين، والهزيمة أو الانقراض والخذلان للكافرين المفسدين، وما يمكر هؤلاء الأكابر المجرمون المعادون للرسل إلا بأنفسهم لأن وبال مكرهم عليهم، وعاقبة إفسادهم تلحق بهم، لكنهم عديمو النظر للمستقبل والواقع، والاعتبار بالماضي، وعديمو الشعور والإحساس،

(١) تفسير ابن كثير: ٢/ ١٧٢

صفحة رقم 30

وما يشعرون شعورا صادقا صحيحا بمدى أعمالهم.
وهذا مؤيد للقاعدة الاجتماعية الشهيرة وهي تنازع البقاء، وبقاء الأصلح، كما قال تعالى: فَأَمَّا الزَّبَدُ فَيَذْهَبُ جُفاءً، وَأَمَّا ما يَنْفَعُ النَّاسَ فَيَمْكُثُ فِي الْأَرْضِ [الرعد ١٣/ ١٧].
وقد ساد هذا وصار سنة متبعة أيضا في الماضين الأولين، فقال تعالى:
وَمَكَرُوا مَكْراً، وَمَكَرْنا مَكْراً، وَهُمْ لا يَشْعُرُونَ. فَانْظُرْ كَيْفَ كانَ عاقِبَةُ مَكْرِهِمْ أَنَّا دَمَّرْناهُمْ وَقَوْمَهُمْ أَجْمَعِينَ [النمل ٢٧/ ٥٠- ٥١] أي أن الذين مكروا حفاظا على نفوذهم ومراكزهم، لم يشعروا بأن عاقبة مكرهم تحقيق بهم، لجهلهم بسنن الله في خلقه: وَلا يَحِيقُ الْمَكْرُ السَّيِّئُ إِلَّا بِأَهْلِهِ [فاطر ٣٥/ ٤٣].
فقه الحياة أو الأحكام:
دلت الآيتان على ما يأتي:
١- المؤمن المهتدي كمن كان ميتا فأحياه الله، فهو الذي ينعم بحق بالحياة الصحيحة السوية المتكاملة المطمئنة لأنه على بصيرة تامة بواقعة وعمله وسيرته، وعلى معرفة دقيقة بدينه وما ينتظره من مستقبل حافل بالآمال العذبة، والخيرات المغدقة، والنعيم الخالد.
والكافر الضال يعيش في الواقع في ظلمات بعضها فوق بعض، ظلمة الكفر، وظلمة المنهج والطريق، وظلمة المستقبل الغامض، المحفّل بشتى ألوان العذاب والضيق والحيرة والقلق والاضطراب.
٢- سنة الله في الاجتماع البشري أن يكون النفوذ والسيطرة لأكابر المجرمين، وقادة الفسق والعصيان، وأهل الانحراف الذين يعادون الرسل، ويقاومون حركة الإصلاح في كل زمان.

صفحة رقم 31
التفسير المنير
عرض الكتاب
المؤلف
وهبة بن مصطفى الزحيلي الدمشقي
الناشر
دار الفكر المعاصر - دمشق
سنة النشر
1418
الطبعة
الثانية
عدد الأجزاء
30
التصنيف
التفسير
اللغة
العربية