
(فَيَسُبُّوا اللَّهَ عَدْوًا بِغَيْرِ عِلْمٍ).
أي فَيسُبًّوا اللَّه ظلماً، وقال بعضهم فيسبوا اللَّه عُدُوَّا.
وعَدُوَّا ههنا في معنى جماعة، كأنه قيل: فيسبوا اللَّه أعدَاءً.
وعُدُوًّا منصوب في هذا القول على الحال. وعَدْواً منصوب على
المصدَرِ على إرادة اللام، لأن المعنى فيعتدون عَدْوَاً، أييظلمون طلماً.
ويكون بإرادة اللام أأي فيبسوا الله للظلم، وفيها وجه آخر. فيبسوا الله عُدواً - بضم الدال - وهو في معنى عُدُوا ويقال في الظلم عَدَا فلان عَدْواً وعُدُواً، وعُدُواناً، وعَدَاءً. أي ظلماً جاوز فيه القدْرَا.
وقوله تعالى عزَّ وجلَّ: (كَذَلِكَ زَيَّنَّا لِكُلِّ أُمَّةٍ عَمَلَهُمْ).
فيه غير قول: أنه بمنزلة (طَبَعَ اللَّهُ عَلَى قُلُوبِهِمْ) فذلك تزيين أعمالهم.
قال اللَّه عزَّ وجلَّ: (بَلْ طَبَعَ الله عَلَيْهَا بكفْرِهم).
وقال بعضهم: (زَيَّنَّا لِكُلِّ أُمَّةٍ عَمَلَهُمْ) أي زَيَّنَ لكل أمَّةٍ العَمل الذي هو
فرض عليهم. والقول الأول أجوذ. لأنة بمنزلة (طَبَعَ الله عَلَى قُلوبهم). والدليل على ذلك، ونقض هذا قوله: (أَفَمَنْ زُيِّنَ لَهُ سُوءُ عَمَلِهِ فَرَآهُ حَسَنًا فَإِنَّ اللَّهَ يُضِلُّ مَنْ يَشَاءُ وَيَهْدِي مَنْ يَشَاءُ).
* * *
وقوله: (وَأَقْسَمُوا بِاللَّهِ جَهْدَ أَيْمَانِهِمْ لَئِنْ جَاءَتْهُمْ آيَةٌ لَيُؤْمِنُنَّ بِهَا قُلْ إِنَّمَا الْآيَاتُ عِنْدَ اللَّهِ وَمَا يُشْعِرُكُمْ أَنَّهَا إِذَا جَاءَتْ لَا يُؤْمِنُونَ (١٠٩)
أي اجتهدوا في المبالغة فى اليمين.
(لَئِنْ جَاءَتْهُمْ آيَةٌ لَيُؤْمِنُنَّ بِهَا).

وإنما حلفوا على ما اقترحُوا هُمْ من الآيات، وإنما قالوا:
(لَنْ نُومِنَ لكَ حَتَى تَفْجُرَ لَنَا مِنَ الأرْضِ يَنْبُوعاً) إلى قوله: (والملائكة قَبيلاً).
أي تأتي بهم كفيلًا، أي يَكْفُلون.
فأعلم اللَّه عزَّ وجلَّ أن الآيَاتِ عِنْدَ اللَّهِ.
ويروى أن المؤمنين قالوا: لو أنْزِلَ عليهم آية لعلهم كانوا يؤمنون، فقال
الله عزَّ وجلَّ: (قُلْ إِنَّمَا الْآيَاتُ عِنْدَ اللَّهِ وَمَا يُشْعِرُكُمْ أَنَّهَا إِذَا جَاءَتْ لَا يُؤْمِنُونَ).
أي وما يُدريكم، أي لَستُم تعلمون الغيبَ، فلا تدرون أنهم يؤمنون.
كما تقول للرجل إذا قال لك: افْعَل بي كذا وكذا حتى أفْعَل كذا وكذا مما لا تعلم أنه يفعله لا محالة: ما يدريك. ثم استأنف فقال:
(أَنَّهَا إِذَا جَاءَتْ لَا يُؤْمِنُونَ).
هذه هي القراءَة، وقرئت أيضاً (إِنَّها إذا جَاءَت لَا يؤمنون).
وزعم سيبويه عن الخليل أن معناها لعلها إذا جاءَت لا يؤمنون، وهي
قراءَة أهل المدينة، وقال الخليل: إنها كقولهم إِيت السوق أنك تشتري شيئاً، أي لعلك.
وقد قال بعضهم إنها " أن " التِي على أصل الباب، وجعل " لا " لَغْواً.
قال: والمعنى وما يُشْعِركم أنها إذا جاءَت يؤمِنُونَ، كما قال عزَّ وجلَّ: (وَحَرَامٌ عَلَى قَرْيَةٍ أَهْلَكْنَاهَا أَنَّهُمْ لَا يَرْجِعُونَ (٩٥).