آيات من القرآن الكريم

وَأَقْسَمُوا بِاللَّهِ جَهْدَ أَيْمَانِهِمْ لَئِنْ جَاءَتْهُمْ آيَةٌ لَيُؤْمِنُنَّ بِهَا ۚ قُلْ إِنَّمَا الْآيَاتُ عِنْدَ اللَّهِ ۖ وَمَا يُشْعِرُكُمْ أَنَّهَا إِذَا جَاءَتْ لَا يُؤْمِنُونَ
ﯨﯩﯪﯫﯬﯭﯮﯯﯰﯱﯲﯳﯴﯵﯶﯷﯸﯹﯺﯻﯼﯽﯾ

(ثم قال تعالى): ﴿كَذَلِكَ زَيَّنَّا لِكُلِّ أُمَّةٍ عَمَلَهُمْ﴾ (أي) كما زيّنَا لهؤلاء عبادة الأوثان، كذلك زيَنّا لكل جماعةٍ - اجتمعت على عمل من الأعمال، طاعة أو معصية - عَمَلَهم، ثم مرجعهم بعد ذلك إلى الله فيخبرهم بأعمالهم ويجازيهم عليها.
قوله: ﴿وَأَقْسَمُواْ بالله جَهْدَ أيمانهم﴾ الآية.
المعنى: أن الله جل ذكره لمّا نزّل في " الشعراء " ﴿إِن نَّشَأْ نُنَزِّلْ عَلَيْهِمْ مِّنَ السمآء آيَةً فَظَلَّتْ أَعْنَاقُهُمْ لَهَا خَاضِعِينَ﴾ [الشعراء: ٤]، أقسم كفار قريش: ﴿لَئِن جَآءَتْهُمْ آيَةٌ لَّيُؤْمِنُنَّ بِهَا﴾، فقال المؤمنون: يا رسول الله، سل ربَّك أن ينزلها عليهم حتى يؤمنوا، فأنزل الله ﴿وَمَا يُشْعِرُكُمْ أَنَّهَآ إِذَا جَآءَتْ لاَ يُؤْمِنُونَ﴾، وهو خطاب للمؤمنين السائلين النبي في ذلك.
وقيل: معنى الآية: أن الكفّار سألوا النبي ﷺ أن يأتيهم بآية، وحلفوا ليؤمنن إِنْ أتت، فقال المؤمنون: يا رسول الله، سل ربك أن ينزلها (عليهم) حتى يؤمنوا،

صفحة رقم 2143

(فأنزل الله): وما يشعركم أيُّها المؤمنون بذلك؟، أي: بصحة قولهم (ثم قال) مستأنفاً مخبراً عنهم - بما يفعلون لو نزلت -: إنها إذا جاءت لا يؤمنون. وهذا معنى الكسر، وهو الاختيار عند أكثر النحويين.
وهذه الآية هي التي توعّدوا بها / في الشعراء في قوله: ﴿إِن نَّشَأْ نُنَزِّلْ عَلَيْهِمْ مِّنَ السمآء آيَةً فَظَلَّتْ أَعْنَاقُهُمْ لَهَا خَاضِعِينَ﴾ [الشعراء: ٤]، فقال الله لنبيه: ﴿قُلْ إِنَّمَا الآيات عِندَ الله﴾ وهو القادر على إنزالها.
والذي سألوه هم أنهم قالوا: تجعل لنا الصفا ذهباً. فسأل النبي ﷺ في ذلك،

صفحة رقم 2144

فجاءه جبريل فقال: إن شئت أصبح ذهباً، ولئن أرسل آية فلم يصدقوا عند ذلك لَيُعذِبَنّهم الله، وَ (إِنْ) شئت فاتركهم حتى يتوب تائبهم. فقال النبي ﷺ: " بل يَتوبُ تائِبُهم "، فأنزل الله: ﴿وَأَقْسَمُواْ بالله﴾ الآية.
ومن قرأ بالتاء، فإنما هو خطاب للمشركين الذي سألوا الآية، ويحتمل وجهين:
- أحدهما: أن تكسر (إِنّ) على معنى: وما يشعركم ذلك، ثم استأنف بالإخبار عما سبق في علمه، وعِلم ما لو كان كيف كان يكون، فقال: إنها إذا

صفحة رقم 2145

جاءت لا تؤمنون أيها المشركون.
- ويحتمل أن تفتح (أنَّ)، ويكون المعنى: وما يُشعركم - أيُّها المشركون - أنها إذا جاءت تؤمنون؟، وتكون (لا) زائدة.
ومن قرأ بالياء فهو خطاب للمؤمنين الذين سألوا النبي أن يسأل آية ليؤمن المشركون عند نزولها على ما سألوا، وأقسموا إنهم يؤمنون إذا نزلت، ويحتمل معنيين:
أحدهما: فتح (أنَّ) ويكون المعنى: وما يشعركم - أيُّها المؤمنون - أنَّها إذا جاءت يؤمنون؟، أي: (ما) يدريكم أنَّهم يؤمنون إذا نزلت الآية. وتكون (لا) زائدة.
- والوجه الآخر: أن تكون (إنِّ) مكسورة، ويكون المعنى: وما يشعركم - أيها

صفحة رقم 2146

المؤمنون - ذلك. ثم استأنف فقال: ﴿أَنَّهَآ إِذَا جَآءَتْ لاَ يُؤْمِنُون﴾، يخبر بما يكون لو فعل بهم ذلك.
ويجوز في القراءتين جميعاً - الياء والتاء - أن تكون (أنَّها) - إذا فتحت - بمعنى " لعلها "، وتكون (لا) غير زائدة.
والياء اختيار الطبري مع فتح (أنَّ) بمعنى " لعلها ".
ولو فتحت (أنَّها) ولم تقدر زيادة (لا) ولا كون (أنَّها) بمعنى " لعلها "، لكان ذلك عذراً لهم.
ولا يتم فتح (أنَّها) إلا بأحد وجهين:
- إمَّا أَنْ تقدرها بمعنى " لعلها " - أو تقدر زيادة (لا). فاعلم ذلك.

صفحة رقم 2147

وقد حكى الخليل عن العرب: " ائت السوق أنَّكَ تشتري لنا "، أي: لعلك. وسمع الكسائي رجلاً يقول: " ما أدري أنه صاحبها "، أي: لعله. وسمع الفراء أبا الهيثم العُقيلي يقول: " أنَّها (تركته لفاقة حاله) "، يريد " لعلها تركته ". وفي قراءة أُبيّ ﴿وَمَا يُشْعِرُكُمْ أَنَّهَآ إِذَا جَآءَتْ لاَ يُؤْمِنُونَ﴾، وفي حرف عبد الله: (وَمَا يُشْعِرُكُمْ إِذَا (جَاءَتْ) لاَ يُؤْمِنُونَ).
ومن قدر زيادة (لآ) هنا، أوقع ﴿يُشْعِرُكُمْ﴾ على ﴿أَنْ﴾ ففتحها، ويجعل (لا) صلة كهي في قوله: ﴿وَحَرَامٌ على قَرْيَةٍ أَهْلَكْنَاهَآ أَنَّهُمْ لاَ يَرْجِعُونَ﴾ [الأنبياء: ٩٥]، المعنى: حرام عليهم أن

صفحة رقم 2148
الهداية الى بلوغ النهاية
عرض الكتاب
المؤلف
أبو محمد مكي بن أبي طالب حَمّوش بن محمد بن مختار القيسي القيرواني ثم الأندلسي القرطبي المالكي
الناشر
مجموعة بحوث الكتاب والسنة - كلية الشريعة والدراسات الإسلامية - جامعة الشارقة
سنة النشر
1429
الطبعة
الأولى
عدد الأجزاء
1
التصنيف
التفسير
اللغة
العربية