آيات من القرآن الكريم

۞ أَلَمْ تَرَ إِلَى الَّذِينَ نَافَقُوا يَقُولُونَ لِإِخْوَانِهِمُ الَّذِينَ كَفَرُوا مِنْ أَهْلِ الْكِتَابِ لَئِنْ أُخْرِجْتُمْ لَنَخْرُجَنَّ مَعَكُمْ وَلَا نُطِيعُ فِيكُمْ أَحَدًا أَبَدًا وَإِنْ قُوتِلْتُمْ لَنَنْصُرَنَّكُمْ وَاللَّهُ يَشْهَدُ إِنَّهُمْ لَكَاذِبُونَ
ﭩﭪﭫﭬﭭﭮﭯﭰﭱﭲﭳﭴﭵﭶﭷﭸﭹﭺﭻﭼﭽﭾﭿﮀﮁﮂﮃﮄﮅ

فاقبل دعاءنا. قال الإمام مالك: إنه من كان له في أحد من الصحابة قول سوء أو بغض، فلا حظّ له في الغنيمة أدبا له.
مواقف المنافقين واليهود في القتال
ضمّ التّكتل المعادي للمسلمين في صدر الإسلام فئات ثلاثا: هم المشركون الوثنيون، والمنافقون واليهود، وهم الحلف الثلاثي لمعسكر الشّر والكيد، والتّآمر والعدوان، فقد جمعتهم المصالح، لمحاربة أهل القرآن وأتباع النّبي عليه الصّلاة والسّلام، وأظهروا مواقف عدوانية خطيرة، لا بدّ من صدّها والوقوف ضدّها، ولم تمض إلا فترة زمنية قليلة إلا وانفرط عقد هذا الحلف المشبوه، وتبددت قوى أهله، وزال كيد أصحاب الكيد والضّلال، قال الله تعالى واصفا مواقف فئتين من هذا التّكتل، وهم المنافقون واليهود:
[سورة الحشر (٥٩) : الآيات ١١ الى ١٧]
أَلَمْ تَرَ إِلَى الَّذِينَ نافَقُوا يَقُولُونَ لِإِخْوانِهِمُ الَّذِينَ كَفَرُوا مِنْ أَهْلِ الْكِتابِ لَئِنْ أُخْرِجْتُمْ لَنَخْرُجَنَّ مَعَكُمْ وَلا نُطِيعُ فِيكُمْ أَحَداً أَبَداً وَإِنْ قُوتِلْتُمْ لَنَنْصُرَنَّكُمْ وَاللَّهُ يَشْهَدُ إِنَّهُمْ لَكاذِبُونَ (١١) لَئِنْ أُخْرِجُوا لا يَخْرُجُونَ مَعَهُمْ وَلَئِنْ قُوتِلُوا لا يَنْصُرُونَهُمْ وَلَئِنْ نَصَرُوهُمْ لَيُوَلُّنَّ الْأَدْبارَ ثُمَّ لا يُنْصَرُونَ (١٢) لَأَنْتُمْ أَشَدُّ رَهْبَةً فِي صُدُورِهِمْ مِنَ اللَّهِ ذلِكَ بِأَنَّهُمْ قَوْمٌ لا يَفْقَهُونَ (١٣) لا يُقاتِلُونَكُمْ جَمِيعاً إِلاَّ فِي قُرىً مُحَصَّنَةٍ أَوْ مِنْ وَراءِ جُدُرٍ بَأْسُهُمْ بَيْنَهُمْ شَدِيدٌ تَحْسَبُهُمْ جَمِيعاً وَقُلُوبُهُمْ شَتَّى ذلِكَ بِأَنَّهُمْ قَوْمٌ لا يَعْقِلُونَ (١٤) كَمَثَلِ الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ قَرِيباً ذاقُوا وَبالَ أَمْرِهِمْ وَلَهُمْ عَذابٌ أَلِيمٌ (١٥)
كَمَثَلِ الشَّيْطانِ إِذْ قالَ لِلْإِنْسانِ اكْفُرْ فَلَمَّا كَفَرَ قالَ إِنِّي بَرِيءٌ مِنْكَ إِنِّي أَخافُ اللَّهَ رَبَّ الْعالَمِينَ (١٦) فَكانَ عاقِبَتَهُما أَنَّهُما فِي النَّارِ خالِدَيْنِ فِيها وَذلِكَ جَزاءُ الظَّالِمِينَ (١٧)
«١» «٢» «٣» «٤» «٥» «٦» [الحشر: ٥٩/ ١١- ١٧].

(١) ليفرّن هاربين منهزمين.
(٢) أسوار، جمع جدار.
(٣) حربهم، وشديد: متمكّن بيّن.
(٤) متفرقة متخالفة.
(٥) عاقبة كفرهم.
(٦) مصيرهما.

صفحة رقم 2627

أخرج ابن أبي حاتم عن السدّي قال: أسلم ناس من أهل قريظة، وكان فيهم منافقون، وكانوا يقولون لأهل النضير: «لئن أخرجتم لنخرجنّ معكم» فنزلت هذه الآية فيهم: أَلَمْ تَرَ إِلَى الَّذِينَ نافَقُوا يَقُولُونَ لِإِخْوانِهِمُ..
نزلت في عبد الله بن أبي ابن سلول، ورفاعة بن التابوت، وقوم من منافقي الأنصار.
والمعنى: ألم تنظر نبي الله إلى هؤلاء القوم من المنافقين كعبد الله بن أبي، وعبد الله بن نبتل، ورفاعة بن زيد، وأمثالهم، حين بعثوا إلى يهود بني النضير: أن اثبتوا وتحصّنوا، أو تمنّعوا، فإننا لا نسلمكم، وإن قوتلتم قاتلنا معكم، وإن أخرجتم خرجنا معكم، ولا نطيع في شأنكم ومن أجلكم أحدا ممن يريد أن يمنعنا من الخروج معكم كمحمد وأتباعه، وإن طال الزمان، وإن قوتلتم لننصرنكم على أعدائكم، وكانوا كذبة فيما قالوا من ذلك، والله يشهد إنهم لكاذبون فيما وعدوهم به من الخروج والنصرة، إما لنيّتهم المبينة ألا يفوا بما وعدوا به، وإما لأنهم لا ينفّذون ما قالوا.
ثم فصّل الله تعالى أخبارهم الكاذبة ومواقفهم الخادعة، فقال: لَئِنْ أُخْرِجُوا أي تالله لئن أخرج يهود بني النضير من ديارهم، لا يخرج معهم المنافقون، ولئن قاتلهم المؤمنون لا يقاتلون معهم، ولئن قاتلوا معهم، لفرّوا هاربين منهزمين، ثم لا يصير الفريقان من المنافقين واليهود منصورين بعد ذلك، بل يذلّهم الله ويخذلهم، ولا ينفعهم نفاقهم.
إنكم أنتم أيها المسلمون أشدّ خوفا ورهبة في صدور المنافقين واليهود من رهبة الله، فهم يخافون منكم أكثر من خوفهم من الله، بسبب أنهم قوم لا يعلمون قدر عظمة الله، حتى يخشوه تمام الخشية، ولو فقهوا لعلموا أن الله تعالى أحقّ بالرّهبة منه دونكم.

صفحة رقم 2628

وأسلوب المنافقين واليهود في قتال المؤمنين أنهم لا يواجهون جيش الإسلام مواجهة، ولا يقاتلونهم مجتمعين، وإنما يقاتلونهم من وراء الحصون والقلاع، أو من خلف الأسوار التي يتستّرون بها، لجبنهم ورهبتهم، وحربهم الدائرة بينهم شديدة، تظنهم جميعا متوحّدين، وهم متفرّقون، لما بينهم من أحقاد وعداوات، ولأنهم قوم لا يعقلون الحق وأمر الله. وبأسهم: أحقادهم وأضغانهم.
ولهم أشباه ونظائر، فهؤلاء اليهود والمنافقون أصابهم مثل ما أصاب كفار قريش يوم بدر، في السنة الثانية من الهجرة، ومثل ما أصاب من قبلهم من يهود بني قينقاع الذين أجلاهم النّبي صلّى الله عليه وسلّم من المدينة إلى أذرعات بالشام، بعد سنة ونصف من الهجرة، إنهم ذاقوا في زمان قريب سوء عاقبة كفرهم في الدنيا، ولهم عذاب مؤلم جدّا في الآخرة. ولهم مثل آخر، فإنهم مثل الشيطان الذي سوّل للإنسان الشّر، وأغراه بالكفر وزيّنه له، وحمله عليه، فلما كفر مطاوعة للشيطان، تبرأ الشيطان منه، وقال على وجه التّبري من الإنسان: إني أخاف عذاب الله ربّ العالمين إذا ناصرتك، أي ان مثل هاتين الفرقتين من المنافقين وبني النضير كمثل الشيطان والإنسان، فالمنافقون مثلهم الشيطان، وبنو النضير مثلهم الإنسان.
فكان عاقبة الفريقين: فريق المنافقين واليهود، وعاقبة الشيطان الآمر بالكفر والإنسان المستجيب لوسوسة الشيطان: أنهما صائران إلى نار جهنم، خالدان فيها على الدوام، وذلك الجزاء وهو الخلود في النار هو جزاء الكافرين جميعا.
التذكير بالآخرة
تكرر في القرآن الكريم كثيرا الأمر بتقوى الله التي هي التزام المأمورات، واجتناب المنهيات، وذلك فيما يقارب مائتين وأربعين مرة، إما بالأمر، أو بالخبر،

صفحة رقم 2629
التفسير الوسيط
عرض الكتاب
المؤلف
وهبة بن مصطفى الزحيلي الدمشقي
الناشر
دار الفكر - دمشق
سنة النشر
1422
الطبعة
الأولى
عدد الأجزاء
1
التصنيف
التفسير
اللغة
العربية