آيات من القرآن الكريم

۞ أَلَمْ تَرَ إِلَى الَّذِينَ نَافَقُوا يَقُولُونَ لِإِخْوَانِهِمُ الَّذِينَ كَفَرُوا مِنْ أَهْلِ الْكِتَابِ لَئِنْ أُخْرِجْتُمْ لَنَخْرُجَنَّ مَعَكُمْ وَلَا نُطِيعُ فِيكُمْ أَحَدًا أَبَدًا وَإِنْ قُوتِلْتُمْ لَنَنْصُرَنَّكُمْ وَاللَّهُ يَشْهَدُ إِنَّهُمْ لَكَاذِبُونَ
ﭩﭪﭫﭬﭭﭮﭯﭰﭱﭲﭳﭴﭵﭶﭷﭸﭹﭺﭻﭼﭽﭾﭿﮀﮁﮂﮃﮄﮅ

يخبر تعالى عن المنافقين كعبد الله بن أبيّ وأضرابه، حين بعثوا إلى يهود بن النضير، يعدونهم النصر من أنفسهم، فقال تعالى :﴿ أَلَمْ تَرَ إِلَى الذين نَافَقُواْ يَقُولُونَ لإِخْوَانِهِمُ الذين كَفَرُواْ مِنْ أَهْلِ الكتاب لَئِنْ أُخْرِجْتُمْ لَنَخْرُجَنَّ مَعَكُمْ وَلاَ نُطِيعُ فيكُمْ أَحَداً أَبَداً وَإِن قُوتِلْتُمْ لَنَنصُرَنَّكُمْ ﴾، قال الله تعالى :﴿ والله يَشْهَدُ إِنَّهُمْ لَكَاذِبُونَ ﴾ أي لكاذبون فيما وعدوهم به، ولهذا قال تعالى :﴿ وَلَئِن قُوتِلُواْ لاَ يَنصُرُونَهُمْ ﴾ أي لا يقاتلون معهم، ﴿ وَلَئِن نَّصَرُوهُمْ ﴾ أي قاتلوا معهم ﴿ لَيُوَلُّنَّ الأدبار ثُمَّ لاَ يُنصَرُونَ ﴾، وهذه بشارة مستقلة بنفسها، ثم قال تعالى :﴿ لأَنتُمْ أَشَدُّ رَهْبَةً فِي صُدُورِهِمْ مِّنَ الله ﴾ أي يخافون منكم أكثر من خوفهم من الله، كقوله تعالى :﴿ إِذَا فَرِيقٌ مِّنْهُمْ يَخْشَوْنَ الناس كَخَشْيَةِ الله أَوْ أَشَدَّ خَشْيَةً ﴾ [ النساء : ٧٧ ]، ولهذا قال تعالى :﴿ ذَلِكَ بِأَنَّهُمْ قَوْمٌ لاَّ يَفْقَهُونَ ﴾، ثم قال تعالى :﴿ لاَ يُقَاتِلُونَكُمْ جَمِيعاً إِلاَّ فِي قُرًى مُّحَصَّنَةٍ أَوْ مِن وَرَآءِ جُدُرٍ ﴾ يعني أنهم من جبنهم وهلعهم، لا يقدرون على مواجهة جيش الإسلام، بل إما في حصون أو من وراء جدر محاصرين، فيقاتلون للدفع عنهم ضرورة، ثم قال تعالى :﴿ بَأْسُهُمْ بَيْنَهُمْ شَدِيدٌ ﴾ أي عداوتهم فيما بينهم شديدة كما قال تعالى :﴿ وَيُذِيقَ بَعْضَكُمْ بَأْسَ بَعْضٍ ﴾ [ الأنعام : ٦٥ ]، ولهذا قال تعالى :﴿ تَحْسَبُهُمْ جَمِيعاً وَقُلُوبُهُمْ شتى ﴾ أي تراهم مجتمعين فتحسبهم مؤتلفين، وهم مختلفون غاية الاختلاف، قال إبراهيم النخعي : يعني أهل لكتاب والمنافقين ﴿ ذَلِكَ بِأَنَّهُمْ قَوْمٌ لاَّ يَعْقِلُونَ ﴾، ثم قال تعالى :﴿ كَمَثَلِ الذين مِن قَبْلِهِمْ قَرِيباً ذَاقُواْ وَبَالَ أَمْرِهِمْ وَلَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ ﴾، قال مجاهد والسدي : يعني كمثل ما أصاب كفار قريش يوم بدر، وقال ابن عباس : كمثل الذين من قبلهم يعني يهود بني قينقاع، وهذا القول أشبه بالصواب، فإن يهود بني قينقاع كان رسول الله ﷺ قد أجلاهم قبل هذا.
وقوله تعالى :﴿ كَمَثَلِ الشيطان إِذْ قَالَ لِلإِنسَانِ اكفر فَلَمَّا كَفَرَ قَالَ إِنِّي برياء مِّنكَ ﴾ يعني مثل هؤلاء اليهود في اغترارهم بالذي وعدوهم النصر من المنافقين، كمثل الشيطان إذا سوّل للإنسان الكفر ثم تبرأ منه وتنصل، وقال :﴿ إني أَخَافُ الله رَبَّ العالمين ﴾. روى ابن جرير، عن عبد الله بن مسعود في هذه الآية :﴿ كَمَثَلِ الشيطان إِذْ قَالَ لِلإِنسَانِ اكفر فَلَمَّا كَفَرَ قَالَ إِنِّي برياء مِّنكَ إني أَخَافُ الله رَبَّ العالمين ﴾ قال : كانت امرأت ترعى الغنم، كان لها أربعة أخوة، وكانت تأوي بالليل إلى صومعة راهب، قال : فنزل الراهب ففجر بها، فحملت، فأتاه الشيطان فقال له : اقتلها ثم ادفنها، فإنك رجل مصدق يسمع قولك، فقتلها ثم دفنها قال : فأتى الشيطان إخوتها في المنام فقال هلم : إن الراهب صاحب الصومعة فجر بأُختكم فلما أحبلها قتلها ثم دفنها في مكان كذا وكذا، فلما أصبحوا قال رجل منهم : والله لقد رأيت البارحة رؤيا ما أدري أقصها عليكم أم أترك؟ قالوا : بل قصها علينا، قال، فقصها؛ فقال الآخر : وأنا والله لقد رأيت ذلك، فقال الآخر : وأنا والله قد رأيت ذلك، قالوا : فوالله ما هذا إلا لشيء، قال : فانطلقوا، فاستَعْدُوا ملكهم على ذلك الراهب، فأتوه فأنزلوه، ثم انطلقوا به، فلقيه الشيطان فقال : إني أنا الذي أوقعتك في هذا ولن ينجيك منه غيري، فاسجد لي واحدة وأنجيك مما أوقعتك فيه، قال : فسجد له، فلما أتوا به ملكهم تبرأ منه وأخذ فقتل، واشتهر عند كثير من الناس أن هذا العابد هو ( برصيصا ) فالله أعلم.

صفحة رقم 2526

وقوله تعالى :﴿ فَكَانَ عَاقِبَتَهُمَآ أَنَّهُمَا فِي النار خَالِدِينَ فِيهَا ﴾ أي فكان عاقبة الأمر بالكفر مصيرهما إلى نار جهنم خالدين فيها ﴿ وَذَلِكَ جَزَآءُ الظالمين ﴾ أي جزاء كل ظالم.

صفحة رقم 2527
تيسير العلي القدير لاختصار تفسير ابن كثير
عرض الكتاب
المؤلف
محمد نسيب بن عبد الرزاق بن محيي الدين الرفاعي الحلبي
عدد الأجزاء
1
التصنيف
التفسير
اللغة
العربية