آيات من القرآن الكريم

۞ أَلَمْ تَرَ إِلَى الَّذِينَ نَافَقُوا يَقُولُونَ لِإِخْوَانِهِمُ الَّذِينَ كَفَرُوا مِنْ أَهْلِ الْكِتَابِ لَئِنْ أُخْرِجْتُمْ لَنَخْرُجَنَّ مَعَكُمْ وَلَا نُطِيعُ فِيكُمْ أَحَدًا أَبَدًا وَإِنْ قُوتِلْتُمْ لَنَنْصُرَنَّكُمْ وَاللَّهُ يَشْهَدُ إِنَّهُمْ لَكَاذِبُونَ
ﭩﭪﭫﭬﭭﭮﭯﭰﭱﭲﭳﭴﭵﭶﭷﭸﭹﭺﭻﭼﭽﭾﭿﮀﮁﮂﮃﮄﮅ ﮇﮈﮉﮊﮋﮌﮍﮎﮏﮐﮑﮒﮓﮔﮕﮖ ﮘﮙﮚﮛﮜﮝﮞﮟﮠﮡﮢﮣﮤ ﮦﮧﮨﮩﮪﮫﮬﮭﮮﮯﮰﮱﯓﯔﯕﯖﯗﯘﯙﯚﯛﯜﯝﯞﯟﯠ ﯢﯣﯤﯥﯦﯧﯨﯩﯪﯫﯬﯭ ﯯﯰﯱﯲﯳﯴﯵﯶﯷﯸﯹﯺﯻﯼﯽﯾﯿ ﭑﭒﭓﭔﭕﭖﭗﭘﭙﭚﭛ

مني، فبعث إليه. ثم إن جاره بعثه إلى آخر، فطاف سبعة أبيات، ثم عاد إلى الأول، فنزل وَيُؤْثِرُونَ عَلى أَنْفُسِهِمْ وَلَوْ كانَ بِهِمْ خَصاصَةٌ قال الله تعالى وَمَنْ يُوقَ شُحَّ نَفْسِهِ يعني:
ومن يمنع بخل نَفْسِهِ فَأُولئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ يعني: الناجين. وروى وكيع بإسناده، عن النبيّ صلّى الله عليه وسلم أنه قال «بريء من الشح من أدى الزكاة وأقرى الضيف وأعطى في النائبة».
وقد أثنى الله تعالى على المهاجرين وعلى الأنصار، ثم أثنى على الذين من بعدهم على طريقتهم، فقال: وَالَّذِينَ جاؤُ مِنْ بَعْدِهِمْ يعني: التابعين، ويقال: يعني: الذين هاجروا من بعد الأولين. يَقُولُونَ رَبَّنَا اغْفِرْ لَنا وَلِإِخْوانِنَا الَّذِينَ سَبَقُونا بِالْإِيمانِ يعني: أظهروا الإيمان قبلنا، يعني: المهاجرين والأنصار. وَلا تَجْعَلْ فِي قُلُوبِنا غِلًّا يعني: غشا وحسدا وعداوة لِلَّذِينَ آمَنُوا رَبَّنا إِنَّكَ رَؤُفٌ رَحِيمٌ يعني: رحيم بعبادك المؤمنين.
وفي الآية دليل: أن من ترحم على الصحابة واستغفر لهم، ولم يكن في قلبه غل لهم، فله حظ في المسلمين، وله أجر مثل أجر الصحابة. ومن شتم أو لم يترحم عليهم، أو كان في قلبه غل لهم، ليس له حظ في المسلمين، لأنه ذكر للمهاجرين فيه حظ، ثم ذكر الأنصار، ثم ذكر الذين جاءوا من بعدهم، وقد وصفهم الله بصفة الأولين، إذ دعا لهم وفي الآية دليل: أن الواجب على المؤمنين أن يستغفروا لإخوانهم الماضين، وينبغي للمؤمنين أن يستغفروا لآبائهم ولمعلميهم الذين علموهم أمور الدين. ثم نزل في شأن المنافقين:
[سورة الحشر (٥٩) : الآيات ١١ الى ١٧]
أَلَمْ تَرَ إِلَى الَّذِينَ نافَقُوا يَقُولُونَ لِإِخْوانِهِمُ الَّذِينَ كَفَرُوا مِنْ أَهْلِ الْكِتابِ لَئِنْ أُخْرِجْتُمْ لَنَخْرُجَنَّ مَعَكُمْ وَلا نُطِيعُ فِيكُمْ أَحَداً أَبَداً وَإِنْ قُوتِلْتُمْ لَنَنْصُرَنَّكُمْ وَاللَّهُ يَشْهَدُ إِنَّهُمْ لَكاذِبُونَ (١١) لَئِنْ أُخْرِجُوا لا يَخْرُجُونَ مَعَهُمْ وَلَئِنْ قُوتِلُوا لا يَنْصُرُونَهُمْ وَلَئِنْ نَصَرُوهُمْ لَيُوَلُّنَّ الْأَدْبارَ ثُمَّ لا يُنْصَرُونَ (١٢) لَأَنْتُمْ أَشَدُّ رَهْبَةً فِي صُدُورِهِمْ مِنَ اللَّهِ ذلِكَ بِأَنَّهُمْ قَوْمٌ لا يَفْقَهُونَ (١٣) لاَ يُقاتِلُونَكُمْ جَمِيعاً إِلاَّ فِي قُرىً مُحَصَّنَةٍ أَوْ مِنْ وَراءِ جُدُرٍ بَأْسُهُمْ بَيْنَهُمْ شَدِيدٌ تَحْسَبُهُمْ جَمِيعاً وَقُلُوبُهُمْ شَتَّى ذلِكَ بِأَنَّهُمْ قَوْمٌ لا يَعْقِلُونَ (١٤) كَمَثَلِ الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ قَرِيباً ذاقُوا وَبالَ أَمْرِهِمْ وَلَهُمْ عَذابٌ أَلِيمٌ (١٥)
كَمَثَلِ الشَّيْطانِ إِذْ قالَ لِلْإِنْسانِ اكْفُرْ فَلَمَّا كَفَرَ قالَ إِنِّي بَرِيءٌ مِنْكَ إِنِّي أَخافُ اللَّهَ رَبَّ الْعالَمِينَ (١٦) فَكانَ عاقِبَتَهُما أَنَّهُما فِي النَّارِ خالِدَيْنِ فِيها وَذلِكَ جَزاءُ الظَّالِمِينَ (١٧)

صفحة رقم 429

فقال عز وجل: أَلَمْ تَرَ إِلَى الَّذِينَ نافَقُوا يعني: منافقي المدينة. يَقُولُونَ لِإِخْوانِهِمُ الَّذِينَ كَفَرُوا مِنْ أَهْلِ الْكِتابِ يعني: من بني النضير. لَئِنْ أُخْرِجْتُمْ لَنَخْرُجَنَّ مَعَكُمْ وَلا نُطِيعُ فِيكُمْ أَحَداً أَبَداً يعني: ولا نطيع محمدا صلّى الله عليه وسلم في خذلانكم. وَإِنْ قُوتِلْتُمْ لَنَنْصُرَنَّكُمْ يعني:
لنعينكم. وَاللَّهُ يَشْهَدُ إِنَّهُمْ لَكاذِبُونَ في مقالتهم، وإنما قالوا ذلك بلسانهم في غير حقيقة قلوبهم، فقال الله تعالى: لَئِنْ أُخْرِجُوا لا يَخْرُجُونَ مَعَهُمْ يعني: لئن أخرج بنو النضير، لا يخرج المنافقين معهم. وَلَئِنْ قُوتِلُوا لا يَنْصُرُونَهُمْ يعني: لا يمنعونهم من ذلك. وَلَئِنْ نَصَرُوهُمْ لَيُوَلُّنَّ الْأَدْبارَ يعني: ولو أعانوهم لا يثبتون على ذلك وَلَئِنْ نَصَرُوهُمْ لَيُوَلُّنَّ الْأَدْبارَ يعني: رجعوا منهزمين. ثُمَّ لاَ يُنْصَرُونَ، ثم لا يثبتون يعني: لا يُمْنَعون من الهزيمة.
ثم قال عز وجل: لَأَنْتُمْ أَشَدُّ رَهْبَةً يعني: أنتم يا معشر المسلمين أشد رهبة فِي صُدُورِهِمْ مِنَ اللَّهِ، يعني: خوفهم منكم أشد مِنْ عَذَابِ الله في الآخرة. ذلِكَ بِأَنَّهُمْ قَوْمٌ لا يَفْقَهُونَ، يعني: لا يعقلون أمر الله تعالى.
ثم أخبر عن ضعف اليهود في الحرب، فقال عز وجل: لا يُقاتِلُونَكُمْ جَمِيعاً، يعني:
لا يخرجون إلى الصحراء لقتالكم. إِلَّا فِي قُرىً مُحَصَّنَةٍ، يعني: حصينة أَوْ مِنْ وَراءِ جُدُرٍ، يعني: يقاتلونكم من وراء جدر، فحذف الألف وهو جمع الجدار. قرأ ابن كثير وأبو عمرو من وراء جدار بالألف، والباقون جُدُرٍ بحذف الألف وهو جماعة وممن قرأ جدار، فهو واحد يريد به الجمع. ثم قال: بَأْسُهُمْ بَيْنَهُمْ شَدِيدٌ، يعني: قتالهم فيما بينهم إذا اقتتلوا شديد، وأما مع المؤمنين فلا. ثم قال تَحْسَبُهُمْ جَمِيعاً، يعني: تظن أن المنافقين واليهود على أمر واحد وكلمتهم واحدة. وَقُلُوبُهُمْ شَتَّى، يعني: قلوب اليهود مختلفة ولم يكونوا على كلمة واحدة. ذلِكَ بِأَنَّهُمْ يعني: ذلك الاختلاف بِأَنَّهُمْ قَوْمٌ لاَّ يَعْقِلُونَ يعني:
لا يعقلون أمر الله تعالى.
ثم ضرب لهم مثلا، فقال عز وجل: كَمَثَلِ الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ يعني: مثل بني النضير مثل الذين من قبلهم، يعني: أهل بدر. قَرِيباً يعني: كان قتال بدر قبل ذلك بقريب، وهو مقدار سنتين أو نحو ذلك قريبا. ذاقُوا وَبالَ أَمْرِهِمْ يعني: عقوبة ذنبهم وَلَهُمْ عَذابٌ أَلِيمٌ يعني: عذابا شديدا في الآخرة ثم ضرب لهم مثلا آخر في الآخرة، وهو مثل المنافقين مع اليهود حين خذلوهم ولم يعينوهم. كَمَثَلِ الشَّيْطانِ إِذْ قالَ لِلْإِنْسانِ اكْفُرْ يعني: برصيصا الراهب.
وروى عدي بن ثابت، عن ابن عباس- رضي الله عنهما- قال: كان في بني إسرائيل راهب عبد الله تعالى زمانا من الدهر، حتى كان يؤتى بالمجانين فيعودهم ويداويهم، فيبرءون

صفحة رقم 430
بحر العلوم
عرض الكتاب
المؤلف
أبو الليث نصر بن محمد بن أحمد بن إبراهيم السمرقندي
عدد الأجزاء
1
التصنيف
التفسير
اللغة
العربية