آيات من القرآن الكريم

۞ أَلَمْ تَرَ إِلَى الَّذِينَ نَافَقُوا يَقُولُونَ لِإِخْوَانِهِمُ الَّذِينَ كَفَرُوا مِنْ أَهْلِ الْكِتَابِ لَئِنْ أُخْرِجْتُمْ لَنَخْرُجَنَّ مَعَكُمْ وَلَا نُطِيعُ فِيكُمْ أَحَدًا أَبَدًا وَإِنْ قُوتِلْتُمْ لَنَنْصُرَنَّكُمْ وَاللَّهُ يَشْهَدُ إِنَّهُمْ لَكَاذِبُونَ
ﭩﭪﭫﭬﭭﭮﭯﭰﭱﭲﭳﭴﭵﭶﭷﭸﭹﭺﭻﭼﭽﭾﭿﮀﮁﮂﮃﮄﮅ ﮇﮈﮉﮊﮋﮌﮍﮎﮏﮐﮑﮒﮓﮔﮕﮖ ﮘﮙﮚﮛﮜﮝﮞﮟﮠﮡﮢﮣﮤ ﮦﮧﮨﮩﮪﮫﮬﮭﮮﮯﮰﮱﯓﯔﯕﯖﯗﯘﯙﯚﯛﯜﯝﯞﯟﯠ ﯢﯣﯤﯥﯦﯧﯨﯩﯪﯫﯬﯭ ﯯﯰﯱﯲﯳﯴﯵﯶﯷﯸﯹﯺﯻﯼﯽﯾﯿ ﭑﭒﭓﭔﭕﭖﭗﭘﭙﭚﭛ

وفى الآية إيماء إلى وجوب محبة من تقدمهم من المؤمنين ومراعاة حقوقهم لإخوّتهم فى الدين والسبق بالإيمان.
(رَبَّنا إِنَّكَ رَؤُفٌ رَحِيمٌ) أي ربنا إنك عظيم الرأفة بعبادك، كثير الرحمة لهم، فأجب دعاءنا.
وفى الآية حثّ على الدعاء للصحابة، وصفاء القلوب من بغض أحد منهم.
وعن ابن عمر أنه سمع رجلا وهو يتناول بعض المهاجرين فقرأ عليه: «لِلْفُقَراءِ الْمُهاجِرِينَ» ثم قال: هؤلاء المهاجرون، أفمنهم أنت؟ قال لا، ثم قرأ عليه «وَالَّذِينَ تَبَوَّؤُا الدَّارَ وَالْإِيمانَ مِنْ قَبْلِهِمْ» الآية، ثم قال هؤلاء الأنصار فأنت منهم؟
قال لا، ثم قرأ عليه: «وَالَّذِينَ جاؤُ مِنْ بَعْدِهِمْ» الآية، ثم قال: أفمن هؤلاء أنت؟ قال أرجو، قال: ليس من هؤلاء من سبّ هؤلاء.
[سورة الحشر (٥٩) : الآيات ١١ الى ١٧]
أَلَمْ تَرَ إِلَى الَّذِينَ نافَقُوا يَقُولُونَ لِإِخْوانِهِمُ الَّذِينَ كَفَرُوا مِنْ أَهْلِ الْكِتابِ لَئِنْ أُخْرِجْتُمْ لَنَخْرُجَنَّ مَعَكُمْ وَلا نُطِيعُ فِيكُمْ أَحَداً أَبَداً وَإِنْ قُوتِلْتُمْ لَنَنْصُرَنَّكُمْ وَاللَّهُ يَشْهَدُ إِنَّهُمْ لَكاذِبُونَ (١١) لَئِنْ أُخْرِجُوا لا يَخْرُجُونَ مَعَهُمْ وَلَئِنْ قُوتِلُوا لا يَنْصُرُونَهُمْ وَلَئِنْ نَصَرُوهُمْ لَيُوَلُّنَّ الْأَدْبارَ ثُمَّ لا يُنْصَرُونَ (١٢) لَأَنْتُمْ أَشَدُّ رَهْبَةً فِي صُدُورِهِمْ مِنَ اللَّهِ ذلِكَ بِأَنَّهُمْ قَوْمٌ لا يَفْقَهُونَ (١٣) لا يُقاتِلُونَكُمْ جَمِيعاً إِلاَّ فِي قُرىً مُحَصَّنَةٍ أَوْ مِنْ وَراءِ جُدُرٍ بَأْسُهُمْ بَيْنَهُمْ شَدِيدٌ تَحْسَبُهُمْ جَمِيعاً وَقُلُوبُهُمْ شَتَّى ذلِكَ بِأَنَّهُمْ قَوْمٌ لا يَعْقِلُونَ (١٤) كَمَثَلِ الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ قَرِيباً ذاقُوا وَبالَ أَمْرِهِمْ وَلَهُمْ عَذابٌ أَلِيمٌ (١٥)
كَمَثَلِ الشَّيْطانِ إِذْ قالَ لِلْإِنْسانِ اكْفُرْ فَلَمَّا كَفَرَ قالَ إِنِّي بَرِيءٌ مِنْكَ إِنِّي أَخافُ اللَّهَ رَبَّ الْعالَمِينَ (١٦) فَكانَ عاقِبَتَهُما أَنَّهُما فِي النَّارِ خالِدَيْنِ فِيها وَذلِكَ جَزاءُ الظَّالِمِينَ (١٧)

صفحة رقم 46

شرح المفردات
نافقوا: أي أظهروا غير ما أضمروا، وبالغوا فى إخفاء عقائدهم، والإخوان:
الأصدقاء واحدهم أخ، والأخ من النسب جمعه إخوة، لننصرنكم: أي لنعاوننكم، ليولنّ الأدبار: أي ليفرّن هار بين، أشد رهبة فى صدورهم من الله: أي إنهم يخافونكم فى صدورهم أشد من خوفهم لله، لا يفقهون: أي لا يعلمون عظمته تعالى حتى يخشوه حق خشيته، جميعا: أي مجتمعين، محصنة: أي بالدروب والخنادق وغيرها، جدر:
أي حيطان واحدها جدار، بأسهم: أي حربهم، وشتى: أي متفرقة، واحدها شتيت، وبال أمرهم: أي سوء عاقبتهم، من قولهم: كلأ وبيل: أي وخيم سيىء العاقبة.
المعنى الجملي
بعد أن ذكر سبحانه ما حدث لبنى النضير من الاستسلام خوفا ورهبة، لما قذفه فى قلوبهم من الرعب، ثم ذكر مصارف الفيء التي تقدمت- أردفه بذكر ما حصل من مناصحة المنافقين عبد الله بن أبىّ ابن سلول ورفقته لأولئك اليهود، وتشجيعهم لهم على الدفاع عن ديارهم ومحاربتهم رسول الله ﷺ بما قصه الله علينا وفصّله أتمّ تفصيل، ليكون فى ذلك عبرة لنا وإنا لنشاهد كل يوم أن الناس يضل بعضهم بعضا ويغوونهم ثم يتركونهم فى حيرة من أمرهم لا يجدون لهم مخلصا مما وقعوا فيه.
أخرج ابن إسحق وابن المنذر وأبو نعيم عن ابن عباس: أنها نزلت فى رهط من

صفحة رقم 47

بنى عوف، منهم عبد الله بن أبىّ ابن سلول، ووديعة بن مالك، وسويد وداعس بعثوا إلى بنى النضير بما قصه الله علينا فى كتابه.
الإيضاح
(أَلَمْ تَرَ إِلَى الَّذِينَ نافَقُوا يَقُولُونَ لِإِخْوانِهِمُ الَّذِينَ كَفَرُوا مِنْ أَهْلِ الْكِتابِ لَئِنْ أُخْرِجْتُمْ لَنَخْرُجَنَّ مَعَكُمْ وَلا نُطِيعُ فِيكُمْ أَحَداً أَبَداً). تقدم أن قلنا فى غير موضع إن مثل هذا الأسلوب (أَلَمْ تَرَ) يراد به التعجيب من حال المحدّث عنه، وأن أمره غاية فى الغرابة، وموضع للدهشة والحيرة.
فهؤلاء قوم من منافقى المدينة لهم أقوال تخالف ما يبطنون، منهم عبد الله بن أبىّ وشيعته رأوا رسول الله ﷺ شرع يحاصر بنى النضير ويقاتلهم، فأرسلوا إليهم يقولون لهم: إنا قادمون لمساعدتكم بخيلنا ورجلنا، ولا نسلمكم لمحمد أبدا فجدّوا فى قتالهم، ولا تهنوا فى الدفاع عن دياركم وأموالكم، حتى إذا اشتد الحصار، وأوغل المسلمون فى الدخول فى ديارهم، وتحريق نخيلهم، وهدم بيوتهم رأى بنو النضير أن تلك الوعود كسراب بقيعة يحسبه الظمآن ماء حتى إذا جاءه لم يجده شيئا، وأنهم بين أمرين:
(١) الاستسلام وقبول حكم محمد عليهم.
(٢) إفناؤهم وتخريب ديارهم.
وقد أدخل الله الرعب فى قلوبهم، فاختاروا الدنيّة، وقبلوا الجلاء عن الديار واستبان لهم أن المنافقين كانوا كاذبين لا عهود لهم ولا وعود، كما هو دأبهم فى كل زمان ومكان.
وبعد أن كذبهم على سبيل الإجمال كذبهم تفصيلا ليزيد تعجيب المخاطب حالهم، وليبين له مبلغ خبث طويّتهم، وشدة جبنهم، وفزعهم من القتال، وأن هذه الوعود أقوال كاذبة لا كتها ألسنتهم وقلوبهم منها براء فقال:

صفحة رقم 48

(لَئِنْ أُخْرِجُوا لا يَخْرُجُونَ مَعَهُمْ، وَلَئِنْ قُوتِلُوا لا يَنْصُرُونَهُمْ وَلَئِنْ نَصَرُوهُمْ لَيُوَلُّنَّ الْأَدْبارَ ثُمَّ لا يُنْصَرُونَ) أي لئن أخرج بنو النضير من ديارهم فأجلوا عنها لا يخرج معهم المنافقون الذين وعدوهم بالخروج من ديارهم، ولئن قاتلهم محمد ﷺ لا ينصرونهم، ولئن نصروهم ليولّن الأدبار منهزمين عن محمد وأصحابه، هاربين منهم خاذلين لهم، ثم لا ينصر الله بنى النضير.
وهذا إخبار بالغيب، ودليل من دلائل النبوة، ووجه من وجوه الإعجاز، فإنه قد كان الأمر كما أخبر الله قبل وقوعه.
والخلاصة- إن بنى النضير أخرجوا فلم يخرج معهم المنافقون، وقوتلوا فما نصروهم، ولو كانوا قد نصروهم لتركوا النصرة وانهزموا وتركوا أولئك اليهود فى أيدى الأعداء.
ثم ذكر السبب فى عدم نصرتهم لليهود والدخول مع المؤمنين فى قتال فقال:
(لَأَنْتُمْ أَشَدُّ رَهْبَةً فِي صُدُورِهِمْ مِنَ اللَّهِ) أي إنهم يخافونكم أشد مما يخافون الله، ومن ثمّ لم يجرءوا على الدخول معكم فى قتال، وأسلموا اليهود يحكم عليهم الرسول بما يشاء.
ثم ذكر سبب الرهبة لهم من دون الله فقال:
(ذلِكَ بِأَنَّهُمْ قَوْمٌ لا يَفْقَهُونَ) أي وكانت هذه الرهبة لكم فى صدورهم أشد من رهبتهم لله من أجل أنهم لا يفقهون قدر عظمته تعالى، فهم لذلك يستخفّون بمعاصيه ولا يرهبون عقابه قدر رهبتهم لكم.
ونحو الآية قوله: «إِذا فَرِيقٌ مِنْهُمْ يَخْشَوْنَ النَّاسَ كَخَشْيَةِ اللَّهِ أَوْ أَشَدَّ خَشْيَةً».
ثم أكد جبن اليهود والمنافقين وشديد خوفهم منهم فقال:
(لا يُقاتِلُونَكُمْ جَمِيعاً إِلَّا فِي قُرىً مُحَصَّنَةٍ أَوْ مِنْ وَراءِ جُدُرٍ) أي إن هؤلاء اليهود

صفحة رقم 49

والمنافقين قد ألقى الرعب فى قلوبهم، فلا يواجهونكم بقتال مجتمعين، لأن الخوف والهلع بلغا منهم كل مبلغ، بل يقاتلونكم فى قرى محصنة بالدروب والخنادق ونحوها، ومن وراء الجدر والحيطان وهم محاصرون.
ثم بين أن من أسباب هذا الجبن والخوف- التخاذل وعدم الاتحاد حين اشتداد الخطوب فقال:
(بَأْسُهُمْ بَيْنَهُمْ شَدِيدٌ) أي بعضهم عدوّ لبعض، فلا يمكن أن يقاتلوا عدوا لهم وهم فى تخاذل وانحلال، ومن ثم استكانوا وذلوا.
وفى هذا عبرة للمسلمين فى كل زمان ومكان، فإن الدول الإسلامية ما هدّ كيانها، وأضعفها أمام أعدائها إلا تخاذلها أفرادا وجماعات، وانفراط عقد وحدتها، ومن ثم طمع الأعداء فى بلادهم ودخلوها فاتحين وأذاقوا أهلها كؤوس الذل والهوان وفرّقوهم شذر مذر، وجعلوهم عبيدا أذلاء فى بلادهم والتهموا ثرواتهم، ولم يبقوا لهم إلا النّفاية وفتات الموائد. ولله الأمر من قبل ومن بعد، وعسى الله أن يأتى بالفتح أو نصر من عنده، فيستيقظ المسلمون من سباتهم، ويثوبوا إلى رشدهم، فيستعيدوا سابق مجدهم، وتدول الدولة لهم:

فيوما لنا ويوما علينا ويوما نساء ويوما نسرّ
ثم زاد ما سلف توكيدا فقال:
(تَحْسَبُهُمْ جَمِيعاً وَقُلُوبُهُمْ شَتَّى) أي إنك أيها الرسول إذا رأيتهم مجتمعين خلتهم متفقين وهم مختلفون غاية الاختلاف، لما بينهم من إحن وعداوات، فهم لا يتعاضدون ولا يتساندون ولا يرمون عن قوس واحدة.
وفى هذا تشجيع للمؤمنين على قتالهم، وحثّ للعزائم الصادقة على حربهم، فإن المقاتل متى عرف ضعف خصمه ازداد نشاطا وازدادت حميّته وكان ذلك من أسباب نصرته عليه.

صفحة رقم 50

ثم بين أسباب النفرة وانحلال الوحدة فقال:
(ذلِكَ بِأَنَّهُمْ قَوْمٌ لا يَعْقِلُونَ) أي ذلك التفرق من جراء أن أفئدتهم هواء، فهم قوم لا يفقهون سر نظم هذه الحياة، ولا يعلمون أن الوحدة هى سر النجاح، ومن ثم تخاذلوا وتفرقت كلمتهم، واختلف جمعهم، واستهان بهم عدوهم، ودارت عليهم الدائرة.
ثم أرشد إلى أن هؤلاء ليسوا ببدع فى الكافرين، بل قد سبقهم غيرهم ممن كان حقه أن يكون عبرة لهم فقال:
(كَمَثَلِ الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ قَرِيباً ذاقُوا وَبالَ أَمْرِهِمْ) أي مثل بنى النضير مثل اليهود من بنى قينقاع الذين كانوا حول المدينة وغزاهم النبي ﷺ يوم السبت فى شوال على رأس عشرين شهرا من الهجرة وأجلاهم إلى أذرعات بالشام، وذاقوا سوء عاقبة كفرهم إثر عصيانهم قبل وقعة بنى النضير التي كانت سنة أربع للهجرة.
والخلاصة- إنهم قد كانت لهم أسوة ببني قينقاع، فجروحهم لا تزال دامية، وآثار خذلانهم لا تزال بادية للعيان، وقد كان من حق ذلك أن يكون عبرة ماثلة لهم ولكنهم قوم لا يفقهون ولا يعتبرون بالمثلات التي يرونها رأى العين.
(وَلَهُمْ عَذابٌ أَلِيمٌ) لا يقادر قدره، ولا يعرف كنهه سوى علام الغيوب.
ثم ضرب لليهود والمنافقين مثلا آخر أشد نكالا وأوجع إيلاما فقال:
(كَمَثَلِ الشَّيْطانِ إِذْ قالَ لِلْإِنْسانِ اكْفُرْ فَلَمَّا كَفَرَ قالَ إِنِّي بَرِيءٌ مِنْكَ إِنِّي أَخافُ اللَّهَ رَبَّ الْعالَمِينَ) أي مثل هؤلاء المنافقين الذين وعدوا اليهود من بنى النضير النصرة إن قوتلوا، أو الخروج معهم إن أخرجوا، ومثل بنى النضير فى غرورهم بوعودهم وإسلامهم إياهم فى أشد حاجتهم إليهم وإلى نصرتهم- كمثل الشيطان الذي غرّ إنسانا ووعده النصرة عند الحاجة إليه إذا هو كفر بالله واتبعه وأطاعه، فلما احتاج إلى نصرته أسلمه وتبرأ منه وقال: إنى أخاف الله رب العالمين إذا أنا نصرتك، لئلا يشركنى معك فى العذاب.

صفحة رقم 51
تفسير المراغي
عرض الكتاب
المؤلف
أحمد بن مصطفى المراغي
الناشر
شركة مكتبة ومطبعة مصطفى البابى الحلبي وأولاده بمصر
الطبعة
الأولى، 1365 ه - 1946 م
عدد الأجزاء
30
التصنيف
التفسير
اللغة
العربية