٥- لن تفيدهم أموالهم ولا أولادهم من عذاب الله شيئا.
٦- لهم عذاب مهين يوم بعثهم من قبورهم وحشرهم يوم القيامة.
٧- إنهم يغالطون باليمين مغالطة ظاهرة، ظانين أن الأيمان الكاذبة تنفعهم في الآخرة كما تنفعهم في الدنيا، وهم يحسبون أنهم على شيء من النفع بإنكارهم وحلفهم، وهم في الواقع كاذبون، والمراد: أنهم كما عاشوا على النفاق والحلف الكاذب يموتون ويبعثون على ذلك الوصف.
٨- لقد غلب الشيطان عليهم بوسوسته في الدنيا، مما أدى بهم إلى ترك أوامر الله والعمل بطاعته، وهم رهط الشيطان وطائفته، وحزب الشيطان هم الخاسرون في بيعتهم، لأنهم باعوا الجنة بجهنم، وباعوا الهدى بالضلالة.
جزاء المعادين لله تعالى والرسول ﷺ والوعد بنصر المؤمنين وتحريم موالاة الأعداء
[سورة المجادلة (٥٨) : الآيات ٢٠ الى ٢٢]
إِنَّ الَّذِينَ يُحَادُّونَ اللَّهَ وَرَسُولَهُ أُولئِكَ فِي الْأَذَلِّينَ (٢٠) كَتَبَ اللَّهُ لَأَغْلِبَنَّ أَنَا وَرُسُلِي إِنَّ اللَّهَ قَوِيٌّ عَزِيزٌ (٢١) لا تَجِدُ قَوْماً يُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ يُوادُّونَ مَنْ حَادَّ اللَّهَ وَرَسُولَهُ وَلَوْ كانُوا آباءَهُمْ أَوْ أَبْناءَهُمْ أَوْ إِخْوانَهُمْ أَوْ عَشِيرَتَهُمْ أُولئِكَ كَتَبَ فِي قُلُوبِهِمُ الْإِيمانَ وَأَيَّدَهُمْ بِرُوحٍ مِنْهُ وَيُدْخِلُهُمْ جَنَّاتٍ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الْأَنْهارُ خالِدِينَ فِيها رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ وَرَضُوا عَنْهُ أُولئِكَ حِزْبُ اللَّهِ أَلا إِنَّ حِزْبَ اللَّهِ هُمُ الْمُفْلِحُونَ (٢٢)
الإعراب:
كَتَبَ اللَّهُ لَأَغْلِبَنَّ.. كَتَبَ: أجري مجرى القسم، لذا أجيب بجواب القسم في قوله: لَأَغْلِبَنَّ. وَرُسُلِي: في موضع رفع بالعطف على الضمير في لَأَغْلِبَنَّ. وإنما جاز العطف على الضمير المرفوع المستتر لتأكيده بقوله: أَنَا. وإذا أكد الضمير المنفصل أو المستتر، جاز العطف عليه.
فِي الْأَذَلِّينَ هي أفعل التفضيل.
البلاغة:
وَأَيَّدَهُمْ بِرُوحٍ مِنْهُ مجاز مرسل، لأنه سبب للحياة الطيبة الأبدية.
المفردات اللغوية:
يُحَادُّونَ يعادون ويخالفون ويشاقون، فهم في حد، والشرع والهدى في حد. فِي الْأَذَلِّينَ في جملة المغلوبين أذل خلق الله. كَتَبَ اللَّهُ قضى وحكم. لَأَغْلِبَنَّ بالحجة والقوة. لا تَجِدُ قَوْماً يُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ يُوادُّونَ مَنْ حَادَّ اللَّهَ وَرَسُولَهُ يُوادُّونَ يصادقون، أي لا ينبغي أن تجدهم وادّين أعداء الله، والمراد: أنه لا ينبغي لهم أن يوادّوهم.
وَلَوْ كانُوا آباءَهُمْ أَوْ أَبْناءَهُمْ أَوْ إِخْوانَهُمْ أَوْ عَشِيرَتَهُمْ ولو كان المحادّون أقرب الناس إليهم.
أُولئِكَ أي الذين لم يوادّوهم. كَتَبَ فِي قُلُوبِهِمُ الْإِيمانَ أثبت الإيمان في قلوبهم، وهو دليل على خروج العمل من مفهوم الإيمان، لأن أعمال الأعضاء لا تثبت في القلب.
وَأَيَّدَهُمْ قواهم. بِرُوحٍ مِنْهُ أي بنور من عند الله يقذفه في القلوب، لتطمئن وتسكن. رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ بطاعته. وَرَضُوا عَنْهُ بثوابه الذي وعدهم به. أُولئِكَ حِزْبُ اللَّهِ جنده وأنصار دينه، يتبعون أمره ويجتنبون نهيه. هُمُ الْمُفْلِحُونَ الفائزون بخير الدارين.
سبب النزول:
نزول الآية (٢١) :
كَتَبَ اللَّهُ لَأَغْلِبَنَّ.. قال مقاتل: لما فتح الله مكة للمؤمنين والطائف وخيبر وما حولها، قالوا: نرجو أن يظهرنا الله على فارس والروم، فقال عبد الله بن أبي: أتظنون الروم وفارس كبعض القرى التي غلبتم عليها، والله إنهم
لأكثر عددا وأشد بطشا من أن تظنوا فيهم ذلك؟ فنزلت: كَتَبَ اللَّهُ لَأَغْلِبَنَّ أَنَا وَرُسُلِي.
نزول الآية (٢٢) :
لا تَجِدُ قَوْماً: أخرج ابن أبي حاتم والطبراني وأبو نعيم في الحلية والبيهقي في سننه عن ابن عباس عن عبد الله بن شوذب قال: نزلت هذه الآية في أبي عبيدة بن الجراح حين قتل أباه يوم بدر: لا تَجِدُ قَوْماً يُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ يُوادُّونَ مَنْ حَادَّ اللَّهَ الآية.
وأخرجه الطبراني والحاكم في المستدرك بلفظ: جعل والد أبي عبيدة بن الجراح يتصدى لأبي عبيدة يوم بدر، وجعل أبو عبيدة يحيد عنه، فلما أكثر، قصده أبو عبيدة، فقتله، فنزلت.
وأخرج ابن المنذر عن ابن جريج قال: حدّثت أن أبا قحافة سبّ النّبي صلى الله عليه وسلم، فقال: فصكّه أبو بكر صكّة، فسقط، فذكر ذلك للنّبي صلى الله عليه وسلم، فقال: أفعلت يا أبا بكر؟ فقال: والله لو كان السيف قريبا مني لضربته به:
لا تَجِدُ قَوْماً.. الآية.
وقال الرازي: إن الأكثرين اتفقوا على أن قوله تعالى: لا تَجِدُ قَوْماً... نزلت في حاطب بن أبي بلتعة وإخباره أهل مكة بمسير النّبي ﷺ إليهم، لما أراد فتح مكة.
المناسبة:
بعد بيان سوء حال المنافقين في الآخرة وخسارتهم الكبرى، أبان الله تعالى سبب خسارتهم وهو مشاقّة الله تعالى ورسوله ﷺ ومخالفة أوامرهما، ثم أخبر عن قضائه المبرم في نصر الرسل وهزيمة أعدائهم، ثم ذكر أن الإيمان لا يجتمع مع وداد أعداء الله وموالاتهم، لأن من أحبّ أحدا، امتنع أن يحب مع ذلك عدوه.
التفسير والبيان:
إِنَّ الَّذِينَ يُحَادُّونَ اللَّهَ وَرَسُولَهُ، أُولئِكَ فِي الْأَذَلِّينَ أي إن الكفار المعاندين المخالفين أوامر الله ونواهيه، والذين يجانبون الحق ويعادون الإسلام، فيجعلون أنفسهم في حد، وشرع الله ورسوله في حد آخر، هم في جملة المغلوبين وفي جملة من هم أذلّ خلق الله تعالى، لا ترى أحدا أذلّ منهم، سواء في الدنيا بالقتل والأسر والطرد من الديار، كما حصل للمشركين واليهود، وفي الآخرة بالخزي والنكال والعذاب، كما قال تعالى: رَبَّنا إِنَّكَ مَنْ تُدْخِلِ النَّارَ فَقَدْ أَخْزَيْتَهُ، وَما لِلظَّالِمِينَ مِنْ أَنْصارٍ [آل عمران ٣/ ١٩٢]. وهذا إنذار بهزيمة أعداء الله، والآية جملة استئنافية لتعليل خسرانهم.
كَتَبَ اللَّهُ لَأَغْلِبَنَّ أَنَا وَرُسُلِي، إِنَّ اللَّهَ قَوِيٌّ عَزِيزٌ أي حكم الله وقضى في سابق علمه الأزلي أن الله ورسله هم الغالبون بالحجة والسيف ونحوهما، إن الله قوي على نصر رسله، غالب لأعدائه، وهذا- كما قال ابن كثير- قدر محكم، وأمر مبرم أن العاقبة والنصرة للمؤمنين في الدنيا والآخرة. وهذا بشارة بنصر المؤمنين على الكافرين، وقد تحقق ذلك مرارا، فنصر رسله الكرام على أقوامهم، كقوم نوح وهود وصالح ولوط وغيرهم ممن مضى، ونصر رسوله محمد ﷺ ومن آمن معه على المشركين في الجزيرة العربية، وعلى دولتي الروم والفرس.
ونظير الآية قوله تعالى: وَلَقَدْ سَبَقَتْ كَلِمَتُنا لِعِبادِنَا الْمُرْسَلِينَ، إِنَّهُمْ لَهُمُ الْمَنْصُورُونَ، وَإِنَّ جُنْدَنا لَهُمُ الْغالِبُونَ [٣٧/ ١٧١- ١٧٣].
ثم بيّن الله تعالى شأن المؤمنين في أنهم لا يوادون أعداء الله، فقال:
لا تَجِدُ قَوْماً يُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ، يُوادُّونَ مَنْ حَادَّ اللَّهَ وَرَسُولَهُ، وَلَوْ كانُوا آباءَهُمْ أَوْ أَبْناءَهُمْ أَوْ إِخْوانَهُمْ أَوْ عَشِيرَتَهُمْ أي لا ينبغي للمؤمنين بالله واليوم الآخر أن يحبوا ويصادقوا ويوالوا من عادى الله تعالى ورسوله صلى الله عليه وسلم
وشاقهما، ولو كان المحادّون المعادون لله تعالى ورسوله ﷺ أقرب الناس إليهم، كالآباء الذين يجب برّهم وطاعتهم، والأبناء فلذات الأكباد، والإخوان الناصرين لهم، والعشيرة أو القبيلة التي ينتمون إليها ويتآزرون بها.
أخرج الترمذي والحاكم والطبراني مرفوعا: «يقول الله تبارك وتعالى:
وعزتي لا ينال رحمتي من لم يوال أوليائي، ويعاد أعدائي».
وأخرج أحمد وغيره عن البراء بن عازب مرفوعا: «أوثق الإيمان: الحب في الله، والبغض في الله».
وأخرج الديلمي من طريق الحسن عن معاذ قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «اللهم لا تجعل لفاجر- وفي رواية: ولا لفاسق- علي يدا ولا نعمة، فيودّه قلبي، فإني وجدت فيما أوحيت إلي: لا تَجِدُ قَوْماً يُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ يُوادُّونَ مَنْ حَادَّ اللَّهَ وَرَسُولَهُ».
ثم بيّن الله تعالى سبب الامتناع من موادّة الأعداء وجزاء الممتنعين، فقال:
أُولئِكَ كَتَبَ فِي قُلُوبِهِمُ الْإِيمانَ، وَأَيَّدَهُمْ بِرُوحٍ مِنْهُ، وَيُدْخِلُهُمْ جَنَّاتٍ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الْأَنْهارُ، خالِدِينَ فِيها، رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ وَرَضُوا عَنْهُ أي أولئك الذين لا يوادّون من حادّ الله تعالى ورسوله ﷺ أثبت الله الإيمان الصحيح في قلوبهم، وقواهم بنصر منه على عدوهم في الدنيا، وسمي نصره لهم روحا، لأن به يحيا أمرهم، ويدخلهم الجنان التي تجري الأنهار من تحت قصورها وأشجارها، ماكثين فيها على الأبد، وقد قبل أعمالهم، وأفاض عليهم آثار رحمته العاجلة والآجلة، وفرحوا بما أعطاهم عاجلا وآجلا.
أُولئِكَ حِزْبُ اللَّهِ، أَلا إِنَّ حِزْبَ اللَّهِ هُمُ الْمُفْلِحُونَ أي أولئك أنصار الله وجنده الذين يمتثلون أوامره، ويقاتلون أعداءه، وينصرون أولياءه، ألا إن هؤلاء الأنصار هم الفائزون بسعادة الدنيا والآخرة.
فقه الحياة أو الأحكام:
دلت الآيات على ما يأتي من الموضوعات الأربعة:
١- إن الكفار المعاندين الذين يشاقون الله تعالى ورسوله صلى الله عليه وسلم، ويعادون شرع ربهم، وسنة رسولهم، من جملة الأذلّاء، فلا أذلّ منهم.
٢- قضى الله وحكم في اللوح المحفوظ أنه سيغلب أعداءه بالحجة والسيف ونحوهما، فمن تهيأ للحرب غلب بالحرب، ومن استعد للحجة والبيان غلب بالحجة.
٣- لا يجتمع الإيمان الحق مع وداد أعداء الله، لأن من أحب أحدا، امتنع أن يحب مع ذلك عدوه، حتى ولو كان الأعداء من الأقربين، ومن أنعم الله عليه بنعمة الإيمان العظمى، كيف يمكن أن يحصل في قلبه مودة أعداء الله؟! ٤- وصف الله تعالى هؤلاء المؤمنين المجتنبين مصادقة الأعداء بأن الله غرس الإيمان في قلوبهم، وأيدهم بنصر من عنده، ثم بيّن جزاءهم الأخروي وهو دخول الجنان مع الخلود فيها، والحظوة برضوان الله وثوابه، والفرح بما أمدهم الله به من النعم في الدنيا والآخرة من نصر ورزق وخير، ونور وإيمان وبرهان وهدى، وجنان، ثم وصفهم الله بأنهم حزب الله الغالب، وحزب الله هم المفلحون الفائزون، وهذا المعنى الأخير بيان لاختصاص هؤلاء بسعادة الدنيا والآخرة.
والخلاصة: ذكر الله أربع نعم على من ترك موادة الأعداء وهي:
أولا- إثبات الإيمان في قلوبهم.
ثانيا- تأييدهم بروح من عند الله، أي بنصرهم على عدوهم، وبروح من الإيمان.
ثالثا- إدخالهم جنات تجري من تحتها الأنهار، خالدين فيها.
رابعا- ينعمون بنعمة الرضوان، ويفرحون بما أعطاهم الله تعالى.
وذكر الله تعالى أيضا أربعة أمور توجب ترك المودة وهي:
أولا- إن الإيمان ومودة الأعداء لا يجتمعان في القلب.
ثانيا- نفورهم من موادة الأعداء، ولو كانوا من الأقربين: وَلَوْ كانُوا آباءَهُمْ... إلخ.
ثالثا- إنه تعالى عدّد نعمه على المؤمنين، وهي توجب ترك مودة أعداء الله: أُولئِكَ كَتَبَ فِي قُلُوبِهِمُ الْإِيمانَ إلخ.
رابعا- وصفهم بأنهم حزب الله الغالب: أُولئِكَ حِزْبُ اللَّهِ، أَلا إِنَّ حِزْبَ اللَّهِ هُمُ الْمُفْلِحُونَ.
بسم الله الرحمن الرحيم
سورة الحشرمدنيّة، وهي أربع وعشرون آية.
تسميتها:
سميت سورة الحشر، لقوله تعالى: هُوَ الَّذِي أَخْرَجَ الَّذِينَ كَفَرُوا مِنْ أَهْلِ الْكِتابِ مِنْ دِيارِهِمْ لِأَوَّلِ الْحَشْرِ.. أي الحشر الأول وهو الجمع الأول الذي حشروا فيه وأخرجوا في عهد النبوة من المدينة إلى بلاد الشام، والحشر الثاني:
إجلاؤهم وإخراجهم في عهد عمر من خيبر إلى الشام.
وتسمى أيضا سورة بني النضير، لاشتمالها على قصة إجلاء يهود بني النضير، في غزوة بني النضير، وهم اليهود الذين نقضوا العهد مع النبي صلى الله عليه وسلم، فأجلاهم عن المدينة المنورة.
مناسبتها لما قبلها:
تظهر مناسبة هذه السورة لما قبلها من وجوه ثلاثة:
١- ذكر في السورة السابقة من حادّ الله تعالى ورسوله صلى الله عليه وسلم، ومن قتل من الصحابة أقرباءه يوم بدر، وفي أول هذه السورة ذكر من شاقّ الله تعالى ورسوله صلى الله عليه وسلم، وما جرى بعد غزوة بني النضير من إجلاء اليهود، وقد حدثت الغزوة بعد بدر.
٢- أخبر الله في آخر السابقة عن نصر الرسل: كَتَبَ اللَّهُ لَأَغْلِبَنَّ أَنَا وَرُسُلِي وأفاد في أول هذه إنجاز النصر على اليهود: فَأَتاهُمُ اللَّهُ مِنْ حَيْثُ لَمْ صفحة رقم 62
يَحْتَسِبُوا، وَقَذَفَ فِي قُلُوبِهِمُ الرُّعْبَ.
٣- كشف الله في السورة المتقدمة حال المنافقين واليهود وموادة بعضهم بعضا، وذكر في هذه السورة ما حلّ بيهود بني النضير.
ما اشتملت عليه السورة:
سورة الحشر كسائر السور المدنية عنيت بالأحكام التشريعية، مثل إجلاء يهود بني النضير من المدينة، وأحكام الفيء والغنائم، والأمر بالتقوى. كما أن فيها تحليلا لعلاقة المنافقين باليهود، وبيان عظمة القرآن، وإيراد بعض أسماء الله الحسنى.
افتتحت السورة بتنزيه الله نفسه عن كل نقص، وتمجيده من جميع ما في الكون من إنسان وحيوان ونبات وجماد، وشهادتهم بوحدانيته وقدرته، والنطق بعظمته.
وأردفت ذلك بالإشادة بالنصر على أعداء الله تعالى والرسول صلى الله عليه وسلم، وإجلاء يهود بني النضير من المدينة المنورة، وتهديم قلاعهم وحصونهم.
ثم أبانت حكم الفيء وهو الأراضي والدور والأموال الآيلة من العدو للمسلمين من غير قتال، ببيان مصارفه وتوزيعه على مختلف فئات المسلمين، وحكمة ذلك التوزيع.
وفي ثنايا آيات الفيء امتدح الله تعالى مواقف المهاجرين، وأشاد بمآثر الأنصار، وانتدب الذين جاؤوا من بعدهم للثناء على من سبقهم والدعاء لهم بالمغفرة.
وقارن ذلك بعلاقة المنافقين باليهود، وتحالفهم على الباطل، وكشف أخلاق الفريقين، ومنها خذلان المنافقين من يحالفونهم وقت الأزمة، وجبن
اليهود وخوفهم من مواجهة المؤمنين، وتشبيه المنافقين بالشيطان الذي يغري الإنسان بالسوء والضلال، ثم يتخلى عنه في الوقت العصيب.
ثم أمر الله المؤمنين بالتقوى، والاستعداد ليوم القيامة وما فيه من أهوال جسام، والاعتبار بأحوال الماضين، وتذكر الفرق العظيم بين أهل الجنة وأهل النار، ومصير السعداء والأشقياء في دار الخلود.
وختمت السورة ببيان عظمة القرآن الكريم، وعظمة من أنزله واتصافه بأوصاف الجلال، وتسميته بالأسماء الحسنى.
سبب نزول السورة:
روى سعيد بن منصور والبخاري ومسلم عن سعيد بن جبير قال: قلت لابن عباس: سورة الحشر؟ قال: أنزلت في بني النضير، وفي رواية: سورة بني النضير.
وقال ابن عباس ومجاهد والزهري وغير واحد: كان رسول الله صلى الله عليه وسلم، لما قدم المدينة، هادنهم وأعطاهم عهدا وذمّة على ألا يقاتلهم ولا يقاتلوه، فنقضوا العهد الذي كان بينهم وبينه، فأحلّ الله بهم بأسه، الذي لا مرد له، وأنزل عليهم قضاءه الذي لا يصدّ، فأجلاهم النّبي صلى الله عليه وسلم، وأخرجهم من حصونهم الحصينة التي ما طمع فيها المسلمون، وظنوا هم أنها مانعتهم من بأس الله، فما أغنى عنهم من الله شيئا، وجاءهم من الله ما لم يكن ببالهم، وسيّرهم رسول الله ﷺ وأجلاهم من المدينة، فكان منهم طائفة ذهبوا إلى أذرعات من أالي الشام، وهي أرض المحشر والمنشر، ومنهم طائفة ذهبوا إلى خيبر، وكان قد أنزلهم منها على أن لهم ما حملت إبلهم، فكانوا يخربون ما في بيوتهم من المنقولات التي يمكن أن تحمل معهم، ولهذا قال تعالى: يُخْرِبُونَ بُيُوتَهُمْ بِأَيْدِيهِمْ وَأَيْدِي الْمُؤْمِنِينَ، فَاعْتَبِرُوا يا أُولِي الْأَبْصارِ أي تفكروا في عاقبة من خالف أمر الله تعالى، وخالف رسوله صلى الله عليه وسلم،
وكذب كتابه، كيف يحل به من بأسه المخزي له في الدنيا مع ما يدخره له في الآخرة من العذاب الأليم «١».
فضل السورة:
أخرج الثعالبي عن ابن عباس أن رسول الله ﷺ قال: «من قرأ سورة الحشر، لم يبق شيء من الجنة والنار والعرش والكرسي والسموات والأرض والهوامّ والريح والسحاب والطير والدوابّ والشجر والجبال والشمس والقمر والملائكة إلا صلّوا عليه، واستغفروا له، فإن مات من يومه أو ليلته، مات شهيدا».
وأخرج الثعالبي أيضا عن يزيد الرقاشي عن أنس أن رسول الله ﷺ قال: «من قرأ آخر سورة الحشر:
وأخرج أحمد والترمذي عن معقل بن يسار قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «من قال حين يصبح ثلاث مرات: أعوذ بالله السميع العليم من الشيطان الرجيم، وقرأ ثلاث آيات من آخر سورة الحشر وكلّ الله به سبعين ألف ملك يصلّون عليه حتى يمسي، وإن مات في يومه، مات شهيدا، ومن قرأها حين يمسي، فكذلك» لَوْ أَنْزَلْنا هذَا الْقُرْآنَ عَلى جَبَلٍ - إلى آخرها- فمات من ليلته، مات شهيدا» «٢».
قال الترمذي: حديث حسن غريب.
(٢) تفسير القرطبي: ١٨/ ١