آيات من القرآن الكريم

كَتَبَ اللَّهُ لَأَغْلِبَنَّ أَنَا وَرُسُلِي ۚ إِنَّ اللَّهَ قَوِيٌّ عَزِيزٌ
ﰊﰋﰌﰍﰎﰏﰐﰑ ﰓﰔﰕﰖﰗﰘﰙﰚﰛﰜ

[سُورَة المجادلة (٥٨) : الْآيَات ٢٠ إِلَى ٢١]

إِنَّ الَّذِينَ يُحَادُّونَ اللَّهَ وَرَسُولَهُ أُولئِكَ فِي الْأَذَلِّينَ (٢٠) كَتَبَ اللَّهُ لَأَغْلِبَنَّ أَنَا وَرُسُلِي إِنَّ اللَّهَ قَوِيٌّ عَزِيزٌ (٢١)
مَوْقِعُ هَذِهِ الْآيَةِ بَعْدَ مَا ذَكَرَ مِنْ أَحْوَالِ الْمُنَافِقِينَ يُشْبِهُ مَوْقِعَ آيَةِ إِنَّ الَّذِينَ يُحَادُّونَ اللَّهَ وَرَسُولَهُ كُبِتُوا كَما كُبِتَ الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ [المجادلة: ٥]. فَالَّذِينَ يُحَادُّونَ اللَّهَ وَرَسُولَهُ الْمُتَقَدِّمُ ذِكْرُهُمُ الْمُشْرِكُونَ الْمُعْلِنُونَ بِالْمُحَادَّةِ. وَأَمَّا الْمُحَادُّونَ الْمَذْكُورُونَ فِي هَذِهِ الْآيَةِ فَهُمُ الْمُسِرُّونَ لِلْمُحَادَّةِ الْمُتَظَاهِرُونَ بِالْمُوَالَاةِ، وَهُمُ الْمُنَافِقُونَ، فَالْجُمْلَةُ اسْتِئْنَافٌ بَيَانِيٌّ بَيَّنَتْ شَيْئًا مِنَ الْخُسْرَانِ الَّذِي قَضَى بِهِ عَلَى حزب الشَّيْطَان الَّذِي هُمْ فِي مُقَدِّمَتِهِ. وَبِهَذَا تَكْتَسِبُ هَذِهِ الْجُمْلَةُ مَعْنَى بَدَلَ الْبَعْضِ مِنْ مَضْمُونِ جُمْلَةِ أَلا إِنَّ حِزْبَ الشَّيْطانِ هُمُ الْخاسِرُونَ [المجادلة: ١٩]، لِأَنَّ الْخُسْرَانَ يَكُونُ فِي الدُّنْيَا وَالْآخِرَةِ، وَخُسْرَانُ الدُّنْيَا أَنْوَاعٌ أَشَدُّهَا عَلَى النَّاسِ الْمَذَلَّةُ وَالْهَزِيمَةُ، وَالْمَعْنَى:
أَنَّ حِزْبَ الشَّيْطَانِ فِي الْأَذَلِّينَ والمغلوبين.
وَاسْتِحْضَارُهُمْ بصلَة إِنَّ الَّذِينَ يُحَادُّونَ اللَّهَ وَرَسُولَهُ إِظْهَارٌ فِي مَقَامِ الْإِضْمَارِ فَمُقْتَضَى الظَّاهِرِ أَنْ يُقَالَ: إِنَّهُمْ فِي الْأَذَلِّينَ فَأَخْرَجَ الْكَلَامَ عَلَى خِلَافِ مُقْتَضَى الظَّاهِرِ إِلَى الْمَوْصُولِيَّةِ لِإِفَادَةِ مَدْلُولِ الصِّلَةِ أَنهم أَعدَاء لله تَعَالَى وَرَسُوله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَإِفَادَةُ الْمَوْصُولِ تَعْلِيلَ الْحُكْمِ الْوَارِدِ بَعْدَهُ وَهُوَ كَوْنُهُمْ أَذَلِّينَ لِأَنَّهُمْ أَعْدَاءُ رَسُول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَهُمْ أَعْدَاءُ اللَّهِ الْقَادِرِ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ فَعَدُوُّهُ لَا يَكُونُ عَزِيزًا.
وَمُفَادُ حَرْفِ الظَّرْفِيَّةِ أَنَّهُمْ كَائِنُونَ فِي زُمْرَةِ الْقَوْمِ الْمَوْصُوفِينَ بِأَنَّهُمْ أَذَلُّونَ، أَيْ شَدِيدُو الْمَذَلَّةِ لِيَتَصَوَّرَهُمُ السَّامِعُ فِي كُلِّ جَمَاعَةٍ يَرَى أَنَّهُمْ أَذَلُّونَ، فَيَكُونُ هَذَا النَّظْمُ أَبْلَغَ مِنْ أَنْ يُقَالَ: أُولَئِكَ هُمُ الْأَذَلُّونَ.
وَاسْمُ الْإِشَارَةِ تَنْبِيهٌ عَلَى أَنَّ الْمُشَارَ إِلَيْهِمْ جَدِيرُونَ بِمَا بَعْدَ اسْمِ الْإِشَارَةِ مِنَ الْحُكْمِ بِسَبَبِ الْوَصْفِ الَّذِي قَبْلَ اسْمِ الْإِشَارَةِ مِثْلَ أُولئِكَ عَلى هُدىً مِنْ رَبِّهِمْ [الْبَقَرَة: ٥].
وَتَقَدَّمَ الْكَلَامُ عَلَى يُحَادُّونَ اللَّهَ وَرَسُولَهُ فِي أَوَائِلِ هَذِهِ السُّورَةِ [٥].
وَجُمْلَةُ كَتَبَ اللَّهُ لَأَغْلِبَنَّ عِلَّةٌ لِجُمْلَةِ أُولئِكَ فِي الْأَذَلِّينَ أَيْ لِأَنَّ اللَّهَ

صفحة رقم 56
تحرير المعنى السديد وتنوير العقل الجديد من تفسير الكتاب المجيد
عرض الكتاب
المؤلف
محمد الطاهر بن عاشور
الناشر
الدار التونسية للنشر
سنة النشر
1403
عدد الأجزاء
1
التصنيف
التفسير
اللغة
العربية