
يذكرونه بقلوبهم ولا بألسنتهم، أُولئِكَ أي المنافقون حِزْبُ الشَّيْطانِ أي جنده، أَلا إِنَّ حِزْبَ الشَّيْطانِ هُمُ الْخاسِرُونَ (١٩)، أي المغبونون بذهاب الدنيا والآخرة إِنَّ الَّذِينَ يُحَادُّونَ اللَّهَ وَرَسُولَهُ أُولئِكَ فِي الْأَذَلِّينَ (٢٠)، أي إن الذين يخالفون الله ورسوله في الدين أولئك في جملة الكفار الخلص أو مع الأسفلين في النار وهم المنافقون.
كَتَبَ اللَّهُ أي أثبت الله في اللوح المحفوظ وقال: لَأَغْلِبَنَّ أَنَا وَرُسُلِي محمد عليه الصلاة والسلام بالحجة والسيف على فارس والروم واليهود والمنافقين، إِنَّ اللَّهَ قَوِيٌّ على نصر أنبيائه، عَزِيزٌ (٢١) بنقمة أعدائه لا يغلب عليه في مراده.
قال مقاتل: إن المسلمين قالوا: إنا لنرجو أن يظهرنا الله على فارس والروم. قال عبد الله بن أبي سلول لهم: أتظنون أن فارس والروم كبعض القرى التي غلبتموهم، فيكون لكم فتح فارس والروم كلا والله أنهم أكثر جمعا وعدة!؟ فأنزل الله تعالى هذه الآية، ثم نزلت الآية في حاطب بن أبي بلتعة رجل من أهل اليمن الذي كتب كتابا إلى أهل مكة بسر النبي صلّى الله عليه وسلّم، فإنه أخبر أهل مكة بمسير النبي إليهم لما أراد فتح مكة وكان هو بدريا. قال الله تعالى: لا تَجِدُ يا أشرف الخلق قَوْماً يُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ يُوادُّونَ مَنْ حَادَّ اللَّهَ وَرَسُولَهُ أي يناصحون من خالف الله ورسوله في الدين بإرادة الخير لهم دينا ودنيا مع كفرهم، ولا منع فيما عدا ذلك، لأن الأمة أجمعت على جواز مخالفتهم ومعاملتهم. والمعنى: لا يجتمع الإيمان مع وداد أعداء الله، فإن من أحب أحدا امتنع أن يحب مع ذلك عدوه، وَلَوْ كانُوا أي من خالف الله ورسوله آباءَهُمْ أي آباء المتحابين أَوْ أَبْناءَهُمْ أَوْ إِخْوانَهُمْ أَوْ عَشِيرَتَهُمْ أي جماعتهم من قوم شتى.
قال سعيد: نزلت هذه الآية في شأن أبي عبيدة حين قتل أباه يوم بدر. وعن عمر بن الخطاب قال: لو كان أبو عبيد حيا لاستخلفته.
أما تعلم أنك عندي بمنزلة سمعي وبصري؟ وروي أنه صك أباه أبا قحافة صكة أسقطت أسنانه حين سمعه يسب النبي صلّى الله عليه وسلّم، ومصعب بن عمير قتل أخاه أبا عزيز عبيد بن عمير يوم أحد، ومحمد بن مسلمة الأنصاري قتل أخاه من الرضاع كعب بن الأشرف اليهودي رأس بني النضير وعليا وحمزة وعبيدة بن الحارث قتلوا يوم بدر بني عمهم، عتبة وشيبة ابني ربيعة، والوليد بن عتبة وقد أخبر الله تعالى: إن هؤلاء لم يوادوا أقاربهم وعشائرهم غضبا لله تعالى ولدينه، أُولئِكَ أي الذين لا يوادون الكفار كَتَبَ أي أثبت

الله فِي قُلُوبِهِمُ الْإِيمانَ، وشرح الله صدورهم بالإلطاف. وروي المفضل عن عاصم كتب على البناء للمفعول فِي قُلُوبِهِمُ الْإِيمانَ أي قواهم بنور القلب من عند الله تعالى. وقيل: بنصر من الله على عدوهم، وسمى تلك النصرة روحا، لأن بها يحيا أمرهم كما قاله ابن عباس والحسن، وقال السدي. الضمير في قوله: مِنْهُ عائد إلى الإيمان. والمعنى: أعانهم بروح من الإيمان وسمى روحا لحياة القلوب به وَيُدْخِلُهُمْ في الآخرة جَنَّاتٍ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الْأَنْهارُ خالِدِينَ فِيها أبد الآبدين رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ وَرَضُوا عَنْهُ ونعمة الرضوان هي أعظم النعم وأجل المراتب، أُولئِكَ حِزْبُ اللَّهِ أي جنده أَلا إِنَّ حِزْبَ اللَّهِ هُمُ الْمُفْلِحُونَ (٢٢)، أي الفائزون بسعادة الدارين الناجون من العذاب والسخط.
صفحة رقم 506