آيات من القرآن الكريم

الَّذِينَ يُظَاهِرُونَ مِنْكُمْ مِنْ نِسَائِهِمْ مَا هُنَّ أُمَّهَاتِهِمْ ۖ إِنْ أُمَّهَاتُهُمْ إِلَّا اللَّائِي وَلَدْنَهُمْ ۚ وَإِنَّهُمْ لَيَقُولُونَ مُنْكَرًا مِنَ الْقَوْلِ وَزُورًا ۚ وَإِنَّ اللَّهَ لَعَفُوٌّ غَفُورٌ
ﭥﭦﭧﭨﭩﭪﭫﭬﭭﭮﭯﭰﭱﭲﭳﭴﭵﭶﭷﭸﭹﭺﭻﭼﭽﭾ ﮀﮁﮂﮃﮄﮅﮆﮇﮈﮉﮊﮋﮌﮍﮎﮏﮐﮑﮒﮓﮔﮕﮖ ﮘﮙﮚﮛﮜﮝﮞﮟﮠﮡﮢﮣﮤﮥﮦﮧﮨﮩﮪﮫﮬﮭﮮﮯﮰﮱﯓﯔﯕﯖ

لأنه وإِن قرب من مخرج السين فله حيّز على حدة، ومن موضع الدال الطاء والتاء، فهذه الأحرف الثلاثة موضعها واحد، والسين والزاي والصاد من موضع واحد، وهي تسمى حروف الصفير. وفي اسم هذه المجادلة ونسبتها أربعة أقوال: أحدها: خولة بنت ثعلبة، رواه مجاهد عن ابن عباس، وبه قال عكرمة وقتادة والقرظي. والثاني: خولة بنت خويلد، رواه عكرمة عن ابن عباس. والثالث: خولة بنت الصامت، رواه العوفي عن ابن عباس. والرابع: خولة بنت الدليج، قاله أبو العالية، واسم زوجها:
أوس بن الصامت، وكانا من الأنصار.
(١٣٩٨) قال ابن عباس: كان الرجل إِذا قال لامرأته في الجاهلية: أنتِ عليَّ كظهر أمي، حرُمَتْ عليه، فكان أول من ظاهر في الإسلام أوس، ثم ندم، وقال لامرأته: انطلقي إلى رسول الله صلّى الله عليه وسلم فسليه، فأتته، فنزلت هذه الآيات. فأما مجادلتها رسول الله صلّى الله عليه وسلم، فإنه كان كلمَّا قال لها: قد حرمتِ عليه، تقول:
والله ما ذكر طلاقاً، فقال: ما أُوحي إليَّ في هذا شيء، فجعلت تشتكي إلى الله. وتشتكي بمعنى تشكو.
يقال: اشتكيت ما بي وشكوته، بمعنى شكوى شاك أي أشكيته. وقالت: إن لي صبية صغاراً، إِن ضممتهم إليه ضاعوا، وإن ضممتهم إليَّ جاعوا. فأما التحاور، فهو مراجعة الكلام. قال عنترة في فرسه:

لو كان يدْري ما المُحاورَةُ اشْتكى ولكان لو علم الكلام مكلّمي
[سورة المجادلة (٥٨) : الآيات ٢ الى ٤]
الَّذِينَ يُظاهِرُونَ مِنْكُمْ مِنْ نِسائِهِمْ ما هُنَّ أُمَّهاتِهِمْ إِنْ أُمَّهاتُهُمْ إِلاَّ اللاَّئِي وَلَدْنَهُمْ وَإِنَّهُمْ لَيَقُولُونَ مُنْكَراً مِنَ الْقَوْلِ وَزُوراً وَإِنَّ اللَّهَ لَعَفُوٌّ غَفُورٌ (٢) وَالَّذِينَ يُظاهِرُونَ مِنْ نِسائِهِمْ ثُمَّ يَعُودُونَ لِما قالُوا فَتَحْرِيرُ رَقَبَةٍ مِنْ قَبْلِ أَنْ يَتَمَاسَّا ذلِكُمْ تُوعَظُونَ بِهِ وَاللَّهُ بِما تَعْمَلُونَ خَبِيرٌ (٣) فَمَنْ لَمْ يَجِدْ فَصِيامُ شَهْرَيْنِ مُتَتابِعَيْنِ مِنْ قَبْلِ أَنْ يَتَمَاسَّا فَمَنْ لَمْ يَسْتَطِعْ فَإِطْعامُ سِتِّينَ مِسْكِيناً ذلِكَ لِتُؤْمِنُوا بِاللَّهِ وَرَسُولِهِ وَتِلْكَ حُدُودُ اللَّهِ وَلِلْكافِرِينَ عَذابٌ أَلِيمٌ (٤)
قوله عزّ وجلّ: الَّذِينَ يُظاهِرُونَ مِنْكُمْ مِنْ نِسائِهِمْ قرأ ابن كثير ونافع وأبو عمرو «يظَّهَّرون» بفتح الياء وتشديد الظاء والهاء وفتحهما من غير ألف. وقرأ أبو جعفر وابن عامر وحمزة والكسائي: بفتح الياء وتشديد الظاء وبألف وتخفيف الهاء. وقرأ عاصم «يُظاهِرون» بضم الياء وتخفيف الظاء والهاء وكسر الهاء في الموضعين مع إِثبات الألف. وقرأ ابن مسعود «يتظاهرون» بياءٍ وتاءٍ وألف. وقرأ أبي بن كعب «يتظَهَّرون» بياءٍ وتاء وتخفيف الظاء وتشديد الهاء من غير ألف. وقرأ الحسن وقتادة والضحاك «يظهرون» بفتح الياء وفتح الظاء مخففة، مكسورة الهاء مشددة. والمعنى: تقولون لهن: أنتن كظهور أمهاتنا ما هُنَّ أُمَّهاتِهِمْ قرأ الأكثرون بكسر التاء. وروى المفضل عن عاصم رفعها. والمعنى ما اللواتي تجعلن كالأمهات بأمهات لهم إِنْ أُمَّهاتُهُمْ أي ما أمهاتهم إِلَّا اللَّائِي وَلَدْنَهُمْ قال الفراء: وانتصاب «الأمهات» هاهنا بإلقاء الباء، وهي قراءة عبد الله «ما هنّ بأمهاتهم»، ومثله: ما هذا بَشَراً «١»، المعنى:
أخرجه البيهقي ٧/ ٣٨٢- ٣٨٣ من حديث ابن عباس، وإسناده ضعيف لضعف أبي حمزة الثمالي، لكن يشهد لأصله ما تقدم. وانظر «تفسير الشوكاني» ٢٤٦٢ بتخريجنا.
__________
(١) يوسف: ٣١.

صفحة رقم 242

ما هذا ببشرٍ، فلما أُلقيت الباء أُبقي أثرها، وهو النصب، وعلى هذا كلام أهلِ الحجاز. فأما أهل نجد فإنهم إذا ألقوا الباء رفعوا، فقالوا: «ما هن أمهاتُهم» و «ما هذا بشرٌ» أنشدني بعض العرب:

رِكابُ حُسَيْلٍ آخِرَ الصَّيْفِ بُدَّنٌ وَنَاقَةُ عَمْروٍ مَا يُحَلُّ لَها رَحْلُ
وَيَزْعُمُ حَسْلٌ أَنَّهُ فَرْعُ قَوْمِهِ وَمَا أَنْتَ فرع يا حسيل ولا أصل
قوله عزّ وجلّ: وَإِنَّهُمْ يعني: المظاهرون لَيَقُولُونَ مُنْكَراً مِنَ الْقَوْلِ لتشبيههم الزوجات بالأمهات، والأمهات محرمات على التأبيد، بخلاف الزوجات وَزُوراً أي: كذباً وَإِنَّ اللَّهَ لَعَفُوٌّ غَفُورٌ إِذ شرع الكفارة لذلك.
قوله عزّ وجلّ: ثُمَّ يَعُودُونَ لِما قالُوا «١» اللام في «لما» بمعنى «إلى»، والمعنى: ثم يعودون إلى تحليل ما حرَّموا على أنفسهم من وطء الزوجة بالعزم على الوطء، قال الفراء: معنى الآية: يرجعون عما قالوا، وفي نقض ما قالوا. وقال سعيد بن جبير: المعنى: يريدون أن يعودوا للجماع الذي قد حرَّموه على أنفسهم. وقال الحسن، وطاوس، والزهري: العَود: هو الوطء. وهذا يرجع إلى ما قلناه. وقال الشافعي: هو أن يمسكها بعد الظّهار مدّة يمكنه طلاقها فيها فلا يطلقها. فإذا وجد هذا، استقرت عليه الكفارة، لأنه قصد بالظهار تحريمها، فإن وصل إلى ذلك بالطلاق فقد جرى على ما ابتدأه، وان سكت عن الطلاق، فقد ندم على ما ابتدأ به، فهو عود إلى ما كان عليه، فحينئذ تجب الكفارة. وقال داود:
هو إِعادة اللفظ ثانياً، لأن ظاهر قوله عزّ وجلّ: يَعُودُونَ يدل على تكرير اللفظ. قال الزجاج: وهذا قول من لا يدري اللغة. وقال أبو علي الفارسي: ليس في هذا كما ادَّعَوا، لأن العود قد يكون إلى شيء لم يكن الإنسان عليه قبلُ. وسميت الآخرةُ معاداً، ولم يكن فيها أحد ثم عاد إليها. قال الهذلي:
وعَادَ الفَتَى كالكَهْلِ لَيْسَ بِقَائِلٍ سِوى الحَقِّ شيئاً واسْتَرَاحَ العَواذِلُ
وقد شرحنا هذا في قوله عزّ وجلّ: وَإِلَى اللَّهِ تُرْجَعُ الْأُمُورُ «٢». وقال ابن قتيبة: من توَّهم أن الظهار لا يقع حتى يلفظ به ثانية، فليس بشيء، لأن الناس قد أجمعوا أن الظهار يقع بلفظ واحد. وإنما تأويل الآية: أن أهل الجاهلية كانوا يطلِّقون بالظهار، فجعل الله حكم الظهار في الإسلام خلاف حكمه عندهم في الجاهلية، وأنزل قوله عزّ وجلّ: وَالَّذِينَ يُظاهِرُونَ مِنْ نِسائِهِمْ يريد في الجاهلية «ثم يعودون لما قالوا» في الإسلام، أي: يعودون لما كانوا يقولونه من هذا الكلام، فَتَحْرِيرُ رَقَبَةٍ قال
(١) قال ابن العربي رحمه الله في «أحكام القرآن» ٤/ ١٩٢: وهو حرف مشكل، واختلف الناس فيه قديما وحديثا، وأما القول بأنه العود إلى لفظ الظهار فهو باطل قطعا، لا يصح، وإنما يشبه أن يكون من جهالة داود وأشياعه.
وقال ابن كثير رحمه الله في «تفسيره» ٤/ ٣٨٠: اختلف السلف والأئمة في المراد بقوله تعالى: ثُمَّ يَعُودُونَ لِما قالُوا فقال بعض الناس: العود: هو أن يعود إلى لفظ الظهار فيكرره وهذا القول باطل، وهو اختيار ابن حزم وقول داود. وقال الشافعي: هو أن يمسكها بعد المظاهرة زمانا يمكنه أن يطلق فيه فلا يطلق. وقال أحمد بن حنبل: هو أن يعود إلى الجماع والعزم على الجماع أو الإمساك، فلا تحل له حتى يكفّر بهذه الكفارة. وقد حكي عن مالك أنه العزم على الجماع أو الإمساك وعنه: أنه الجماع، وقال أبو حنيفة: هو أن يعود إلى الظهار بعد تحريمه ورفع ما كان عليه أمر الجاهلية، فمتى ظاهر الرجل من امرأته فقد حرمها تحريما لا يرفعه إلا الكفارة.
(٢) البقرة: ٢١٠.

صفحة رقم 243

المفسرون: المعنى: فعليهم، أو فكفارتهم تحرير رقبة «١»، أي: عتقها. وهل يشترط أن تكون مؤمنة؟
فيه عن أحمد روايتان. قوله عزّ وجلّ: مِنْ قَبْلِ أَنْ يَتَمَاسَّا وهو: كناية عن الجماع، على أن العلماء قد اختلفوا هل يباح للمظاهر الاستمتاع باللمس والقبلة؟ وعن أحمد روايتان. وقال أبو الحسن الأخفش: تقدير الآية: والذين يظاهرون من نسائهم فتحرير رقبة لما قالوا ثم يعودون إلى نسائهم.
فصل: إذا وطئ المظَاهِرُ قبل أن يكفِّر أَثِمَ، واستقرَّت الكفارة، وقال أبو حنيفة: يسقط الظهار والكفارة. واختلف العلماء فيما يجب عليه إِذا فعل ذلك، فقال الحسن، وسعيد بن المسيّب، وطاوس، ومجاهد وإبراهيم، وابن سيرين: عليه كفارة واحدة، وقال الزهري، وقتادة في آخرين: عليه كفارتان.
فإن قال: أنت عليَّ كظهر أمي اليوم، بطل الظهار بمضيِّ اليوم، هذا قول أصحابنا وأبي حنيفة، والثوري، والشافعي، وقال ابن أبي ليلى، ومالك، والحسن بن صالح: هو مظاهر أبداً. واختلفوا في الظهار من الأمة، فقال ابن عباس: ليس من الأمة ظهار، وبه قال سعيد بن المسيب، والشعبي، والنخعي، وأبو حنيفة، والشافعي، وقال سعيد بن جبير، وطاوس، وعطاء، والأوزاعي، والثوري، ومالك: هو ظهار. ونقل أبو طالب عن أحمد أنه قال: لا يكون مظاهرا من أمته، ولكن يلزمه كفارة الظهار، كما قال في المرأة إِذا ظاهرت من زوجها لم تكن مظاهرة، وتلزمها كفّارة الظّهار. واختلفوا فيمن قال: أنت عليّ كظهر أبي، فقال مالك: هو مظاهر، وهو قول أصحابنا، وقال أبو حنيفة والشّافعيّ: لا يكون مظاهرا. واختلفوا فيمن ظاهر مراراً، فقال أبو حنيفة، والشافعي: إن كان في مجالس، فكفارات، وإن كان في مجلس واحد، فكفارة: قال القاضي أبو يعلى: وعلى قول أصحابنا يلزمه كفارة واحدة، سواء كان في مجلس واحد، أو في مجالس، ما لم يكفِّر، وهذا قول مالك.
قوله عزّ وجلّ: ذلِكُمْ تُوعَظُونَ بِهِ قال الزجاج: ذلكم التغليظ توعظون به. والمعنى: أن غِلَظَ الكفارة وَعْظٌ لكم حتى تتركوا الظّهار. قوله عزّ وجلّ: فَمَنْ لَمْ يَجِدْ يعني: الرقبة فَصِيامُ شَهْرَيْنِ أي: فعليه صيام شهرين «٢» مُتَتابِعَيْنِ مِنْ قَبْلِ أَنْ يَتَمَاسَّا فَمَنْ لَمْ يَسْتَطِعْ الصيام فكفّارته إطعام سِتِّينَ مِسْكِيناً ذلِكَ أي: الفرض ذلك الذي وصفنا لِتُؤْمِنُوا بِاللَّهِ وَرَسُولِهِ أي: تصدِّقوا بأنَّ الله أمر بذلك، وتصدِّقوا بما أتى به الرسولُ وَتِلْكَ حُدُودُ اللَّهِ يعني: ما وصفه الله من الكفَّارات في الظِّهار وَلِلْكافِرِينَ عَذابٌ أَلِيمٌ قال ابن عباس: لمن جحد هذا وكذّب به.

(١) قال ابن العربي رحمه الله في «أحكام القرآن» ٤/ ١٠٥: وظاهر قوله تعالى، يرتبط الوجوب بالعود، وفيه يرتبط كيفما كانت حالة الارتباط، بيد أنه للمسألة حرف جرى في ألسنة علمائنا من غير قصد، وهو مقصود المسألة، وذلك أن المعتبر في الكفارة صفة العبادة أو صفة العقوبة. والشافعي اعتبر صفة العقوبة، ونحن اعتبرنا صفة القربة، والقرب إنما يعتبر في حال الإجراء خاصة بحال الأداء، كالطهارة والصلاة، والذي يعتبر فيه حالة الوجوب هي الحدود، والطهارة ليست مقصودة لنفسها، وإنما تراد للصلاة، فاعتبر حال فعل الصلاة فيها.
قلنا: وكذلك الكفارة ليست مقصودة لنفسها، وإنما تراد لحل المسيس، فإذا احتيج إلى المسيس اعتبرت الحالة المذكورة فيها.
(٢) قال ابن العربي رحمه الله في «أحكام القرآن» ٤/ ١٩٧: يقتضي أن الوطء للزوجة في ليل الظهار يبطل الكفارة، لأن الله سبحانه شرط في كفارة الظهار فعلها قبل التماس.

صفحة رقم 244
زاد المسير في علم التفسير
عرض الكتاب
المؤلف
جمال الدين أبو الفرج عبد الرحمن بن علي بن محمد الجوزي
تحقيق
عبد الرزاق المهدي
الناشر
دار الكتاب العربي - بيروت
سنة النشر
1422
الطبعة
الأولى
عدد الأجزاء
1
التصنيف
التفسير
اللغة
العربية