آيات من القرآن الكريم

الَّذِينَ يُظَاهِرُونَ مِنْكُمْ مِنْ نِسَائِهِمْ مَا هُنَّ أُمَّهَاتِهِمْ ۖ إِنْ أُمَّهَاتُهُمْ إِلَّا اللَّائِي وَلَدْنَهُمْ ۚ وَإِنَّهُمْ لَيَقُولُونَ مُنْكَرًا مِنَ الْقَوْلِ وَزُورًا ۚ وَإِنَّ اللَّهَ لَعَفُوٌّ غَفُورٌ
ﭑﭒﭓﭔﭕﭖﭗﭘﭙﭚﭛﭜﭝﭞﭟﭠﭡﭢﭣ ﭥﭦﭧﭨﭩﭪﭫﭬﭭﭮﭯﭰﭱﭲﭳﭴﭵﭶﭷﭸﭹﭺﭻﭼﭽﭾ ﮀﮁﮂﮃﮄﮅﮆﮇﮈﮉﮊﮋﮌﮍﮎﮏﮐﮑﮒﮓﮔﮕﮖ ﮘﮙﮚﮛﮜﮝﮞﮟﮠﮡﮢﮣﮤﮥﮦﮧﮨﮩﮪﮫﮬﮭﮮﮯﮰﮱﯓﯔﯕﯖ

الجزء الثامن والعشرون
سورة المجادلة
مدنية وآياتها اثنتان وعشرون آية

بسم الله الرحمن الرحيم

قَدْ سَمِعَ اللهُ قَوْلَ الَّتِي تُجَادِلُكَ فِي زَوْجِهَا وَتَشْتَكِي إِلَى اللهِ وَاللهُ يَسْمَعُ تَحَاوُرَكُمَا إِنَّ اللهَ سَمِيعٌ بَصِيرٌ (١) الَّذِينَ يُظَاهِرُونَ مِنْكُمْ مِنْ نِسَائِهِمْ مَا هُنَّ أُمَّهَاتِهِمْ إِنْ أُمَّهَاتُهُمْ إِلَّا اللَّائِي وَلَدْنَهُمْ وَإِنَّهُمْ لَيَقُولُونَ مُنْكَراً مِنَ الْقَوْلِ وَزُوراً وَإِنَّ اللهَ لَعَفُوٌّ غَفُورٌ (٢) وَالَّذِينَ يُظَاهِرُونَ مِنْ نِسَائِهِمْ ثُمَّ يَعُودُونَ لِمَا قَالُوا فَتَحْرِيرُ رَقَبَةٍ مِنْ قَبْلِ أَنْ يَتَمَاسَّا ذَلِكُمْ تُوعَظُونَ بِهِ وَاللهُ بِمَا تَعْمَلُونَ خَبِيرٌ (٣) فَمَنْ لَمْ يَجِدْ فَصِيَامُ شَهْرَيْنِ مُتَتَابِعَيْنِ مِنْ قَبْلِ أَنْ يَتَمَاسَّا فَمَنْ لَمْ يَسْتَطِعْ فَإِطْعَامُ سِتِّينَ مِسْكِيناً ذَلِكَ لِتُؤْمِنُوا بِاللهِ وَرَسُولِهِ وَتِلْكَ حُدُودُ اللهِ وَلِلْكَافِرِينَ عَذَابٌ أَلِيمٌ (٤)
شرح الكلمات:
قد سمع الله قول التي تجادلك في زوجها: أي تراجعك أيها النبي في شأن زوجها أوس بن الصامت.
وتشتكي إلى الله: أي وحدتها وفاقتها وصبية صغاراً إن ضمتهم إليه ضاعوا وإن ضمهم إليها جاعوا.
والله يسمع تحاوركما: أي تراجعكما أنت أيها الرسول والمحاورة لك وهي خولة بنت ثعلبة.
إن الله سميع بصير: أي لأقوالكما بصير بأحوالكما.

صفحة رقم 282

الذين يظاهرون منكم من: أي يحرمون نساءهم يقول أنت علي كظهر أمي.
نسائهم
ما هن أمهاتهم: أي ليس هن بأمهاتهم.
إن أمهاتهم إلا اللائي ولدنهم: ما أماتهم إلا اللائي ولدنهم، أو أرضعنهم.
وإنهم ليقولون منكراً من القول وزورا: أي وإنهم بالظهار ليقولون منكراً من القول وزوراً أي كذباً.
وإن الله لعفو غفور: أي على عباده أي ذو صفح عليهم غفورٌ لذنوبهم إن تابوا منها.
والذين يظاهرون من نسائهم١: أي بأن يقول لها أنت علي كظهر أمي أو أختي ونحوها من المحارم.
ثم يعودون لما قالوا: أي يعزمون على العودة للتي ظاهروا منها، إذ كان الظهار في الجاهلية طلاقاً.
فتحرير رقبة من قبل أن يتماسا: أي فالواجب عليه تحرير رقبة مؤمنة قبل أن يجامعها.
ذلكم توعظون به: أي تأمرون به فافعلوه على سبيل الوجوب.
فمن لم يجد فصيام شهرين: أي فمن لم يجد الرقبة لانعدامها أو غلاء ثمنها فالواجب صيام شهرين متتابعين.
متتابعين
من قبل أن يتماسا: أي من قبل الوطء لها.
فمن لم يستطع: أي الصيام لمرض أو كبر سن.
فإطعام ستين مسكيناً: أي فعليه قبل الوطء، أن يطعم ستين مسكيناً يعطي لكل مسكين مداً من٢ بر أو مدين من غير البر كالتمر والشعير ونحوهما من غالب قوت أهل البلد.
ذلك: أي ما تقدم من بيان حكم الظهار الذي شرع لكم.
لتؤمنوا بالله ورسوله: أي لأن الطاعة إيمان والمعصية من الكفران.

١ قرأ نافع (يظهرون) فأدغمت التاء في الظاء فصارت يظهرون بتشديد الظاء والهاء وقرأ حفص (يظاهرون).
٢ وردت روايات متعددة في كمية الإطعام الإجماع على أنها إطعام ستين مسكيناً، وإنما الخلاف في المقدار، فأظهرها وأصحها حديث البخاري وفيه: "فأعانه رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بخمسة عشر صاعا. فتصدق بها على ستين مسكيناً فهذا ظاهر في أنها ستون مداً لكل مسكين مد لأن الخمسة عشر صاعاً بستين مداً إذ الصاع أربعة أمداد بمد النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ.

صفحة رقم 283

وتلك حدود الله: أي أحكام شرعه.
وللكافرين عذاب أليم: أي وللكافرين بها الجاحدين لها عذاب أليم أي ذو ألمٍ.
معنى الآيات:
قوله تعالى ﴿قَدْ سَمِعَ اللهُ﴾ هذه الآية الكريمة نزلت في خولة بنت ثعلبة الأنصارية وفي زوجها أوس بن الصامت أخي عبادة بن الصامت رضي الله عنهم أجمعين كان قد ظاهر منها زوجها أوس، فقال لها في غضب غير مغلق أنت علي كظهر أمي، وكان الظهار يومئذٍ طلاقاً، وكانت المرأة ذات أطفال صغار وتقدم بها وبزوجها السن فجاءت لرسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ تشكوا إليه ما قال زوجها فذكرت للرسول صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ضعفها١ وضعف زوجها وضعف أطفالها الصغار، وما زالت تراجع الرسول صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وتحاوره في شأنها وشأن زوجها حتى نزلت هذه الآيات الأربع من فاتحة سورة المجادلة التي سميت بها السورة فقيل سورة المجادلة بكسر الدال، ويصح فتحها فقال تعالى مخاطباً رسوله ﴿قَدْ سَمِعَ اللهُ قَوْلَ الَّتِي تُجَادِلُكَ فِي زَوْجِهَا﴾ أي قد سمع الله قول المرأة التي تجادلك أي تراجعك في شأن زوجها الذي ظاهر منها، وتشتكي إلى الله بعد أن قلت لها: والله ما أمرت في شأنك بشيء، تشكو إلى الله ضعف حالها. ﴿وَاللهُ يَسْمَعُ٢ تَحَاوُرَكُمَا﴾ أي مراجعتكما لبعضكما بعضاً الحديث وأجابكما ﴿إِنَّ اللهَ سَمِيعٌ بَصِيرٌ﴾ أي سميع لأقوال عباده عليم بأحوالهم وهذا حكم الظهار فافهموه واعملوا به.
أولاً: أن الظهار الذي هو قول الرجل لامرأته أنت علي كظهر أمي لا يجعل المظاهر منها أماً له إذ أمه هي التي ولدته وخرج من بطنها، والزوجة لا تكون أماً بحال من الأحوال.
ثانياً: هذا القول كذب وزور ومنكر من القول وقائله آثم فليتب إلى الله ويستغفره.
ثالثاً: لولا عفو الله وصفحه على عباده المؤمنين ومغفرته للتائبين لعاقبهم على هذا القول الكذب الباطل.
رابعاً: على الذين يظاهرون من نسائهم ثم يعودون لما قالوا أي يعزمون على وطئها بعد الظهار منها فالواجب عليهم قبل الوطء لها تحرير رقبة ذكراً كانت أو أنثى صغيرة أو كبيرة لكن مؤمنة لا كافرة، فمن لم يجد الرقبة لانعدامها، أو غلاء ثمنها فيجزئه صيام شهرين متتابعين فإن لم يستطع لعلة قامت به فالواجب إطعام ستين مسكيناً يعطى كل مسكين مداً من بر أو نصف صاع من

١ من جملة ما روي أنها قالت: يا رسول الله أكل شبابي ونثرت له بطني حتى إذا كبر سني وانقطع ولدي ظاهر مني، فقال له رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: ما أوحي إلي في هذا شيء فقالت: يا رسول الله أوحي إليك في كل شيء وطوي عنك هذا؟ فقال: هو ما قلت لك فقالت: إلى الله أشكوا لا إلى رسوله فأنزل الله ﴿قَدْ سَمِعَ اللهُ... ﴾ الخ.
٢ روى البخاري عن عائشة رضي الله عنها أنها قالت: الحمد لله الذي وسع سمعه الأصوات لقد جاءت المجادلة تشكو إلى رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وأنا في ناحية البيت ما أسمع ما تقول فأنزل الله عز وجل: ﴿قَدْ سَمِعَ اللهُ قَوْلَ الَّتِي تُجَادِلُكَ فِي زَوْجِهَا﴾

صفحة رقم 284

غير البر كالشعير والتمر ونحوهما كل ذلك من قبل أن يتماسا من باب حمل المطلق على المقيد إذ قيد الأول بقبل المسيس١ فيحمل هذا الأخير عليه.
وقوله ﴿ذَلِكَ لِتُؤْمِنُوا بِاللهِ وَرَسُولِهِ﴾ أي ذلك الذي تقدم من بيان حكم الظهار٢ شرعه لكم لتؤمنوا بالله ورسوله إذ الإيمان اعتقاد وقول وعمل، فطاعة الله ورسوله إيمان ومعصيتهما من الكفران. وقوله تعالى ﴿وَتِلْكَ حُدُودُ اللهِ﴾ أي لا تعتدوها بل قفوا عندها وللكافرين بها المتعدين لها عذاب أليم أي ذو ألم موجع جزاء تعديهم حدود الله.
هداية الآيات:
من هداية الآيات:
١- إجابة الله لأوليائه بتفريج كروبهم وقضاء حوائجهم فله الحمد وله الشكر.
٢- حرمة الظهار باعتباره منكراً وكذباً وزوراً فيجب التوبة منه.
٣- بيان حكم المظاهر وهو أن عليه عتق رقبة قبل أن يجامع امرأته المظاهر منها. فإن لم يجد الرقبة المؤمنة صام شهرين متتابعين من الهلال إلى الهلال وإذا انقطع التتابع لمرض بنى على ما صامه. فإن لم يستطع لمرض ونحوه أطعم ستين مسكيناً فأعطى لكل مسكين على حدة مداً من بر أو مدين من غير البر كالشعير والتمر.
٤- لو جامع المظاهر قبل إخراج الكفارة أثم فليستغفر ربه وليخرج كفارته. ولا شيء عليه لحديث الترمذي الصحيح.
٥- طاعة الله ورسوله إيمان، ومعصية الله ورسوله من الكفران.
إِنَّ الَّذِينَ يُحَادُّونَ اللهَ وَرَسُولَهُ كُبِتُوا كَمَا كُبِتَ الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ وَقَدْ أَنْزَلْنَا آيَاتٍ بَيِّنَاتٍ وَلِلْكَافِرِينَ عَذَابٌ مُهِينٌ (٥)
يَوْمَ يَبْعَثُهُمُ اللهُ جَمِيعاً فَيُنَبِّئُهُمْ بِمَا عَمِلُوا أَحْصَاهُ اللهُ وَنَسُوهُ وَاللهُ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ شَهِيدٌ (٦) أَلَمْ تَرَ أَنَّ اللهَ يَعْلَمُ مَا فِي السَّمَاوَاتِ وَمَا فِي الْأَرْضِ مَا يَكُونُ

١ من مس امرأته قبل الكفارة فليكف عنها مرة أخرى حتى يكفر لحديث النسائي: "أن رجلا ظاهر من امرأته ولم يكفر حتى وطئها فذكر ذلك لرسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فأمره ألا يقربها حتى يكفر".
٢ هل على المرأة إذا ظاهرت من زوجها شيء؟ الجمهور: أنه لاشيء عليها وإن كفرت كفارة يمين فذلك اللائق بها.

صفحة رقم 285
أيسر التفاسير لكلام العلي الكبير
عرض الكتاب
المؤلف
جابر بن موسى بن عبد القادر بن جابر أبو بكر الجزائري
الناشر
مكتبة العلوم والحكم بالمدينة المنورة
سنة النشر
1424
الطبعة
الخامسة
عدد الأجزاء
5
التصنيف
التفسير
اللغة
العربية