
قوله: ﴿الذين يُظَاهِرُونَ﴾ : قد تقدَّم الخلافُ في «يُظاهِرون» في سورةِ الأحزاب وكذا في «اللائي» فأَغْنَى عن إعادتِه
صفحة رقم 261
هنا وأُبي هنا «يَتَظاهَرُون» وعنه أيضاً «يَتَظَهَّرُوْن». وفي «الذين» وجهان، أحدهما: أنه مبتدأٌ، وخبرُه قولُه: ﴿مَّا هُنَّ أُمَّهَاتِهِمْ﴾. والثاني: أنَّه منصوبٌ ب «بصير» على مذهبِ سيبويهِ في جوازِ إعمالِ فَعيل، قاله مكي، يعني أنَّ سيبويه يُعْمل فعيلاً من أمثلةِ المبالغةِ، وهو مذهبٌ مَطْعونٌ فيه على سيبويِهِ؛ لأنه استدلَّ على إعمالِه بقولِ الشاعر:
٤٢٣٨ - حتى شآها كَليلٌ مَوْهِناً عَمِلٌ | باتَتْ طِراباً وبات الليلَ لم يَنَمِ |
وقرأ العامَّةُ «أمَّهاتِهم» بالنصب على اللغة الحجازية الفصحى كقولِه: ﴿مَا هذا بَشَراً﴾ [يوسف: ٣١] وعاصم في روايةٍ بالرفعِ على اللغةِ صفحة رقم 262

التميميةِ، وإنْ كانَتْ هي القياسَ لعدمِ اختصاصِ الحرفِ. وقرأ عبدُ الله «بأمَّهاتهم» بزيادة الباءِ، وهي تحتمل اللغتين. وقال الزمخشري: «وزيادةُ الباء في لغة مَنْ ينصِبُ». قلت: هذا هو مذهبُ أبي علي، يرى أنَّ الباءَ لا تُزاد إلاَّ إذا كانَتْ «ما» عاملةً فلا تُزاد في التميمية ولا في الحجازيةِ إذا مَنَعَ مِنْ عملها مانعٌ نحو: «ما إنْ زيدٌ بقائمٍ». وهذا مردودٌ بقولِ الفرزدق وهو تميمي:
٤٢٣٩ - لَعَمْرُك ما مَعْنٌ بتارِكِ حقِّه | ولا مُنْسِىءٌ مَعْنٌ ولا مُتَيَسِّرُ |
٤٢٤٠ - لَعَمْرُك ما إنْ أبو مالكٍ | بواهٍ ولا بضعيفٍ قِواهْ |
قوله: ﴿مُنكَراً مِّنَ القول وَزُوراً﴾ نعتان لمصدر محذوف أي: قولاً منكراً، وزوراً أي: كذباً وبُهْتاناً قاله مكي وفيه نظرٌ؛ إذ يصيرُ صفحة رقم 263

التقدير: ليقولون قولاً منكراً من القول، فيصير قولُه «من القول» لا فائدةً فيه. والأَوْلَى أَنْ يُقال: نعتان لمعفولٍ محذوفٍ لفهم المعنى أي: ليقولونَ شيئاً مُنْكراً من القولِ لتفيدَ الصفة غيرَ ما أفاده الموصوفُ.
صفحة رقم 264