
الجزء الثامن والعشرون من اجزاء الثلاثين
تفسير سورة المجادلة
اثنتان وعشرون آية مدنية بسم الله الرحمن الرحيم
قَدْ سَمِعَ اللَّهُ قَوْلَ الَّتِي تُجادِلُكَ فِي زَوْجِها سمع مجاز مرسل عن أجاب بعلاقة السببية والمجادلة المفاوضة على سبيل المنازعة والمغالبة يعنى كار براندن با كسى بر سبيل نزاع وأصله من جدلت الحبل اى أحكمت فتله فكأن المتجادلين يفتل كل واحد الآخر عن رأيه والمراد هنا المكالمة ومراجعة الكلام اى معاودته والمعنى قد أجاب الله دعاء المرأة التي تكالمك في حق زوجها استفتاء وتراجعك الكلام في شأنه وفيما صدر عنه في حقها من ظهاره إياها بغير وجه مشروع وسبب مقبول وَتَشْتَكِي إِلَى اللَّهِ عطف على تجادلك اى تتضرع الى الله تعالى وتظهر ما بها من المكروه قال في المفردات الشكاية والشكاة والشكوى اظهار البث يقال شكوت واشتكيت واصل الشكوى فتح الشكوة واظهار ما فيها وهى سقاء صغير يجعل فيه الماء وكان في الأصل استعارة كقولك بثثت له ما في وعائى ونفضت ما في جرابى إذا أظهرت ما في قلبك وفي كشف الاسرار الاشتكاء اظهار ما يقع بالإنسان من المكروه والشكوى اظهار ما يصنعه غيره به وفي تاج المصادر الاشتكاء كله كردن وشكوه كرفتن وهى قربة صغيرة والمجادلة هى خولة بنت ثعلب بن مالك ابن خزاعة الخزرجية وزوجها أوس بن الصامت أخو عبادة روى انها كانت حسنة البدن رآها أوس وهى تصلى فاشتهى مواقعتها فلما سلمت راودها فأبت وكان به خفة فغضب عليها بمقتضى البشرية وقال أنت على كظهر أمي وكان أول ظهار وقع في الإسلام ثم ندم على ما قال بناء على ان الظهار والإيلاء كانا من طلاق الجاهلية فقال لها ما أظنك الى وقد حرمت على فشق ذلك عليها فاتت رسول الله صلّى الله عليه وسلّم وعائشة رضى الله عنها تغسل شق رأسه فقالت يا رسول الله ان زوجى أوس بن الصامت أبو ولدي وابن عمى وأحب الناس الى ظاهر منى وما ذكر طلاقا وقد ندم على فعله فهل من شيء يجمعنى وإياه فقال عليه السلام ما أراك الا وقد حرمت عليه فقالت لا تقل ذلك يا رسول الله وذكرت فاقتها ووحدتها بتفانى أهلها وان لها صبية صغارا فقالت ان ضممتهم الى جاعوا وان ضممتهم الى أبيهم ضاعوا فاعاد النبي عليه السلام قوله الاول وهو حرمت عليه فجلت تراجع رسول الله مقالتها الاولى وكلما قال لها رسول الله حرمت عليه هتفت وقالت أشكو الى الله مما لقيت من زوجى حال فاقتى ووحدتي وقد طالت معه صحبتى ونفضت له بطني تريد بذلك انى قد بلغت عنده سن الكبر وصرت عقيما لا ألد بعد وكانت في كل ذلك ترفع رأسها الى السماء على ما هو عادة

الناس استنزالا للامر الإلهي من جانب العرش وتقول اللهم أنزل على لسان نبيك فقامت عائشة تغسل الشق الآخر من رأسه عليه السلام وهى ما زالت في مراجعة الكلام مع رسول الله وبث الشكوى الى الله حتى نزل جبريل عليه السلام بهذه الآيات الأربع سمعا لدعائها وقبولا لشكواها فكانت سببا لظهور امر الظهار وفي قد اشعار بأن الرسول والمجادلة كانا يتوقعان أن ينزل الله حكم الحادثة ويفرج عنها كربها لانها انما تدخل على ماض متوقع وَاللَّهُ يَسْمَعُ تَحاوُرَكُما اى يعلم تراجعكما الكلام وتخاطبكما وتجاوبكما في أمر الضار فان التحاور بمعنى التجاوب وهو رجع الكلام وجوابه يعنى يكديكر را جواب دادن من الحور بمعنى الرجوع وذلك كان برجوع الرسول الى الحكم بالحرمة مرة بعد أخرى ورجوع المجادلة الى طلب التحليل كذلك ومثله المحاورة في البحث ومنه قولهم في الدعاء نعوذ بالله من الحور بعد الكور اى الرجوع الى النقصان بعد الوصول الى الزيادة او الى الوحشة بعد الانس وقال الراغب الحور التردد اما بالذات واما بالتفكر وقيل نعوذ بالله من الحور بعد الكور اى من التردد في الأمر بعد المضي فيه او من نقصان وتردد في الحال بعد الزيادة فيها وصيغة المضارع للدلالة على استمرار السمع حسب استمرار التحاور وتجدده وفي نظمها في سلك الخطاب مع أفضل البريات تغليب إذ القياس تحاورها وتحاورك تشريفا لها من جهتين والجملة استئناف جار مجرى التعليل لما قبله فان الحافها في المسألة ومبالغتها في التضرع الى الله ومدافعته عليه السلام إياها بجواب منبئ عن التوقف وترقب الوحى وعلمه تعالى بحالهما
من دواعى الاجابة وفي كشف الاسرار ليس هذا تكرار الان الاول لما حكته عن زوجها والثاني لما كان يجرى بينها وبين رسول الله لان الاول ماض والثاني مستقبل إِنَّ اللَّهَ سَمِيعٌ بَصِيرٌ مبالغ في العلم بالمسموعات والمبصرات ومن قضيته أن يسمع تحاورهما ويرى ما يقارنه من الهيئات التي من جملتها رفع رأسها الى السماء وسائر آثار التضرع
يا من يرى ما في الضمير ويسمع | أنت المعد لكل ما يتوقع |
يا من يرجى للشدآئد كلها | يا من اليه المشتكى والمفزع |
مالى سوى قرعى لبابك حيلة | ولئن رددت فاى باب أقرع |
حاشى للطفك أن تقنط عاصيا | الفضل أجزل والمواهب أوسع |
دعاى ضعيفان اميدوار | ز بازوى مردى به آيد بكار |

واقف يسمع كلامها فقيل له يا امير المؤمنين أتقف لهذه العجوز هذا الوقوف الطويل فقال والله لو حبستنى من أول النهار الى آخره ما زلت الا للصلاة المكتوبة أتدرون من هذه العجوز هى خولة بنت ثعلب سمع الله قولها من فوق سبع سموات أيسمع رب العالمين قولها ولا يسمعه عمر وهذه الفوقية لا يلزم منها الجهة لان الله هو العلى المتعال فاعرف ثم انه من اكبر الذنوب أن يقول الرجل لاخيه اتقى الله فيقول في جوابه عليك نفسك اى الزم نفسك أنت تأمرنى بهذا وذلك لانه إذا ذكر اسم الله يلزم التعظيم له سوآء صدر من مسلم او كافر وأعلم الناس لا يستغنى عن تنبيه وإيقاظ
بكوى آنچهـ دانى سخن سودمند | وكر هيچ كس را نيايد پسند |

أنت أمي او أختي او بنتي بدون التشبيه فهو ليس بظهار يعنى ان قال ان فعلت كذا فانت أمي وفعلته فهو باطل وان نوى التحريم ولو قالت لزوجها أنت على كظهر أمي فانه ليس بشيء وقال الحسن انه يمين وفي إيراد منكم مع كفاية من نسائهم مزيد توبيخ للعرب وتقبيح لعادتهم في الظهار فانه كان من أيمان جاهليتهم خاصة دون سائر الأمم فلا يليق بهم بعد الإسلام أن يراعوا تلك العادة المستهجنة فكأنه قيل منكم على عادتكم القبيحة المستنكرة ويحتمل أن يكون لتخصيص نفع الحكم الشرعي للمؤمنين بالقبول والاقتداء به اى منكم أيها المؤمنون المصدقون بكلام الله المؤتمرون بأمر الله إذ الكافرون لا يستمعون الخطاب ولا يعملون بالصواب وفي من نسائهم اشارة الى أن الظهار لا يكون في الامة ومن ذلك قالوا ان للظهار ركنا وهو التشبيه المذكور وشرطا وهو أن يكون المشبه منكوحة حتى لا يصح من الامة وأهلا وهو من كان من اهل الكفارة حتى لا يصح للذمى والصبى والمجنون
وحكما وهو حرمة الوطئ حتى يكفر مع بقاء اصل الملك ما هُنَّ أُمَّهاتِهِمْ خبر للموصول اى ما نساؤهم أمهاتهم على الحقيقة فهو كذب بحت يعنى ان من يقول لامرأته أنت على كظهر أمي ملحق فى كلامه هذا للزوج بالأم وجاعلها مثلها وهذا تشبيه باطل لتباين الحالين وكانوا يريدون بالتشبيه الحرمة في المظاهر منها كالحرمة في الام تغليظا وتشديدا فان قيل فحاصل الظهار مثلا أنت محرمة على كما حرمت على أمي وليس فيه دعوى الامومة حتى تنفى وتثبت للوالدات يقال ان ذلك التحريم في حكم دعوى الامومة او أن المراد نفى المشابهة لكن نفى الامومة للمبالغة فيه إِنْ نافية بمعنى ما أُمَّهاتِهِمْ فى الحقيقة والصدق إِلَّا اللَّائِي جمع التي اى النساء اللاتي وَلَدْنَهُمْ اى ولدن المظاهرين فلا تشبه بهن في الحرمة الا من ألحقها الشرع بهن من ازواج النبي عليه السلام والمرضعات ومنكوحات الآباء لكرامتهن وحرمتهن فدخلن بذلك في حكم الأمهات واما الزوجات فأبعد شيء من الامومة فلا تلحق بهن بوجه من الوجوه وَإِنَّهُمْ اى وان المظاهرين منكم لَيَقُولُونَ يقولهم ذلك مُنْكَراً مِنَ الْقَوْلِ على ان مناط التأكيد ليس صدور القول عنهم فان أمر محقق بل كونه منكرا اى عند الشرع وعند العقل والطبع ايضا كما يشعر به تنكيره وذلك لان زوجته ليست بامه حقيقة ولا ممن ألحقه الشرع بها فكان التشبيه بها الحاقا لأحد بالمتباينين بالآخر فكان منكرا مطلقا غير معروف وَزُوراً اى كذبا باطلا منحرفا عن الحق فان الزور بالتحريك الميل فقيل للكذب زور بالضم لكونه مائلا عن الحق قال بعضهم ولعل قوله وزورا من قبيل عطف السبب على المسبب فان قلت قوله أنت على كظهر أمي إنشاء لتحريم الاستمتاع بها وليس بخبر والا نشاء لا يوصف بالكذب قلت هذا الإنشاء يتضمن الحاق الزوجة المحللة بالأم المحرمة ابدا وهذا الحاق مناف لمقتضى الزوجية فيكون كاذبا وعن أبى بكر رضى الله عنه انه قال قال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم ألا أنبئكم بأكبر الكبائر قلنا بلى يا رسول الله قال الإشراك