
الضمير في نبرأها للأنفس وهو اختيار الفراء (١). وذكر أيضًا الضمير للأرض والأنفس جميعًا (٢)، وعن ابن عباس أيضًا أنها للمصيبة (٣).
قوله تعالى: ﴿إِنَّ ذَلِكَ عَلَى اللَّهِ يَسِيرٌ﴾ قال ابن عباس: إن حفظ ذلك على الله هين (٤). وهذا كقوله تعالى: ﴿وَمَا يُعَمَّرُ مِنْ مُعَمَّرٍ وَلَا يُنْقَصُ مِنْ عُمُرِهِ إِلَّا فِي كِتَابٍ إِنَّ ذَلِكَ عَلَى اللَّهِ يَسِيرٌ﴾ [فاطر: ١١] والمعنى أن إثبات ذلك على كثرته يسير هين على الله.
٢٣ - قوله: ﴿لِكَيْلَا تَأْسَوْا عَلَى مَا فَاتَكُمْ﴾ هذا يدل على قول الشعبي إن المصيبة تكون من خير وشر؛ لأن الله تعالى ذكر في هذه الآية الحزن والفرح جميعًا، وهذه اللام تجعل أول الكلام سببًا لآخره، كما تقول: قمت لأضربك، بينت باللام أن القيام سبب للضرب وفي هذه الآية ليس الأمر على ذلك؛ لأن إثبات الله تعالى للحوادث والكائنات قبل خلقها لو كان سببًا لنفي الحزن والفرح ما فرح أحد ولا حزن، ولا وجد فرح ولا حزن، ولكن اللام تتعلق بإخبار الله تعالى إيانا بانقضائه وسبق قدره وبالكائنات، وذلك يوجب نفي الفرح والحزن وكأنه قيل: أخبرناكم بهذا لكيلا تأسوا، وحذف ذلك؛ لأن المشاهدة أغنت عنه وهذا معنى ما ذكره صاحب النظم (٥).
(٢) انظر: "معالم التنزيل" ٤/ ٢٩٩، و"التفسير الكبير" ٢٩/ ٢٣٧.
(٣) انظر: "الكشف والبيان" ١٢/ ٦٩ أ، و"التفسير الكبير" ٢٩/ ٢٣٧، و"الجامع لأحكام القرآن" ١٧/ ٢٥٧.
(٤) انظر: "معالم التنزيل" ٤/ ٢٩٩، و"تفسير القرآن العظيم" ٤/ ٣١٤.
(٥) انظر: "التفسير الكبير" ٢٩/ ٢٣٨.

والذي يوجب نفي الأسى والفرح من هذا أن الإنسان إذا علم أن ما قضي عليه من مفرح (١) أو محزن سيصيبه لا محالة قَلَّ فرحه وحزنه لاستشعاره العلم بذلك قبل وقوعه.
قوله تعالى: ﴿مَا آتَاكُمْ﴾ قراءة العامة بالمد من الإيتاء، وقرأ أبو عمرو مقصورًا من الإتيان (٢) عادل به ﴿فَاتَكُمْ﴾ فكما أن الفعل للفائت في قوله: ﴿فَاتَكُمْ﴾ كذلك يكون الفعل الذي في قوله: ﴿مَا آتَاكُمْ﴾ والعائد إلى الموصول من الكلمتين الذكر المرفوع بأنه فاعل، ووجه قراءة العامة أن الخير الذي يأتيهم هو مما يعطيه الله فإذا قد كان ذلك منسوبًا إلى الله وهو المعطي لذلك، ويكون فاعل الفعل في (آتاكم) ضميرًا عائدًا إلى اسم الله، والهاء محذوفة من الصلة تقديره: بما آتاكموه (٣).
قال المبرد: المعنى في قوله: ﴿لِكَيْلَا تَأْسَوْا عَلَى مَا فَاتَكُمْ وَلَا تَفْرَحُوا بِمَا آتَاكُمْ﴾ أي لا يكون منكم في هذا ولا في هذا ما يجاوز مقدار ما ينبغي فيه (٤).
وشرحه الزجاج فقال: معناه: لا تحزنوا حزنًا يطغيكم حتى يخرجكم إلى أن تلزموا أنفسكم الهلكة، ولا تعتدوا بثواب ما تسلبونه وما فاتكم،
(٢) قرأ الجمهور ﴿آتَاكُمْ﴾ بالمد، وقرأ أبو عمرو ﴿أَتَاكُمْ﴾ انظر: "النشر" ٢/ ٣٨٤، و"الإتحاف" ص ٤١١.
(٣) انظر: "الحجة للقراء السبعة" ٦/ ٢٧٥ - ٢٧٦، و"حجة القراءات" ص ١٠٧ - ٢٠٧.
(٤) انظر: "التفسير الكبير" ٢٩/ ٢٣٩، والظاهر أن الرازي رحمه الله خلط بين كلام المبرد وكلام الزجاج حيث ذكر ما شرح به الزجاج كلام المبرد ونسبه للمبرد، والصواب ما ذكره المؤلف هنا.