
فمعناه: إن المؤمنين من الرجال، والمؤمنات من النساء، فمن صدق الله ورسوله ورضي بما جاء به النبيّ صلّى الله عليه وسلم. ومن قرأ: بالتشديد. يعني: المتصدقين من الرجال، والمتصدقات من النساء، فأدغمت التاء في الصاد، وشددت. وَأَقْرَضُوا اللَّهَ قَرْضاً حَسَناً يعني: يتصدقون، محتسبين بطبيعة أنفسهم، صادقين من قلوبهم يُضاعَفُ لَهُمْ الحسنات، والثواب بكل واحد عشرة إلى سبعمائة، إلى ما لا يحصى، وَلَهُمْ أَجْرٌ كَرِيمٌ يعني: ثواباً حسناً في الجنة.
ثم قال عز وجل: وَالَّذِينَ آمَنُوا بِاللَّهِ وَرُسُلِهِ يعني: صدّقوا بتوحيد الله، وصدقوا بجميع الرسل، أُولئِكَ هُمُ الصِّدِّيقُونَ والصدِّيق: اسم المبالغة في الفعل. يقال: رجل صدِّيق، كثير الصدق. وقال ابن عباس رضي الله عنه: فمن آمن بالله ورسله فهو من الصدِّيقين.
ثم قال: وَالشُّهَداءُ عِنْدَ رَبِّهِمْ قال مقاتل: هذا استئناف فقال: الشُّهَداءُ يعني: من استشهد عند ربهم. يعني: يطلب شهادة على الأمم لَهُمْ أَجْرُهُمْ يعني: ثوابهم وَنُورُهُمْ ويقال: هذا بناء على الأول. يعني: أُولئِكَ هُمُ الصِّدِّيقُونَ وَالشُّهَداءُ عِنْدَ رَبِّهِمْ يشهدون للرسل بتبليغ الرسالة. ويقال: معناه أُوْلَئِكَ هُمُ الصديقون وَأُوْلَئِكَ هُمُ الشهداء عند ربهم، ويكون لهم أجرهم، ونورهم. قال مجاهد: كل مؤمن صديق، شهيد.
ثم وصف حال الكفار فقال عز وجل: وَالَّذِينَ كَفَرُوا يعني: بوحدانية الله تعالى وَكَذَّبُوا بِآياتِنا يعني: جحدوا بالقرآن أُولئِكَ أَصْحابُ الْجَحِيمِ.
[سورة الحديد (٥٧) : الآيات ٢٠ الى ٢٣]
اعْلَمُوا أَنَّمَا الْحَياةُ الدُّنْيا لَعِبٌ وَلَهْوٌ وَزِينَةٌ وَتَفاخُرٌ بَيْنَكُمْ وَتَكاثُرٌ فِي الْأَمْوالِ وَالْأَوْلادِ كَمَثَلِ غَيْثٍ أَعْجَبَ الْكُفَّارَ نَباتُهُ ثُمَّ يَهِيجُ فَتَراهُ مُصْفَرًّا ثُمَّ يَكُونُ حُطاماً وَفِي الْآخِرَةِ عَذابٌ شَدِيدٌ وَمَغْفِرَةٌ مِنَ اللَّهِ وَرِضْوانٌ وَمَا الْحَياةُ الدُّنْيا إِلاَّ مَتاعُ الْغُرُورِ (٢٠) سابِقُوا إِلى مَغْفِرَةٍ مِنْ رَبِّكُمْ وَجَنَّةٍ عَرْضُها كَعَرْضِ السَّماءِ وَالْأَرْضِ أُعِدَّتْ لِلَّذِينَ آمَنُوا بِاللَّهِ وَرُسُلِهِ ذلِكَ فَضْلُ اللَّهِ يُؤْتِيهِ مَنْ يَشاءُ وَاللَّهُ ذُو الْفَضْلِ الْعَظِيمِ (٢١) مَا أَصابَ مِنْ مُصِيبَةٍ فِي الْأَرْضِ وَلا فِي أَنْفُسِكُمْ إِلاَّ فِي كِتابٍ مِنْ قَبْلِ أَنْ نَبْرَأَها إِنَّ ذلِكَ عَلَى اللَّهِ يَسِيرٌ (٢٢) لِكَيْلا تَأْسَوْا عَلى مَا فاتَكُمْ وَلا تَفْرَحُوا بِما آتاكُمْ وَاللَّهُ لاَ يُحِبُّ كُلَّ مُخْتالٍ فَخُورٍ (٢٣)

ثم قال عز وجل: اعْلَمُوا أَنَّمَا الْحَياةُ الدُّنْيا لَعِبٌ وَلَهْوٌ يعني: باطلاً، ولهواً. يعني:
فرحاً يلهون فيها وَزِينَةٌ يعني: زينة الدنيا وَتَفاخُرٌ بَيْنَكُمْ عن الحسب وَتَكاثُرٌ فِي الْأَمْوالِ وَالْأَوْلادِ تفتخرون بذلك. وروى إبراهيم، عن علقمة، عن عبد الله، عن النبي صلّى الله عليه وسلم أنه قال:
«مَا لِي وَلِلدُّنْيَا، إنَّمَا مَثَلِي وَمَثَلُ الدُّنْيَا كَمَثَلِ رَاكِبٍ قَامَ فِي ظِلِّ شَجَرَةٍ فِي يَوْمٍ صَائِفٍ، ثُمَّ رَاحَ وَتَرَكَهَا».
ثم ضرب للدنيا مثلاً آخر فقال: كَمَثَلِ غَيْثٍ يعني: كمثل مطر نزل من السماء فينبت به الزرع، والنبات، أَعْجَبَ الْكُفَّارَ نَباتُهُ يعني: فرح الزارع بنباته، ويقال: أَعْجَبَ الْكُفَّارَ يعني: الكفار بالله، لأنهم أشد إعْجاباً بزينة الدنيا من المؤمنين. ويقال: الْكُفَّارَ كناية عن الزراع، لأن الكَفْر في اللغة هو التغطية، ولهذا سمي الكافر كافراً لأنه يغطي الحق بالباطل.
فسمي الزراع كفاراً لأنهم يغطون الحب تحت الأرض، وليس ذلك الكفر الذي هو ضد الإيمان، والطريقة الأولى أحسن إن أراد به الكفار، لأن ميلهم إلى الدنيا أشد ثُمَّ يَهِيجُ يعني: ييبس فيتغير فَتَراهُ مُصْفَرًّا بعد خضرته ثُمَّ يَكُونُ حُطاماً يعني: يابساً. ويقال:
حُطاماً يعني: هالكاً، فشبّه الدنيا بذلك، لأنه لا يبقى ما فيها، كما لا يبقى هذا النبت فِي الْآخِرَةِ عَذابٌ شَدِيدٌ لمن افتخر بالدنيا، واختارها وَمَغْفِرَةٌ مِنَ اللَّهِ وَرِضْوانٌ لمن ترك الدنيا، واختار الآخرة على الدنيا. ويقال: عذاب شديد لأعدائه، ومغفرة من الله لأوليائه.
ثم قال: وَمَا الْحَياةُ الدُّنْيا إِلَّا مَتاعُ الْغُرُورِ يعني: كمتاع الغرور، يعني: كالمتاع الذي يتخذ من الزجاج، والخزف، يسرع إلى الفناء ولا يبقى.
ثم قال عز وجل: سابِقُوا إِلى مَغْفِرَةٍ مِنْ رَبِّكُمْ يعني: سارعوا بالأعمال الصالحة.
ويقال: بادروا بالتوبة. وقال مكحول: سابقوا إلى تكبيرة الافتتاح وَجَنَّةٍ يعني: إلى جنة عَرْضُها كَعَرْضِ السَّماءِ وَالْأَرْضِ يعني: لو ألصقت بعضها على بعض. يعني: سبع سموات، وسبع أرضين، ومدت مد الأديم، لكان عرض الجنة أوسع من ذلك وإنما بين عرضها، ولم يبين طولها. ويقال: لو جعلت السموات والأرض لكانت الجنة بعد ذلك. هذا مثل يعني: إنها أوسع شيء رأيتموه أُعِدَّتْ لِلَّذِينَ آمَنُوا بِاللَّهِ وَرُسُلِهِ يعني: خلقت، وهيئت للذين صدقوا بوحدانية الله تعالى، وصدقوا برسله، ذلِكَ فَضْلُ اللَّهِ يعني: ذلك الثواب فضل الله على العباد يُؤْتِيهِ مَنْ يَشاءُ يعني: يعطيه من يشاء من عباده، وهم المؤمنون، وَاللَّهُ ذُو الْفَضْلِ الْعَظِيمِ يعني: ذو العطاء العظيم، وذو المَنّ الجسيم.
قوله تعالى: مَا أَصابَ مِنْ مُصِيبَةٍ فِي الْأَرْضِ وَلا فِي أَنْفُسِكُمْ يعني: من قحط المطر، وغلاء السعر، وقلة النبات، ونقص الثمار، وَلا فِي أَنْفُسِكُمْ من البلايا، والأمراض، والأوجاع. إِلَّا فِي كِتابٍ يعني: إلا في اللوح المحفوظ مِنْ قَبْلِ أَنْ نَبْرَأَها يعني: من