
الآن!! ألم يأن لنا أن نعود إلى القرآن!، ألم يأن للمسلمين جميعا في مشارق الأرض ومغاربها أن يهتدوا إلى الحق، وإلى الصراط المستقيم! ألم يأن لهم أن يثوبوا إلى رشدهم، ويعودوا إلى صوابهم مرة ثانية؟؟ ولا غرابة في ذلك، ولا عجب فالله يحيى الأرض الجدبة بعد موتها بالنبات والزرع، وهو القادر على أن يحيى القلوب الميتة بالصدق والإخلاص وحسن الخشوع، وقوة الإيمان، قد بين الله لكم الآيات لعلكم تعقلون.
إن الذين تصدقوا من الرجال والنساء، وأقرضوا الله قرضا حسنا، حيث بذلوا أموالهم خالصة لوجه الله، لا يريدون جزاء ولا شكورا، هؤلاء يضاعف لهم أجرهم أضعافا، ويعطون في مقابلة الحسنة عشر أمثالها، وقد يزاد على ذلك إلى سبعمائة ضعف، ولهم أجر كريم، وثواب جزيل، والذين آمنوا بالله ورسوله إيمانا صادقا كاملا أولئك- والإشارة إلى بعد مرتبتهم وكمال جزائهم- هم الصديقون والشهداء عند ربهم أى: أولئك عند ربهم وفي حكمه بمنزلة الصديقين والشهداء المشهورين بعلو الرتبة ورفعة المحل، والصديقون هم الذين سبقوا إلى الإيمان ورسخوا فيه، والشهداء هم الذين استشهدوا في سبيل الله، وسموا بذلك لأن الله والملائكة شهدوا لهم بالجنة، وقيل: لأنهم أحياء فهم شهود، لهم أجرهم الكامل ونورهم الذي يسعى بين أيديهم وبأيمانهم.
والذين كفروا بالله ورسوله، وكذبوا بآياته القرآنية، والكونية، أولئك- والإشارة لبعد منزلتهم في النار- أصحاب النار الخالدون فيها الملازمون لها، وهي لهم وبئس القرار قرارهم.
حقيقة الدنيا والآخرة [سورة الحديد (٥٧) : الآيات ٢٠ الى ٢١]
اعْلَمُوا أَنَّمَا الْحَياةُ الدُّنْيا لَعِبٌ وَلَهْوٌ وَزِينَةٌ وَتَفاخُرٌ بَيْنَكُمْ وَتَكاثُرٌ فِي الْأَمْوالِ وَالْأَوْلادِ كَمَثَلِ غَيْثٍ أَعْجَبَ الْكُفَّارَ نَباتُهُ ثُمَّ يَهِيجُ فَتَراهُ مُصْفَرًّا ثُمَّ يَكُونُ حُطاماً وَفِي الْآخِرَةِ عَذابٌ شَدِيدٌ وَمَغْفِرَةٌ مِنَ اللَّهِ وَرِضْوانٌ وَمَا الْحَياةُ الدُّنْيا إِلاَّ مَتاعُ الْغُرُورِ (٢٠) سابِقُوا إِلى مَغْفِرَةٍ مِنْ رَبِّكُمْ وَجَنَّةٍ عَرْضُها كَعَرْضِ السَّماءِ وَالْأَرْضِ أُعِدَّتْ لِلَّذِينَ آمَنُوا بِاللَّهِ وَرُسُلِهِ ذلِكَ فَضْلُ اللَّهِ يُؤْتِيهِ مَنْ يَشاءُ وَاللَّهُ ذُو الْفَضْلِ الْعَظِيمِ (٢١)

المفردات:
لَعِبٌ وَلَهْوٌ: هما شيء واحد، وقيل: اللعب: ما رغب في الدنيا، واللهو:
ما شغل عن الآخرة. وَزِينَةٌ الزينة: ما يتزين به من اللباس والحلي ونحوها.
وَتَفاخُرٌ: التباهي بالأموال والأولاد. غَيْثٍ: مطر. الْكُفَّارَ أى:
الزراع. وسمى الزارع كافرا لأنه يستر البذر في الأرض وقيل: هم غير المسلمين.
يَهِيجُ: يتحرك إلى أقصى ما يتأتى له. حُطاماً أى: هشيما متكسرا من اليبس.
المعنى:
الدنيا الغرور هي سبب البعد عن الدين، الدنيا الفانية هي التي يؤثرها ضعفاء العقول والنفوس على الآخرة الباقية، وهي سبب الإعراض عن الله، والبعد عن الخشوع، وحبها رأس كل خطيئة، وهي مركب الشيطان بها يعد الإنسان بالفقر ويأمره بالفحشاء والله يعدكم مغفرة منه وفضلا، فالدنيا هي سبب قسوة القلب، وتغيير الذمم، وتحريف أهل الكتاب الكلم من بعد مواضعه، وهي التي تدعو إلى الشح وعدم البذل، هذه الدنيا ما هي!! أليس من الخير أن نعرفها على حقيقتها.
اعلموا أيها الناس أن الدنيا عرض زائل، ومتاع حائل كل ما فيها لعب يتعب صاحبه، ولا خير فيه كلعب الصبيان، وكل ما فيها لهو يشغل الإنسان عما ينفعه

ويفيده، وهي لعب ولهو، ومتاعها زينة يتزيا به الجهلاء والكفار، مع أن زينة العقلاء السعداء هي إيمان راسخ، ويقين ثابت وذكر صاحب النعم وإيمان بوجوده وجودا ذاتيا كاملا وإيمانه بكتبه ورسله واليوم الآخر ذلك هو الإيمان وتلك زينة المؤمنين بالله ورسله وهي كذلك تفاخر بالأحساب والأنساب وتكاثر في جمع الأموال والأولاد هذه هي مشاغل الدنيا الفانية الزائلة فكل ما يشغل عن الآخرة فهو الدنيا أما الدنيا عند المؤمن الصحيح فهي قنطرة الآخرة وممر لها يعمل فيها وينتفع ببعض مباهجها وزينتها ولكنه دائما يذكر الله ولا ينساه، ويستعين بالدنيا على تحصيل الثواب والأجر الذي ينفعه يوم لا ينفع مال ولا بنون إلا من أتى الله بقلب سليم.
هذه الدنيا الفارغة سريعة الزوال والانصرام. فهي كمثل غيث نزل بأرض فأنتج زرعا أعجب الكفار نباته أما المسلمون حقا فهم لا يعجبون به ولا يغترون بل إذا رأوه قالوا: ما شاء الله ولا قوة إلا بالله! وذكرهم هذا بربهم الواحد الأحد.
عيون من لجين شاخصات | على أطرافها ذهب سبيك |
على قضب الزبرجد شاهدات | بأن الله ليس له شريك |
هكذا الدنيا تقبل سريعة ثم تزداد وتقوى زمنا يسيرا ثم تراها وقد انفضت من حولك أو خرجت منها، كما يخرج الإنسان من الدنيا صفر اليدين إلا من العمل الصالح.
وفي الآخرة عذاب شديد للعصاة والمذنبين، وفيها مغفرة ورضوان من الله كبير وما الحياة الدنيا إلا متاع يغتر به من يطمئن له.
سابقوا أيها العقلاء إلى ما يكون سببا للمغفرة «١» والرضوان من ربكم، وسارعوا مسارعة السابقين إلى جنة عرضها كعرض السماء والأرض، أعدت للذين آمنوا بالله