
أبلغ، ومن رأى أنه قصد قصد السور الذي هو الحجي، قال: إن ذلك إذا تواضع فغيره من المباني أحرى بالتواضع.
قال القاضي أبو محمد: فإذا كان السور في البيت محتملا للوجهين فليس هو في قوة مر الرياح وصدر القناة وغير ذلك مما هو مذكر محض استفاد التأنيث مما أضيف إليه.
وقوله تعالى: باطِنُهُ فِيهِ الرَّحْمَةُ أي جهة المؤمنين، وَظاهِرُهُ جهة المنافقين، والظاهر هنا البادي، ومنه قول: من ظاهر مدينة كذا، وقوله تعالى: يُنادُونَهُمْ معناه: ينادي المنافقون المؤمنين أَلَمْ نَكُنْ مَعَكُمْ في الدنيا؟ فيرد المؤمنون عليهم: بَلى كنتم معنا، ولكنكم عرضتم أنفسكم للفتنة، وهو حب العاجل والقتال عليه، قال مجاهد: فَتَنْتُمْ أَنْفُسَكُمْ بالنفاق. وَتَرَبَّصْتُمْ معناه هنا: بأمانكم «فأبطأتم» به حتى متم. وقال قتادة معناه: تربصتم بنا وبمحمد عليه السلام الدوائر وشككتم في أمر الله.
والارتياب: التشكك. و: الْأَمانِيُّ التي غرتهم هي قولهم: سيهلك محمد هذا العام ستهزمه قريش، ستأخذه الأحزاب، إلى غير ذلك من أمانيهم، وطول الأمل غرار لكل أحد، وأَمْرُ اللَّهِ الذي جاءَ هو الفتح وظهور الإسلام، وقيل هو موت المنافقين وموافاتهم على هذه الحال الموجبة للعذاب و: الْغَرُورُ الشيطان بإجماع من المتأولين.
وقرأ سماك بن حرب بضم الغين، وأبو حيوة. وينبغي لكل مؤمن أن يعتبر هذه الآية في نفسه وتسويفه في توبته.
قوله عز وجل:
[سورة الحديد (٥٧) : الآيات ١٥ الى ١٧]
فَالْيَوْمَ لا يُؤْخَذُ مِنْكُمْ فِدْيَةٌ وَلا مِنَ الَّذِينَ كَفَرُوا مَأْواكُمُ النَّارُ هِيَ مَوْلاكُمْ وَبِئْسَ الْمَصِيرُ (١٥) أَلَمْ يَأْنِ لِلَّذِينَ آمَنُوا أَنْ تَخْشَعَ قُلُوبُهُمْ لِذِكْرِ اللَّهِ وَما نَزَلَ مِنَ الْحَقِّ وَلا يَكُونُوا كَالَّذِينَ أُوتُوا الْكِتابَ مِنْ قَبْلُ فَطالَ عَلَيْهِمُ الْأَمَدُ فَقَسَتْ قُلُوبُهُمْ وَكَثِيرٌ مِنْهُمْ فاسِقُونَ (١٦) اعْلَمُوا أَنَّ اللَّهَ يُحْيِ الْأَرْضَ بَعْدَ مَوْتِها قَدْ بَيَّنَّا لَكُمُ الْآياتِ لَعَلَّكُمْ تَعْقِلُونَ (١٧)
قوله تعالى: فَالْيَوْمَ لا يُؤْخَذُ استمرار في مخاطبة المنافقين. قاله قتادة وغيره: وروي في معنى قوله: وَلا مِنَ الَّذِينَ كَفَرُوا حديث، وهو أن الله تعالى يقرر الكافرين فيقول له: أرأيتك لو كان لك أضعاف الدنيا أكنت تفتدي بجميع ذلك من عذاب النار؟ فيقول: نعم يا رب، فيقول الله تعالى: قد سألتك ما هو أيسر من هذا وأنت في صلب أبيك آدم أن لا تشرك بي فأبيت إلا الشرك.
وقرأ جمهور القراء والناس: «يؤخذ» بالياء من تحت. وقرأ أبو جعفر القارئ: «تؤخذ» بالتاء من فوق، وهي قراءة ابن عامر في رواية هشام عنه، وهي قراءة الحسن وابن أبي إسحاق والأعرج وقوله: هِيَ مَوْلاكُمْ قال المفسرون معناه: هي أولى بكم، وهذا تفسير بالمعنى، وإنما هي

استعارة، لأنها من حيث تضمنهم وتباشرهم هي تواليهم وتكون لهم مكان المولى، وهذا نحو قول الشاعر [عمرو بن معد يكرب] :[الوافر] تحية بينهم ضرب وجميع وقوله تعالى: أَلَمْ يَأْنِ الآية ابتداء معنى مستأنف، وروي أنه كثر المزاح والضحك في بعض تلك المدة في قوم من شبان المسلمين فنزلت هذه الآية. وقال ابن مسعود: مل الصحابة ملة فنزلت الآية.
ومعنى: أَلَمْ يَأْنِ ألم يحن، ويقال: أنى الشيء يأني، إذا حان ومنه قول الشاعر: [الوافر]
تمخضت المنون له بيوم | أنى ولكل حاملة تمام |
وهذه الآية على معنى الحض والتقريع، قال ابن عباس: عوتب المؤمنون بهذه الآية بعد ثلاث عشرة سنة من نزول القرآن، وسمع الفضل بن موسى قارئا يقرأ هذه الآية، والفضل يحاول معصية، فكانت الآية سبب توبته. وحكى الثعلبي عن ابن المبارك أنه في صباه حرك العود ليضربه، فإذا به قد نطق بهذه الآية، فتاب ابن المبارك وكسر العود وجاء التوفيق. والخشوع: الإخبات والتطامن، وهي هيئة تظهر في الجوارح متى كانت في القلب، فلذلك خص تعالى القلب بالذكر. وروى شداد بن أوس عن النبي ﷺ أنه قال: «أول ما يرفع من الناس الخشوع».
وقوله تعالى: لِذِكْرِ اللَّهِ أي لأجل ذكر الله ووحيه الذي بين أظهرهم، ويحتمل أن يكون المعنى:
لأجل تذكير الله إياهم وأوامره فيهم.
وقرأ عاصم في رواية حفص ونافع: «وما نزل» مخفف الزاي. وقرأ الباقون وأبو بكر عن عاصم:
«نزّل» بشد الزاي على معنى: نزّل الله من الحق. وقرأ أبو عمرو في رواية عباس وهي قراءة الجحدري وابن القعقاع: «نزّل» بكسر الزاي وشدها. وقرأ نافع وأبو عمرو والأعرج وأبو جعفر: «ولا يكونوا» بالياء على ذكر الغيب. وقرأ حمزة فيما روى عنه سليم: «ولا تكونوا» بالتاء على مخاطبة الحضور.
والإشارة في قوله: أُوتُوا الْكِتابَ إلى بني إسرائيل المعاصرين لموسى عليه السلام، وذلك قال:
مِنْ قَبْلُ وإنما شبه أهل عصر نبي بأهل عصر نبي. و: الْأَمَدُ قيل معناه: أمد انتظار الفتح، وقيل أمد انتظار القيامة وقيل أمد الحياة. و: (قست) معناه: صلبت وقل خيرها وانفعالها للطاعات وسكنت إلى معاصي الله، ففعلوا من العصيان والمخالفة ما هو مأثور عنهم.
وقوله تعالى: اعْلَمُوا أَنَّ اللَّهَ يُحْيِ الْأَرْضَ بَعْدَ مَوْتِها الآية مخاطبة لهؤلاء المؤمنين الذين ندبوا إلى الخشوع، وهذا ضرب مثل واستدعاء إلى الخير، رقيق وتقريب بليغ، أي لا يبعد عنكم أيها التاركون للخشوع رجوعكم إليه وتلبسكم به، «فإن الله يحيي الأرض بعد موتها»، فكذلك يفعل بالقلوب، يردها إلى الخشوع بعد بعدها عنه، وترجع هي إليه إذا وقعت الإنابة والتكسب من العبد بعد نفورها منه كما تحيى الأرض بعد أن كانت ميتة غبراء. وباقي الآية بين جدا. صفحة رقم 264