آيات من القرآن الكريم

اعْلَمُوا أَنَّ اللَّهَ يُحْيِي الْأَرْضَ بَعْدَ مَوْتِهَا ۚ قَدْ بَيَّنَّا لَكُمُ الْآيَاتِ لَعَلَّكُمْ تَعْقِلُونَ
ﮰﮱﯓﯔﯕﯖﯗﯘﯙﯚﯛﯜﯝﯞﯟﯠﯡﯢﯣﯤﯥﯦﯧﯨﯩﯪﯫﯬﯭﯮ ﯰﯱﯲﯳﯴﯵﯶﯷﯸﯹﯺﯻﯼﯽ ﯿﰀﰁﰂﰃﰄﰅﰆﰇﰈﰉﰊ ﭑﭒﭓﭔﭕﭖﭗﭘﭙﭚﭛﭜﭝﭞﭟﭠﭡﭢﭣﭤﭥﭦ

[سورة الحديد (٥٧) : آية ١٦]

أَلَمْ يَأْنِ لِلَّذِينَ آمَنُوا أَنْ تَخْشَعَ قُلُوبُهُمْ لِذِكْرِ اللَّهِ وَما نَزَلَ مِنَ الْحَقِّ وَلا يَكُونُوا كَالَّذِينَ أُوتُوا الْكِتابَ مِنْ قَبْلُ فَطالَ عَلَيْهِمُ الْأَمَدُ فَقَسَتْ قُلُوبُهُمْ وَكَثِيرٌ مِنْهُمْ فاسِقُونَ (١٦)
وقوله تعالى: أَلَمْ يَأْنِ: ابتداء معنى مستأنف، ومعنى أَلَمْ يَأْنِ: ألم يَحِنْ يقال: أنى الشَّيْءُ يأني إذَا حَانَ، وفي الآية معنى الحَضِّ والتقريع، قال ابن عباس: عُوتِبَ المؤمنون بهذه الآية «١»، وهذه الآية كانت سَبَبَ توبة الفُضَيْلِ وابن المبارك، والخشوع:
الإخبات والتضامن/ وهي هيئة تظهر في الجوارحَ متى كانت في القلب ولذلك خَصَّ تعالى القلبَ بالذكر، وروى شداد بن أوس عن النبي صلّى الله عليه وسلّم أَنَّه قال: «أَوَّلُ مَا يُرْفَعُ مِنَ النَّاسِ الخُشُوعُ» «٢».
وقوله تعالى: لِذِكْرِ اللَّهِ أي: لأجل ذكر اللَّه تعالى ووحيه، أو لأجل تذكير اللَّه إيَّاهم وأوامره فيهم، والإشارة في قوله: أُوتُوا الْكِتابَ إلى بني إسرائيل المعاصرين لموسى ع ولذلك قال: مِنْ قَبْلُ وَإنَّما شَبَّه أهل عصر نبيٍّ [بأهل عصر نبيٍّ].
وقوله: فَطالَ عَلَيْهِمُ الْأَمَدُ قيل: معناه: أَمد الحياة، وقيل: أمد انتظار القيامة، قال الفخر «٣» : وقال مقاتل بن حيان: الأمد هنا: الأمل، أي: لما طالت آمالُهم، لا جَرَمَ قَسَتْ قلوبهم، انتهى، وباقي الآية بيّن.
[سورة الحديد (٥٧) : الآيات ١٧ الى ١٩]
اعْلَمُوا أَنَّ اللَّهَ يُحْيِ الْأَرْضَ بَعْدَ مَوْتِها قَدْ بَيَّنَّا لَكُمُ الْآياتِ لَعَلَّكُمْ تَعْقِلُونَ (١٧) إِنَّ الْمُصَّدِّقِينَ وَالْمُصَّدِّقاتِ وَأَقْرَضُوا اللَّهَ قَرْضاً حَسَناً يُضاعَفُ لَهُمْ وَلَهُمْ أَجْرٌ كَرِيمٌ (١٨) وَالَّذِينَ آمَنُوا بِاللَّهِ وَرُسُلِهِ أُولئِكَ هُمُ الصِّدِّيقُونَ وَالشُّهَداءُ عِنْدَ رَبِّهِمْ لَهُمْ أَجْرُهُمْ وَنُورُهُمْ وَالَّذِينَ كَفَرُوا وَكَذَّبُوا بِآياتِنا أُولئِكَ أَصْحابُ الْجَحِيمِ (١٩)
٢٦٢، ٢٦٣)، و «شرح أبيات سيبويه» (٢/ ٢٠٠)، و «الكتاب» (٣/ ٥٠)، و «نوادر أبي زيد» ص:
(١٥٠)، وبلا نسبة في «أمالي ابن الحاجب» (١/ ٣٤٥)، و «الخصائص» (١/ ٣٦٨)، و «شرح المفصّل» (٢/ ٨٠)، و «الكتاب» (٢/ ٣٢٣)، و «المقتضب» (٢/ ٢٠، ٤/ ٤١٣).
(١) ذكره البغوي (٤/ ٢٩٧)، وابن عطية (٥/ ٢٦٤)، وابن كثير في «تفسيره» (٤/ ٣١٠)، والسيوطي في «الدر المنثور» (٦/ ٢٥٤)، وعزاه لابن أبي حاتم، وابن مردويه.
(٢) أخرجه الطبراني (٧/ ٣٥٤)، برقم: (٧١٨٣) من طريق عمران القطان عن قتادة عن الحسن عن شداد بن أوس به.
قال الهيثمي في «المجمع» : عمران بن داود القطان ضعفه ابن معين، والنسائي، ووثقه أحمد، وابن حبان.
(٣) ينظر: «تفسير الرازي» (٢٩/ ٢٠٠). [.....]

صفحة رقم 386

وقوله تعالى: اعْلَمُوا أَنَّ اللَّهَ يُحْيِ الْأَرْضَ بَعْدَ مَوْتِها... الآية، مخاطبة لهؤلاء المؤمنين الذين نُدِبُوا إلى الخشوع، وهذا ضرب مَثَلٍ، واستدعاء إلى الخير برفق وتقريب بليغ، أي: لا يبعد عندكم أَيُّها التاركون للخشوع رُجُوعُكُمْ إليه وتلبسكم به، فإنَّ اللَّه يحيي الأرضَ بعد موتها، فكذلك يفعل بالقلوب، يرُدُّهَا إلى الخشوع بعد بُعْدِهَا عنه، وترجع هي إليه إذا وقعت الإنابةُ والتَّكَسُّبُ من العبد بعد نفورها منه، كما يحيي الأرضَ بعد أَنْ كانت ميتة، وباقي الآية بين، والْمُصَّدِّقِينَ: يعني به المتصدقين، وباقي الآية بين.
ت: وقد جاءت آثار صحيحة في الحَضِّ على الصدقة، قد ذكرنا منها جملة في هذا المختصر، وأسند مالك في «الموطأ» عن النبي صلّى الله عليه وسلّم أَنَّهُ قال: «يَا نِسَاءَ المُؤْمِنَاتِ، لاَ تَحْقِرَنَّ إحْدَاكُنَّ لِجَارَتِهَا، وَلَوْ كُرَاعَ شَاةٍ مُحْرَقاً» «١» وفي «الموطأ» عنه صلّى الله عليه وسلّم/ «رُدُّواْ السَّائِلَ وَلَوْ بِظَلِفٍ مُحْْرَّقٍ» «٢» قال ابن عبد البر في «التمهيد» : ففي هذا الحديث الحَضُّ على الصدقة بكل ما أمكن من قليل الأشياء وكثيرها، وفي قول الله عز وجل: فَمَنْ يَعْمَلْ مِثْقالَ ذَرَّةٍ خَيْراً يَرَهُ [الزلزلة: ٧] : أوضح الدلائل في هذا الباب، وتصدقت عائشةُ- رضي اللَّه عنها- بحبتين من عنب، فنظر إليها بَعْضُ أهل بيتها فقالت: لا تَعْجَبْنَ فكم فيها من مثقال ذرة، ومن هذا الباب قوله صلّى الله عليه وسلّم: «اتَّقُوا النَّارَ، وَلَوْ بِشِقِّ تَمْرَةٍ، وَلَوْ بِكَلِمَةٍ طيّبة» «٣» وإذا كان الله عز وجل يُرْبي الصدقاتِ، ويأخذ الصدقةَ بيمينه فَيُرَبِّيَهَا، كما يُرَبِّي أَحَدُنَا فَلَوَّه أَوْ فَصِيلَهُ- فما بالُ مَنْ عَرَفَ هذا يَغْفُلُ عنه! وما التوفيق إلاَّ باللَّه، انتهى من «التمهيد»، وروى ابن المبارك في «رقائقه» قال: أخبرنا حرملة بن عمران أَنَّهُ سَمِعَ يزيد بن أبى حَبِيبٍ يحدّث

(١) أخرجه البخاري (١٠/ ٤٥٩)، كتاب «الأدب» باب: لا تحقرن جارة جارتها (٦٠١٧)، ومسلم (٢/ ٧١٤)، كتاب «الزكاة» باب: الحث على الصدقة ولو بالقليل (٩٠/ ١٠٣٠)، والترمذي (٤/ ٤٤١)، كتاب «الولاء والهبة» باب: في حث النبي صلّى الله عليه وسلّم على التهادي (٢١٣٠)، وأحمد (٢/ ٢٦٤، ٤٣٢، ٤٩٣، ٥٠٦)، والبيهقي (٤١/ ١٧٧) كتاب «الزكاة» باب: التحريض على الصدقة وإن قلت، (٦/ ١٦٩)، كتاب «الهبات» باب: التحريض على الهبة والهدية صلة بين الناس.
(٢) أخرجه النسائي (٥/ ٨١)، كتاب «الزكاة» باب: رد السائل (٢٥٦٥)، وأحمد (٤/ ٧٠)، والبيهقي (٤/ ١٧٧)، وابن حبان (٣/ ٧٢٣) - الموارد (٨٢٥)، وابن خزيمة (٤/ ١١١) (٢٤٧٢).
(٣) أخرجه البخاري (٣/ ٣٣٢)، كتاب «الزكاة» باب: اتقوا النار ولو بشق تمرة، والقليل من الصدقة (١٤١٧) (١١/ ٤٠٨) كتاب «الرقاق» باب: من نوقش الحساب عذب (٦٥٤٠)، (١٣/ ٤٨٢)، كتاب «التوحيد» باب: كلام الرب عز وجل يوم القيامة مع الأنبياء وغيرهم (٧٥١٢)، ومسلم (٢/ ٧٠٣)، كتاب «الزكاة» باب: الحث على الصدقة ولو بشق تمرة، أو كلمة طيبة، فإنها حجاب من النار (٦٦، ٧٧، ٧٨، ٦٨/ ١٠١٦)، وابن حبان (٢/ ٢٢٠)، كتاب «البر والإحسان» باب: حسن الخلق (٤٧٣)، (٢/ ٤٤٠) كتاب «الرقاق» باب: الخوف والتقوى (٦٦٦)، (٧/ ٤٣)، كتاب «الصلاة» باب: صلاة الجمعة (٢٨٠٤)، وأحمد (٤/ ٢٥٦)، والنسائي (٥/ ٧٥)، كتاب «الزكاة» باب: القليل من الصدقة (٢٥٥٣).

صفحة رقم 387

أَنَّ أبا الخَيْرِ حدَّثه: أنَّه سمع عقبة بن عامر يقول: سمعت رسول الله صلّى الله عليه وسلّم يقول: «كلّ امرئ فِي ظِلِّ صَدَقَتِهِ حَتَّى يُفْصَلَ بَيْنَ النَّاسِ» «١» قال يزيد: فكان أبو الخير لا يخطئه يومٌ إلاَّ تصدق فيه بشيء، ولو كَعْكَةً أو بصلة أو كذا، انتهى، والصِّدِّيقُونَ: بناء مبالغة من الصدق أو من التصديق على ما ذكر الزَّجَّاج «٢».
وقوله تعالى: وَالشُّهَداءُ عِنْدَ رَبِّهِمْ: اخْتُلِفَ في تأويله فقال ابن مسعود وجماعة:
وَالشُّهَداءُ: معطوف على: الصِّدِّيقُونَ والكلامُ متَّصل، ثم اختلفتْ هذه الفرقةُ في معنى هذا الاتصال، فقال بعضها: وَصَفَ اللَّه المؤمنين بأَنَّهم صديقون وشهداء، فَكُلُّ مؤمن شهيد/ قاله مجاهد «٣»، وروى البَرَاءُ بْنُ عَازِبٍ أَنَّ النبي صلّى الله عليه وسلّم قال: «مُؤْمِنُو أُمَّتِي شُهَدَاءُ، وَتَلاَ رَسُولُ اللَّهِ صلّى الله عليه وسلّم هذه الآية «٤» وإنّما خصّ صلّى الله عليه وسلّم ذكر الشهداء السبعة تشريفاً لهم لأَنَّهُم في أعلى رتب الشهادة أَلاَ ترى أَنَّ المقتولَ في سبيل اللَّه مخصوصٌ أيضاً من السبعة بتشريف ينفرد به، وقال بعضها: الشُّهَداءُ هنا: من معنى الشاهد لا من معنى الشهيد، فكأَنَّه قال: هم أهل الصدق والشهداءُ على الأمم، وقال ابن عباس، ومسروق، والضحاك «٥» : الكلام تامٌّ في قوله: الصِّدِّيقُونَ، وقوله: وَالشُّهَداءُ: ابتداءٌ مستأنف،

(١) أخرجه أحمد (٤/ ١٤٧- ١٤٨)، وأبو يعلى (٣/ ٣٠٠- ٣٠١) رقم (١٧٦٦)، وابن خزيمة (٤/ ٩٤) رقم: (٢٤٣١)، وابن حبان (٨١٧) - موارد، والحاكم (١/ ٤١٦)، والبيهقي (٤/ ١٧٧)، كتاب «الزكاة» باب: التحريض على الصدقة وإن قلّت، وأبو نعيم في «الحلية» (٨/ ١٨١)، والبغوي في «شرح السنة» (٣/ ٤٠٢) - بتحقيقنا، كلهم من طريق ابن المبارك وهو في «الزهد» له ص: (٢٢٧) رقم (٦٤٥) عن حرملة بن عمران عن يزيد بن أبي حبيب عن أبي الخير عن عقبة بن عامر قال: قال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم:
«الرجل في ظل صدقته حتى يقضى بين الناس وكان أبو الخير لا يأتي عليه يومٌ إلاَّ تصدق فيه بشيء ولو كَعْكَةً ولو بصلة.
وقال الحاكم: صحيحٌ على شرط مسلمٍ ولم يخرِّجاه، ووافقه الذهبي وصححه ابن خزيمة، وابن حبان.
وقال الهيثمي في «المجمع»
(٣/ ١١٣) : رواه أحمد وأبو يعلى والطبراني ورجال أحمد ثقات.
وصححه السيوطي في «الجامع الصغير» (٦٢٨٢)، وقال المناوي في «الفيض» (٥/ ١٣) : وقال- أي الذهبي- في «المهذب» : إسناده قوي.
(٢) ينظر: «معاني القرآن» (٥/ ١٢٦).
(٣) أخرجه الطبري (١١/ ٦٨٣)، برقم: (٣٣٦٥٢)، وذكره البغوي (٤/ ٢٩٨)، وابن عطية (٥/ ٢٦٥)، وابن كثير في «تفسيره» (٤/ ٣١٢)، والسيوطي في «الدر المنثور» (٦/ ٢٥٦)، وعزاه لعبد الرزاق، وعبد بن حميد.
(٤) ذكره السيوطي في «الدر المنثور» (٦/ ٢٥٦)، وعزاه لابن جرير.
(٥) أخرجه الطبري (١١/ ٦٨٣) عن ابن عبّاس برقم: (٣٣٦٤٦)، وعن مسروق برقم: (٣٣٦٤٧)، وعن الضحاك برقم: (٣٣٦٥٠)، وذكره البغوي (٤/ ٢٩٨)، وابن عطية (٥/ ٢٦٦)، وابن كثير في «تفسيره» (٤/ ٣١١)، والسيوطي في «الدر المنثور» (٦/ ٢٥٦)، وعزاه لابن جرير.

صفحة رقم 388
الجواهر الحسان في تفسير القرآن
عرض الكتاب
المؤلف
أبو زيد عبد الرحمن بن محمد بن مخلوف الثعالبي
تحقيق
عادل أحمد عبد الموجود
الناشر
دار إحياء التراث العربي - بيروت
سنة النشر
1418
الطبعة
الأولى
عدد الأجزاء
1
التصنيف
التفسير
اللغة
العربية