آيات من القرآن الكريم

اعْلَمُوا أَنَّ اللَّهَ يُحْيِي الْأَرْضَ بَعْدَ مَوْتِهَا ۚ قَدْ بَيَّنَّا لَكُمُ الْآيَاتِ لَعَلَّكُمْ تَعْقِلُونَ
ﰐﰑﰒﰓﰔﰕﰖﰗﰘﰙﰚﰛ ﭑﭒﭓﭔﭕﭖﭗﭘﭙﭚﭛﭜﭝﭞﭟﭠﭡﭢﭣﭤﭥﭦﭧﭨ ﭪﭫﭬﭭﭮﭯﭰﭱﭲﭳﭴﭵﭶﭷﭸﭹﭺﭻﭼﭽﭾﭿﮀﮁﮂﮃﮄﮅ ﮇﮈﮉﮊﮋﮌﮍﮎﮏﮐﮑﮒﮓﮔﮕﮖﮗﮘﮙﮚﮛ ﮝﮞﮟﮠﮡﮢﮣﮤﮥﮦﮧﮨﮩﮪﮫﮬﮭﮮ ﮰﮱﯓﯔﯕﯖﯗﯘﯙﯚﯛﯜﯝﯞﯟﯠﯡﯢﯣﯤﯥﯦﯧﯨﯩﯪﯫﯬﯭﯮ ﯰﯱﯲﯳﯴﯵﯶﯷﯸﯹﯺﯻﯼﯽ ﯿﰀﰁﰂﰃﰄﰅﰆﰇﰈﰉﰊ ﭑﭒﭓﭔﭕﭖﭗﭘﭙﭚﭛﭜﭝﭞﭟﭠﭡﭢﭣﭤﭥﭦ ﭨﭩﭪﭫﭬﭭﭮﭯﭰﭱﭲﭳﭴﭵﭶﭷﭸﭹﭺﭻﭼﭽﭾﭿﮀﮁﮂﮃﮄﮅﮆﮇﮈﮉﮊﮋﮌﮍﮎﮏﮐﮑ

بعضهم إن هذه الآية تشير إلى فتح مكة اعلموا أنه لا يستوي منكم من قام بالإنفاق «وَقاتَلَ» قبله ممن أنفق وقاتل بعده إذ قد لا تكون حاجة ماسة بعد الفتح بسبب ما يفتحه الله عليهم من البلاد ويقيض عليهم من أبواب الرّزق وما يفيضه عليهم من المال بعد ذلك فلم يحتاجوا إليكم «أُولئِكَ» المقاتلون المنفقون حال الضّيق والشّدة والقلة والحاجة «أَعْظَمُ دَرَجَةً مِنَ الَّذِينَ أَنْفَقُوا مِنْ بَعْدُ وَقاتَلُوا» بعد الظّفر وكثرة المسلمين والمال «وَكُلًّا» من الفريقين «وَعَدَ اللَّهُ الْحُسْنى» المنزلة الحسنة التي لا أحسن منها وهي الجنّة ولكنها درجات متفاوتة بحسب الأعمال «وَاللَّهُ بِما تَعْمَلُونَ خَبِيرٌ» (١٠) نزلت هذه الآية في أبي بكر الصّديق لأنه أول من أسلم وأول من أنفق وأول من ذب عن رسول الله بنفسه وماله وأولها في حادثة الغار وآخرها في واقعة تبوك. روى البغوي بإسناد التغلبي عن ابن عمر قال كنت عند رسول الله ﷺ وعنده أبو بكر وعليه عباءة قد خللها في صدره بخلال، فنزل جبريل فقال مالي أرى أبا بكر عليه عباءة قد خللها في صدره بخلال فقال أنفق ماله عليّ قبل الفتح، قال فإن الله عز وجل يقول اقرأ عليه السّلام وقل له أرضا أنت عني في فقرك هذا أم ساخط يا أبا بكر فقال رسول الله ﷺ يا أبا بكر إن الله يقرؤك السّلام ويقول لك أراض أنت عني في فقرك هذا أم ساخط؟ فقال أبو بكر أأسخط على ربي إني على ربي راض إني على ربي راض، وهنا يقول المولوية إنه رضي الله عنه قام وفتل على رجل
واحدة فرحا بما سمعه عن ربه ولذلك جعلوا الفتلة بطريقتهم ولكن لم أقف على ما يؤيده.
قال تعالى «مَنْ ذَا الَّذِي يُقْرِضُ اللَّهَ قَرْضاً حَسَناً» عن طيب نفس. والمراد في هذا القرض الإنفاق في سبيل الله وسمي قرضا ليدل على التزام الجزاء «فَيُضاعِفَهُ لَهُ وَلَهُ أَجْرٌ كَرِيمٌ» (١١) زيادة على المضاعفة والأجر الكريم المفضي لدخول صاحبه إلى دار الكرامة عند ربه مع الشّهداء والصّالحين.
وأعلم أن القرض لا يكون حسنا إلّا إذا جمع فيه أحد عشر خصلة ١- أن يكون في المال الحلال ٢- أن يقرضه وهو محتاج إليه على حبه ٣- أن يكون للأحوج ٤- أن يكتمه ولا يتبعه بمن ولا أذى ٥- أن يقصد به وجه الله ابتغاء مرضاته ٦- أن

صفحة رقم 9

لا يرائي به النّاس ولا يقصد به السّمعة والصّيت ٧ أن يستحقر ما يقرضه لله مهما كان كثيرا بالنسبة لما أعده الله لما بمقابلته من الثواب ٨ أن يكون من أحسن ماله لقوله تعالى (لَنْ تَنالُوا الْبِرَّ حَتَّى تُنْفِقُوا مِمَّا تُحِبُّونَ) الآية ٩٢ من آل عمران المارة ٩- أن لا يرى حين تصدق غنى لنفسه وذلا للفقير ١٠- أن يكون عن طيب نفس ورغبة فيما أعده الله لمثله ١١- أن يحب أن يرزقه الله أكثر مما عنده لينفق أكثر مما أنفق ١٢- على الله أن يتقبلها منه ويثيب عليها ثوابا مضاعفا. واعلم أن الخلل الذي يحصل في الثلاثة الأوّل لا لعدم ثوابه بل لكونه يكون أقل أجرا لأن من أقرض من أحسن ماله أو أقرض وهو محتاج إليه أو أقرض غير الأحوج فله الجزاء الحسن عند الله أيضا لما فيه من قضاء حاجة المستقرض وهو المقصود من القرض قال تعالى أنظر أيها الإنسان «يَوْمَ تَرَى الْمُؤْمِنِينَ وَالْمُؤْمِناتِ» يوم القيامة «يَسْعى نُورُهُمْ بَيْنَ أَيْدِيهِمْ وَبِأَيْمانِهِمْ» على الصّراط المستقيم جزاء أعمالهم الحسنة وتقول لهم الملائكة «بُشْراكُمُ الْيَوْمَ جَنَّاتٌ» تدخلونها حال كونكم مكرمين «تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الْأَنْهارُ» وتكونون أبدا «خالِدِينَ فِيها ذلِكَ هُوَ الْفَوْزُ الْعَظِيمُ ١٢» في ذلك اليوم العظيم «يَوْمَ يَقُولُ الْمُنافِقُونَ وَالْمُنافِقاتُ لِلَّذِينَ آمَنُوا انْظُرُونا نَقْتَبِسْ مِنْ نُورِكُمْ قِيلَ» لهم من قبل الملائكة «ارْجِعُوا وَراءَكُمْ» لا تدنسوا للمؤمنين ارجعوا إلى الدّنيا واعملوا صالحا ليكون لكم مثل نورهم وهذا على سبيل الهتكم إذ لا سبيل إلى الرّجوع ارجعوا «فَالْتَمِسُوا نُوراً» لأنفسكم فيرجعون إلى الموقف وهو المحل الذي صاحب المؤمنين منه نورهم ليطلبوا مثله وعند وصولهم صد كلّ منهم «فَضُرِبَ بَيْنَهُمْ» وبين المؤمنين «بِسُورٍ» عظيم بدلالة التنكير فيه وهو لا أعظم منه في الآخرة كما يقولون الآن (سورماجينو) لا أعظم منه في الدّنيا وهو الذي عملته فرنسا وتحصنت به من أعدائها الألمان، وقد بالغوا في تحصينه حتى اتكلوا عليه وهو مهما كان في القوة فلا يشبه أو يقاس بسور الآخرة، لأن هذا قد يأتي يوم ينهار بنفسه أو بقوة الأعداء المحاربين لهم وهم الآن الألمان ولا ندري بعد ذلك من هم، أما ذاك فلأنه من أعمال الآخرة وهي بما فيها باقية ثابتة، وهذا

صفحة رقم 10

من أعمال الدّنيا وهي بما فيها فانية. وهذا السّور العظيم «لَهُ بابٌ» عظيم بنسبة عظمه «باطِنُهُ فِيهِ الرَّحْمَةُ» الجنّة لأنها من رحمة الله «وَظاهِرُهُ مِنْ قِبَلِهِ الْعَذابُ» (١٣) النّار لأنها من عذاب الله، فلما رأى ذلك المنافقون صاروا «يُنادُونَهُمْ» أي المؤمنين يقولون لهم «أَلَمْ نَكُنْ مَعَكُمْ» في الدّنيا «قالُوا بَلى وَلكِنَّكُمْ» أيها المنافقون «فَتَنْتُمْ أَنْفُسَكُمْ» فيها بالكفر «وتماديتم في الطّغيان وَتَرَبَّصْتُمْ» تأخرتم عن الإيمان والتوبة «وَارْتَبْتُمْ» في نبوة محمد وكتابه في هذا اليوم «وَغَرَّتْكُمُ الْأَمانِيُّ» الباطلة التي كنتم تنتظرونها أن تقع بالمؤمنين «حَتَّى جاءَ أَمْرُ اللَّهِ وَغَرَّكُمْ بِاللَّهِ الْغَرُورُ» (١٤) الشيطان بخداعه حتى متم على ما كنتم عليه من النّفاق «فَالْيَوْمَ لا يُؤْخَذُ مِنْكُمْ فِدْيَةٌ» عن أنفسكم مثل الدّنيا إذ يجوز فيها الفداء عن النّفس بالمال، لأن حالة الآخرة غير حالة الدّنيا ولا يقبل منكم الآن إيمان أيضا ولا توبة لفوات وقتهما «وَلا» يقبل أيضا فدية ولا توبة «مِنَ الَّذِينَ كَفَرُوا مَأْواكُمُ» أنتم أيها المنافقون والكافرون والمشركون «النَّارُ هِيَ مَوْلاكُمْ» جميعا لأنكم في الكفر سواء، وعذابكم مختلف، المنافق أشد من الكافر، والكافر أخف من المشرك، فهي دركات متفاوتة كما أن الجنّة درجات يا لها من درجات متفاوتة أيضا، يقول أهلها حينما يرى أولئك الخبثاء ادخلوها فهي مثواكم «وَبِئْسَ الْمَصِيرُ» (١٥) النار لأهلها، قال تعالى بعد هذا البيان لذي بينه من أحوال أهل الجنّة وأهل النّار «أَلَمْ يَأْنِ لِلَّذِينَ آمَنُوا» بألسنتهم «أَنْ تَخْشَعَ قُلُوبُهُمْ لِذِكْرِ اللَّهِ» المتلو عليهم فيؤمنوا إيمانا حقيقيا خالصا محضا تنشرّ به قلوبهم عن رغبة ويقين، لأن الايمان إذا لم تخالط بشاسته الظّاهرة اعتقادا جازما وإيقانا قلبيا لا يعتد به ولا ينفع به صاحبه لهذا يقول الله تعالى أما حان لهم أن يخشعوا لذكري «وَ» يخضعوا إلى «ما نَزَلَ مِنَ الْحَقِّ» على رسولهم من قبلي بعد ما أرادوا من الآيات البينات الموجبة لخشوعهم وخضوعهم، ألا فلينقادوا ويخبتوا
«وَلا يَكُونُوا كَالَّذِينَ أُوتُوا الْكِتابَ مِنْ قَبْلُ» إرسال الرّسول إليهم وإنزال الكتاب عليهم وهم اليهود والنّصارى الّذين سوّفوا وأسرفوا «فَطالَ عَلَيْهِمُ الْأَمَدُ» فيما بينهم وبين

صفحة رقم 11

أنبيائهم حتى زالت عنهم الرّوعة التي كانوا يجدونها عند سماع تلاوة كتابهم، وقد خلت قلوبهم من الخشوع الذي كانوا يحسون به فاتبعوا الأهواء «فَقَسَتْ قُلُوبُهُمْ» فلم يبق يؤثر فيها الوعظ ولا التذكير «وَكَثِيرٌ مِنْهُمْ فاسِقُونَ» (١٦) متجاوزون حدود الله بسبب تلك القسوة التي ألبست قلوبهم فمنعتها من أن تخضع لسماع ذكر الله، فيا أيها النّاس «اعْلَمُوا أَنَّ اللَّهَ يُحْيِ الْأَرْضَ بَعْدَ مَوْتِها» كما أنه يحيي الإنسان والحيوان بعد الموت فلأن يحيي القلوب التي أماتتها القسوة من باب أولى إذا رجعت إلى الله وأنابت إليه «قَدْ بَيَّنَّا لَكُمُ الْآياتِ» الدالة على ذلك فيما تقدم من الذكر وفصّلنا لكم كيفية إحياء الأرض الميتة بالمطر، وإحياء القلوب بالذكر «لَعَلَّكُمْ تَعْقِلُونَ» (١٧) حكمتنا فتركنون إليها وتعملون بما يفضي إليها، قال الكلبي ومقاتل إن هذه الآية نزلت في المنافقين، وذلك أنهم قالوا لسلمان الفارسي حدثنا في التوراة، فنزل أولا نحن نقص عليك أحسن القصص الآية الثالثة من سورة يوسف ج ٢، فكفوا عنه، ثم سألوه ثانيا فأنزل الله (اللَّهُ نَزَّلَ أَحْسَنَ الْحَدِيثِ) الآية ٢٣ من الزمر ج ٢ أيضا، ثم سألوه ثالثا فنزلت هذه الآية. قال محمود الآلوسي رحمه الله يكاد يصح نزولها في المنافقين، ثم صوّب نزولها في المؤمنين حينما قدموا المدينة وأصابوا لين العيش وفتروا عما كانوا عليه من العبادة، فعوتبوا فى هذه الآية على رأس ثلاث عشرة سنة من نزول القرآن. وعليه يكون نزول هذه الآية بالسنة الأولى من الهجرة، فتكون من أول ما نزل في المدينة، وليس بسديد، لأن أول ما نزل سورة البقرة وبعدها الأنفال فآل عمران فالأحزاب إلخ ما أثبتناه هنا، أو الثالثة عشرة من البعثة التي هي آخر نزول القرآن في مكة فتكون السّورة أو الآية وحدها مكية وليس كذلك لأن السّورة كلها مدنية نزلت في المدينة يوم الثلاثاء في السّنة السّابعة من الهجرة ووضعت في محلها من القرآن بإشارة من الرّسول ودلالة من الأمين جبريل عليهما الصلاة والسّلام وفاقا لما هو عند الله في لوحه المحفوظ وعلمه الأزلي، لذلك يبعد الركون إلى ما صوبه الآلوسي رحمه الله. قال تعالى «إِنَّ الْمُصَّدِّقِينَ وَالْمُصَّدِّقاتِ» الّذين صدقوا الله ورسوله وكتابه وتصدقوا بفضول أموالهم «وَأَقْرَضُوا اللَّهَ

صفحة رقم 12
بيان المعاني
عرض الكتاب
المؤلف
عبد القادر بن ملّا حويش السيد محمود آل غازي العاني
الناشر
مطبعة الترقي - دمشق
الطبعة
الأولى، 1382 ه - 1965 م
عدد الأجزاء
1
التصنيف
التفسير
اللغة
العربية