آيات من القرآن الكريم

تَرْجِعُونَهَا إِنْ كُنْتُمْ صَادِقِينَ
ﯻﯼﯽﯾﯿ ﰁﰂﰃﰄﰅ ﭑﭒﭓ ﭕﭖﭗ ﭙﭚﭛﭜ ﭞﭟﭠﭡ ﭣﭤﭥﭦ ﭨﭩﭪﭫ ﭭﭮﭯﭰ ﭲﭳﭴ ﭶﭷﭸﭹﭺﭻﭼ ﭾﭿﮀﮁﮂ ﮄﮅﮆﮇ

إذا سقيت ضيوف الناس محضا سقوا أضيافهم شبما زلالا
وسقي بعض العرب فقال أنا لا أشرب إلا على ثميلة، ولهذا قدّمت آية المطعوم على آية المشروب» والثميلة: اللبن الخالص.
ونعود إلى بيت أبي العلاء فنقول هو من قصيدة يمدح بها سعد الدولة أبا الفضائل، وعيب عليه حيث مدح بسقي الضيوف الماء قبل ذكر الطعام والمخض اللبن المنزوع زبده فهو بمعنى الممخوض ويروي محضا بالحاء المهملة أي خالصا حلوا أو حامضا والشبم البارد والزلال العذب.
هذا وحيث جعل علماء البلاغة للمقام مدخلا في الدلالة على المراد نقول إن معنى البيت إذا عجّلت الناس اللبن لأضيافهم واكتفوا به عن الإسراع بالطعام عجّلوا هم بالطعام لاستعدادهم للضيفان فيحتاجون لشرب الماء فيسقونهم ماء قبل إطعام غيرهم الضيفان فسقيهم الماء يفيد تعجيل الطعام قبله بمعونة المقام لأنه يلزمه عادة فلا عيب فيه.
٢- وفي هذه الآيات أيضا فن التسهيم وهو أن يكون ما تقدم من الكلام دليلا على ما يتأخر منه أو بالعكس، فقوله «أفرأيتم ما تحرثون» إلى قوله «أفرأيتم النار التي تورون» تقتضي أوائل هذه الآيات أن أواخرها اقتضاء لفظيا ومعنويا كما ائتلفت الألفاظ فيها بمعانيها المجاورة الملائم بالملائم والمناسب بالمناسب لأن ذكر الحرث يلائم ذكر الزرع والاعتداد بكونه سبحانه لم يجعله حطاما ملائم لحصول التفكّه به وعلى هذه الآية يقاس نظم أختها.
[سورة الواقعة (٥٦) : الآيات ٧٥ الى ٨٧]
فَلا أُقْسِمُ بِمَواقِعِ النُّجُومِ (٧٥) وَإِنَّهُ لَقَسَمٌ لَوْ تَعْلَمُونَ عَظِيمٌ (٧٦) إِنَّهُ لَقُرْآنٌ كَرِيمٌ (٧٧) فِي كِتابٍ مَكْنُونٍ (٧٨) لا يَمَسُّهُ إِلاَّ الْمُطَهَّرُونَ (٧٩)
تَنْزِيلٌ مِنْ رَبِّ الْعالَمِينَ (٨٠) أَفَبِهذَا الْحَدِيثِ أَنْتُمْ مُدْهِنُونَ (٨١) وَتَجْعَلُونَ رِزْقَكُمْ أَنَّكُمْ تُكَذِّبُونَ (٨٢) فَلَوْلا إِذا بَلَغَتِ الْحُلْقُومَ (٨٣) وَأَنْتُمْ حِينَئِذٍ تَنْظُرُونَ (٨٤)
وَنَحْنُ أَقْرَبُ إِلَيْهِ مِنْكُمْ وَلكِنْ لا تُبْصِرُونَ (٨٥) فَلَوْلا إِنْ كُنْتُمْ غَيْرَ مَدِينِينَ (٨٦) تَرْجِعُونَها إِنْ كُنْتُمْ صادِقِينَ (٨٧)

صفحة رقم 445

اللغة:
(بِمَواقِعِ النُّجُومِ) بمساقطها ومغاربها وقيل بمنازلها وقيل بانكدارها وانتثارها وسيأتي مزيد تفسير لها في باب الإعراب.
(مُدْهِنُونَ) قال الراغب: «والإدهان في الأصل مثل التدهين لكن جعل عبارة عن المداراة والملاينة وترك الجدّ» وقال المؤرج: المدهن المنافق أو الكافر الذي يلين جانبه ليخفي كفره، والإدهان والمداهنة التكذيب والنفاق وأصله اللين وأن يضمر خلاف ما يظهر.
الإعراب:
(فَلا أُقْسِمُ بِمَواقِعِ النُّجُومِ) الفاء استئنافية ولا زائدة والمعنى فاقسم ولا تزاد في القسم فيقال لا والله ولا أفعل قال امرؤ القيس:

لا وأبيك ابنة العامري لا يدعي القوم أني أفر
والمعنى وأبيك وإنما زيدت للتأكيد وتقوية الكلام. وقيل نافية.

صفحة رقم 446

والمنفي محذوف وهو كلام الكافر والجاحد تقديره فلا صحة لما يقول الكافر ثم ابتدأ فقال أقسم، وقيل هي لام الابتداء دخلت على جملة من مبتدأ وخبر وهي أنا أقسم كقولك لزيد منطلق ثم حذف المبتدأ فاتصلت اللام بخبره تقديره فلأقسم باللام فقط، وقال أبو حيان: والأولى عندي أنها لام أشبعت فتحتها فتولدت منها ألف كقوله «أعوذ بالله من العقارب» وسيرد مزيد من هذا البحث في كتابنا، وأقسم فعل مضارع مرفوع وفاعله مستتر تقديره أنا وبمواقع النجوم متعلقان بأقسم (وَإِنَّهُ لَقَسَمٌ لَوْ تَعْلَمُونَ عَظِيمٌ) الواو اعتراضية وإن واسمها واللام المزحلقة وقسم خبرها ولو شرطية وتعلمون فعل مضارع مرفوع وعظيم صفة قسم وجملة لو تعلمون معترضة بين الموصوف وصفته وجملة إنه لقسم لو تعلمون عظيم لا محل لها لأنها معترضة بين القسم وجوابه فهما اعتراضان متعاقبان وجواب لو محذوف والتقدير لو كنتم من ذوي العلم لعلمتم (إِنَّهُ لَقُرْآنٌ كَرِيمٌ) الجملة جواب القسم لا محل لها وإن واسمها واللام المزحلقة وقرآن خبر إنه وكريم صفة أولى لقرآن (فِي كِتابٍ مَكْنُونٍ) في كتاب صفة ثانية لقرآن ومكنون صفة لكتاب (لا يَمَسُّهُ إِلَّا الْمُطَهَّرُونَ) لا نافية ويمسّه فعل مضارع ومفعوله وإلا أداة حصر والمطهرون فاعل يمسّه والجملة صفة ثالثة لقرآن، وقيل لا ناهية ويمسّه فعل مضارع مجزوم بلا ولكنه لما أدغم حرّك آخره لأجل الإدغام وكانت الحركة ضمة اتباعا الهاء ولا داعي لهذا التكلف فالأولى ما ذكرناه وهو الأشبه بتناسق الصفات ويؤيد ما ذهبنا إليه قراءة عبد الله بن مسعود ما يمسّه بما النافية وفي مسّه كناية عن لازمه وهي نفي الاطّلاع عليه وعلى ما فيه (تَنْزِيلٌ مِنْ رَبِّ الْعالَمِينَ) صفة رابعة ومن رب العالمين نعت لتنزيل (أَفَبِهذَا الْحَدِيثِ أَنْتُمْ مُدْهِنُونَ) الهمزة للاستفهام الإنكاري التوبيخي، والفاء عاطفة وبهذا متعلقان بمدهنون والحديث بدل من اسم الإشارة وأنتم مبتدأ ومدهنون خبر (وَتَجْعَلُونَ رِزْقَكُمْ أَنَّكُمْ تُكَذِّبُونَ) الواو حرف عطف

صفحة رقم 447

وتجعلون رزقكم فعل مضارع والواو فاعل ورزقكم مفعول تجعلون الأول وأن واسمها وجملة تكذبون خبرها وأن وما في حيزها في موضع المفعول الثاني ولا بدّ من تقدير مضاف أي شكر رزقكم (فَلَوْلا إِذا بَلَغَتِ الْحُلْقُومَ) الفاء استئنافية ولولا حرف تحضيض بمعنى هلّا ولا يقع بعدها الفعل فيكون التقدير فلولا ترجعونها إذا بلغت الحلقوم فالعامل في إذا هو الفعل الواقع بعد لولا وهو ترجعونها، وبلغت فعل ماض وفاعله مستتر تقديره النفس أي إذا بلغت النفس الحلقوم عند الموت (وَأَنْتُمْ حِينَئِذٍ تَنْظُرُونَ)
الواو حالية وأنتم مبتدأ وحين ظرف أضيف إلى مثله وهو إذ والتنوين فيه عوض عن الجملة المضافة إليها أي إذا بلغت النفس الحلقوم وجملة تنظرون خبر أنتم وجملة وأنتم حينئذ تنظرون حال من فاعل بلغت (وَنَحْنُ أَقْرَبُ إِلَيْهِ مِنْكُمْ وَلكِنْ لا تُبْصِرُونَ) الواو حالية ونحن مبتدأ وأقرب خبر وإليه ومنكم متعلقان بأقرب والواو عاطفة ولكن مخفّفة مهملة للاستدراك ولا نافية وتبصرون فعل مضارع مرفوع من البصيرة أي العلم (فَلَوْلا إِنْ كُنْتُمْ غَيْرَ مَدِينِينَ تَرْجِعُونَها إِنْ كُنْتُمْ صادِقِينَ) الفاء عاطفة ولولا حرف تحضيض مؤكد للولا الأولى وإن شرطية وكنتم كان واسمها وغير مدينين خبر أي غير مجزيين بأن تبعثوا أي غير مبعوثين وترجعونها هو العامل في إذا فقدم الظرف على عامله المتعلق به الشرطان وهما إن كنتم غير مدينين وإن كنتم غير صادقين ومعنى تعلقهما به أنه جزاء لهما أي لكلّ منهم ففي الكلام قلب والمعنى هلّا ترجعونها إن نفيتم البعث صادقين في نفيه. وملخص الكلام: إن صدقتم في نفي البعث فردّوا روح المحتضر إلى جسده لينتفي عنه الموت فينتفي البعث.

صفحة رقم 448
إعراب القرآن وبيانه
عرض الكتاب
المؤلف
محيي الدين بن أحمد مصطفى درويش
الناشر
دار الإرشاد للشئون الجامعية - حمص - سورية ، (دار اليمامة - دمشق - بيروت) ، ( دار ابن كثير - دمشق - بيروت)
سنة النشر
1412 - 1992
الطبعة
الرابعة
عدد الأجزاء
1
التصنيف
التفسير
اللغة
العربية