
زيد «١» : معناه: تتفجعون، قال ع «٢» : وهذا كله تفسير لا يَخُصُّ اللفظة، والذي يخص اللفظةَ هو تطرحون الفكاهةَ عن أنفسكم، وقولهم: إِنَّا لَمُغْرَمُونَ قبله محذوف تقديره: يقولون، وقرأ عاصم الجَحْدَرِيُّ «٣» :«أَإنَّا لَمُغْرَمُونَ» بهمزتين على الاستفهام، والمعنى يحتمل أَنْ يكونَ: إنا لمغرمون من الغرام، وهو أَشَدُّ العذاب، ويحتمل: إنَّا لمحملون الغرم، أي: غرمنا في النفقةَ، وذَهَبَ زَرْعُنَا، وقد تَقَدَّمَ تفسيرُ المحروم، وأَنَّهُ الذي تبعد عنه مُمْكِنَاتُ الرزق بعد قُرْبها منه، وقال الثعلبيُّ: المحروم ضد المرزوق، انتهى، والْمُزْنِ: هو السحاب، والأجاج: أشدّ المياه ملوحة، وتُورُونَ معناه:
تقتدحون من الأزند تقول: أوريتُ النارَ من الزِّنَادِ، والزنادُ: قد يكون من حجر وحديدة، ومن شجر، لا سيما في بلاد العرب، ولا سيما في الشجر الرَّخْوِ كالمَرَخِ والعفار والكلخ، وما أشبهه، ولعادة العرب في أزنادهم من شجر قال تعالى: أَأَنْتُمْ أَنْشَأْتُمْ شَجَرَتَها أي: التي تقدح منها أَمْ نَحْنُ الْمُنْشِؤُنَ نَحْنُ جَعَلْناها: يعني نار الدنيا تَذْكِرَةً للنار الكبرى، نارِ جهنم قاله مجاهد وغيره «٤»، والمتاع: ما يُنْتَفَعُ به، والمُقْوِينَ: في هذه الآية الكائنين في الأرض القَوَاءِ، وهي الفَيَافي، ومن قال معناه:
للمسافرين فهو نحو ما قلناه، وهي عبارة ابن عباس «٥» - رضي اللَّه عنه- تقول: أَقْوَى الرَّجُلُ: إذا دَخَلَ في الأرض القواء.
[سورة الواقعة (٥٦) : الآيات ٧٥ الى ٨٠]
فَلا أُقْسِمُ بِمَواقِعِ النُّجُومِ (٧٥) وَإِنَّهُ لَقَسَمٌ لَوْ تَعْلَمُونَ عَظِيمٌ (٧٦) إِنَّهُ لَقُرْآنٌ كَرِيمٌ (٧٧) فِي كِتابٍ مَكْنُونٍ (٧٨) لا يَمَسُّهُ إِلاَّ الْمُطَهَّرُونَ (٧٩)
تَنْزِيلٌ مِنْ رَبِّ الْعالَمِينَ (٨٠)
وقوله سبحانه: فَلا أُقْسِمُ بِمَواقِعِ النُّجُومِ الآية: قال بعض النحاة: «لا» زائدة،
(٢) ينظر: «المحرر الوجيز» (٥/ ٢٥١).
(٣) وقرأ بها الأعمش، وأبو بكر.
ينظر: «المحرر الوجيز» (٥/ ٢٤٩)، و «البحر المحيط» (٨/ ٢١١)، و «الدر المصون» (٦/ ٢٦٤)، و «حجة القراءات» (٦٩٧).
(٤) أخرجه الطبري (١١/ ٦٥٦)، برقم: (٣٣٥١١)، وذكره البغوي (٤/ ٢٨٨)، وابن عطية (٥/ ٢٤٩)، وابن كثير في «تفسيره» (٤/ ٢٩٦)، والسيوطي في «الدر المنثور» (٦/ ٢٣٠)، وعزاه لهناد، وعبد بن حميد، وابن جرير، وابن المنذر.
(٥) أخرجه الطبري (١١/ ٦٥٦)، برقم: (٣٣٥١٤)، وذكره ابن عطية (٥/ ٢٥٠)، وابن كثير في «تفسيره» (٤/ ٢٩٧)، والسيوطي في «الدر المنثور» (٦/ ٢٣٠)، وعزاه لعبد بن حميد، وابن جرير، وابن المنذر، وابن أبي حاتم، وابن مردويه.

والمعنى: فأقسم، وزيادتها في بعض المواضع معروفة، وقرأ الحسن وغيره: «فَلأُقْسِمُ» من غير ألف، وقال بعضهم: «لا» نافية كأَنَّهُ قال: فلا صِحَّةَ لما يقوله الكفار، ثم ابتدأ:
أقسم بمواقع النجوم، والنجوم: هنا قال ابن عباس وغيره»
: هي نجوم القرآن وذلك أَنَّهُ روي أَنَّ القرآن نزل في ليلة القدر إلى سماء الدنيا، وقيل: إلى البيت المعمور جملة واحدة، ثم نزل بعد ذلك على النبي صلّى الله عليه وسلّم نُجُوماً مُقَطَّعَةً مدة من عشرين سنةً، قال ع «٢» : ويؤيده عودُ الضمير على القرآن في قوله: إِنَّهُ لَقُرْآنٌ كَرِيمٌ وقال كثير من المفسرين: بلِ النجوم هنا هي الكواكب المعروفة، ثم اختلف هؤلاء في مواقعها، فقيل:
غروبها وطلوعها، وقيل: مواقعها عند انقضاضها إثْرَ العفاريت.
[وقوله:] وَإِنَّهُ لَقَسَمٌ: تأكيد.
وقوله: لَوْ تَعْلَمُونَ: اعتراض.
وقوله: إِنَّهُ لَقُرْآنٌ كَرِيمٌ: هو الذي وقع القسم عليه.
وقوله: فِي كِتابٍ مَكْنُونٍ الآية: المكنون: المصون قال ابن عباس وغيره «٣» :
أراد الكتابَ الذي في السماء، قال الثعلبيُّ: ويقال: هو اللوح المحفوظ.
وقوله: لاَّ يَمَسُّهُ إِلَّا الْمُطَهَّرُونَ يعني: الملائكة، وليس في الآية على هذا التأويل تَعَرُّضٌ لحكم مَسِّ المصحف لسائر بني آدم، وقال بعض المتأولين: أراد بالكتاب مصاحِفَ المسلمين، ولم تكن يومئذ، فهو إخبار بغيب مضمنه النهي، فلا يَمَسُّ المصحفَ من بني آدم إلاَّ الطاهرُ من الكفر والحَدَثِ وفي كتاب رسول الله صلّى الله عليه وسلّم لعمرو بن حَزْمٍ: «لاَ يَمَسَّ القرآنَ إلاَّ طَاهِرٌ» «٤»، وبِهِ أخذ مالك، وقرأ سليمان «٥» : إِلَّا الْمُطَهَّرُونَ- بكسر الهاء-.
(٢) ينظر: «المحرر الوجيز» (٥/ ٢٥١).
(٣) أخرجه الطبري (١١/ ٦٥٩)، برقم: (٣٣٥٣٣)، وذكره ابن عطية (٥/ ٢٥١)، وابن كثير في «تفسيره» (٤/ ٢٩٨)، والسيوطي في «الدر المنثور» (٦/ ٢٣٢)، وعزاه لآدم، وعبد بن حميد، وابن جرير، وابن المنذر، والبيهقي في «المعرفة». [.....]
(٤) تقدم.
(٥) وقرأ بها أبان بن تغلب.
ينظر: «مختصر الشواذ» ص: (١٥٢)، و «المحرر الوجيز» (٥/ ٢٥٢)، و «البحر المحيط» (٨/ ٢١٤)، و «الدر المصون» (٦/ ٢٦٨).