
﴿ فَلاَ أُقْسِمُ بِمَوَاقِعِ الْنُّجُومِ ﴾ فيه وجهان :
أحدهما : أنه إنكار أن يقسم الله بشيء من مخلوقاته، قال الضحاك : إن الله لا يقسم بشىء من خلقه ولكنه استفتاح يفتتح به كلامه.
الثاني : أنه يجوز أن يقسم الخالق بالمخلوقات تعظيماً من الخالق لما أقسم به من مخلوقاته.
فعلى هذا في قوله :﴿ فَلاَ أُقْسِمُ ﴾ وجهان :
أحدهما : أن « لا » صلة زائدة، ومعناه أقسم.
الثاني : أن قوله :﴿ فَلاَ ﴾ راجع إلى ما تقدم ذكره، ومعناه فلا تكذبوا ولا تجحدوا ما ذكرته من نعمة وأظهرته من حجة، ثم استأنف كلامه فقال :﴿ أُقْسِمُ بِمَوَاقِعِ النُّجُومِ ﴾.
وفيها ستة أقاويل :
أحدها : أنها مطالعها ومساقطها، قاله مجاهد.
الثاني : إنتشارها يوم القيامة وإنكدارها، قاله الحسن.
الثالث : أن مواقع النجوم السماء، قاله ابن جريج.
الرابع : أن مواقع النجوم الأنواء التي كان أهل الجاهلية إذا مطروا قالوا : مطرنا بنوء كذا، قاله الضحاك، ويكون قوله :﴿ فلا أقسم ﴾ مستعملاً على حقيقته في نفي القسم بها.
الخامس : أنها نجوم القرآن أنزلها الله من اللوح المحفوظ من السماء العليا إلى السفرة الكرام الكاتبين في السماء الدنيا، فنجمه السفرة على جبريل عشرين ليلة، ونجمه جبريل على محمد ﷺ عشرين سنة، فهو ينزله على الأحداث في أمته، قاله ابن عباس والسدي.
السادس : أن مواقع النجوم هو محكم القرآن، حكاه الفراء عن ابن مسعود.
﴿ وَإِنَّهُ قَسَمٌ لَّوْ تَعْلَمُونَ عَظِيمٌ ﴾ فيه قولان :
أحدهما : أن القرآن قسم عظيم، قاله ابن عباس.
الثاني : أن الشرك بآياته جرم عظيم، قاله ابن عباس، والضحاك.
ويحتمل ثالثاً : أن ما أقسم الله به عظيم.
﴿ إِنَّهُ لَقُرْءَانٌ ﴾ يعني أن هذا القرآن كريم، وفيه ثلاثة أوجه :
أحدها : كريم عند الله.
الثاني : عظيم النفع للناس.
الثالث : كريم بما فيه من كرائم الأخلاق ومعالي الأمور.
ويحتمل أيضاً رابعاً : لأنه يكرم حافظه ويعظم قارئه.
﴿ فِي كِتَابٍ مَّكْنُونٍ ﴾ وفيه أربعة أقاويل :
أحدها : أنه كتاب في السماء وهو اللوح المحفوظ، قاله ابن عباس، وجابر بن زيد.
الثاني : التوراة والإنجيل فيهما ذكر القرآن وذكر من ينزل عليه، قاله عكرمة.
الثالث : أنه الزبور.
الرابع : أنه المصحف الذي في أيدينا، قاله مجاهد، وقتادة.
وفي ﴿ مَّكْنُونٍ ﴾ وجهان :
أحدهما : مصون، وهو معنى قول مجاهد.
الثاني : محفوظ عن الباطل، قاله يعقوب بن مجاهد.
ويحتمل ثالثاً : أن معانيه مكنونة فيه.
﴿ لاَّ يَمَسَّهُ إِلاَّ الْمُطَهَّرُونَ ﴾ تأويله يختلف بإختلاف الكتاب، فإن قيل : إنه كتاب في السماء ففي تأويله قولان :
أحدهما : لا يمسه في السماء إلا الملائكة المطهرون، قاله ابن عباس، وسعيد بن جبير.
الثاني : لا ينزله إلا الرسل من الملائكة إلى الرسل من الأنبياء، قاله زيد بن أسلم.
وإن قيل إنه المصحف الذي في أيدينا ففي تأويله ستة أقاويل :
أحدها : لا يمسه بيده إلا المطهرون من الشرك، قاله الكلبي.

الثاني : إلا المطهرون من الذنوب والخطايا قاله الربيع بن أنس.
الثالث : إلا المطهرون من الأحداث والأنجاس، قاله قتادة. الرابع : لا يجد طعم نفعه إلا المطهرون أي المؤمنون بالقرآن، حكاه الفراء.
الخامس : لا يمس ثوابه إلا المؤمنون، رواه معاذ عن النبي ﷺ.
السادس : لا يلتمسه إلا المؤمنون، قاله ابن بحر.
﴿ أَفَبِهَذَا الْحَدِيثِ أَنتُم مُّدْهِنُونَ ﴾ يعني بهذا الحديث القرآن الذي لا يمسه إلا المطهرون.
وفي قوله مدهنون أربعة تأويلات :
أحدها : مكذبون، قاله ابن عباس.
الثاني : معرضون، قاله الضحاك.
الثالث : ممالئون الكفار على الكفر به، قاله مجاهد.
الرابع : منافقون في التصديق به حكاه ابن عيسى، ومنه قول الشاعر :
لبعض الغشم أبلغ في أمور | تنوبك من مداهنة العدو |
أحدها : أنه الإستسقاء بالأنواء وهو قول العرب مطرنا بنوء كذا، قاله ابن عباس ورواه علي بن أبي طالب عن النبي ﷺ.
الثاني : الاكتساب بالسحر، قاله عكرمة.
الثالث : هو أن يجعلوا شكر الله على ما رزقهم تكذيب رسله والكفر به، فيكون الرزق الشكر، وقد روي عن علي أن النبي ﷺ قرأ :﴿ وَتَجْعَلُونَ شُكْرَكُم أَنَّكُم تُكَذِّبُونَ ﴾.
ويحتمل رابعاً : أنه ما يأخذه الأتباع من الرؤساء على تكذيب النبي ﷺ والصد عنه. صفحة رقم 228