
والعنْق. وتفسير النزاع قد ذكرناه في مواضع (١).
٥٧ - ﴿نَحْنُ خَلَقْنَاكُمْ فَلَوْلَا تُصَدِّقُونَ﴾.
ثم احتج عليهم في البعث بقوله: ﴿نَحْنُ خَلَقْنَاكُمْ﴾ قال مقاتل: خلقناكم ولم تكونوا شيئًا وأنتم تعلمون ذلك (٢) (فَلَوْلَا) فهلا (تُصَدِّقُونَ) بالبعث، ثم أخبر عن صنعه ليعتبروا فقال:
٥٨ - قوله تعالى: ﴿أَفَرَأَيْتُمْ مَا تُمْنُونَ﴾ ما تقذفون وتصبون في أرحام النساء من النطف، وذكرنا الكلام في الإمناء عند قوله: ﴿مِنْ نُطْفَةٍ إِذَا تُمْنَى﴾ [النجم: ٤٦].
٥٩ - ﴿أَأَنْتُمْ تَخْلُقُونَهُ﴾ ما تمنون بشرًا ﴿أَمْ نَحْنُ الْخَالِقُونَ﴾ احتج عليهم في البعث بالقدرة على ابتداء الخلق.
٦٠ - قوله تعالى: ﴿نَحْنُ قَدَّرْنَا بَيْنَكُمُ الْمَوْتَ﴾ وقرأ ابن كثير: (قَدَرْنَا) مخففًا وهما لغتان قدرت الشيء وقدرته (٣)، ويدل عليه قوله (٤):
ومفرهةٍ عنسٍ قدرت لساقها | فخرَّت كما تتابع الريحُ بالقفل |
(٢) انظر: "تفسير مقاتل" ١٣٩ أ.
(٣) قرأ ابن كثير ﴿قَدَرْنَا﴾ بتخفيف الدال، والباقون بتشديدها.
انظر: "حجة القراءات" ص ٦٩٦، و"النشر" ٢/ ٣٨٣، و"الإتحاف" ص ٤٠٨.
(٤) البيت لأبي ذؤيب الهذلي. انظر: "ديوان الهذليين" ١/ ٣٨، ورواية ديوان الهذليين (لرجلها) بدل (ساقها)، و"الحجة" ٥/ ٤٨.
والمفرهة: الناقة التي تجيء بأولاد فوارة. والعنس: الصلبة الشديدة. قدرت: هيأت. القفل: ما جف من ورق الشجر.

المعنى: قدررت ضربي لساقها فضربتها فخرت. قال ابن عباس: يريد الآجال (١). قال مقاتل: فمنكم من يموت كبيرًا ومنكم من يموت صغيرًا وشابًا وشيخًا (٢)، وقال الضحاك: تقديره أنه جعل أهل السماء وأهل الأرض فيه سواء شريفهم ووضيعهم (٣)، وعلى هذا يكون معنى (قَدَّرْنَا) قضيناه.
قوله تعالى: ﴿وَمَا نَحْنُ بِمَسْبُوقِينَ﴾ يريد لا يفوتني شيء أريده، ولا يمتنع مني أحد. وهذه الآية متصلة بما بعدها وهو قوله تعالى: ﴿عَلَى أَنْ نُبَدِّلَ أَمْثَالَكُمْ﴾ وعلى من صلة معنى مسبوقين لا من صلة اللفظ، لا يقال: سبقته على كذا، إنما يقال: إلى كذا، ولكن يقال: غلبته على كذا، ويكون مثل سبقته إليه. قال المفسرون: على أن نأتي بخلق مثلكم بدلاً منكم (٤).
قال أبو إسحاق (٥): أي إن أردنا أن نخلق خلقًا غيركم لم يسبقنا سابق ولا يفوتنا ذلك (٦).
قوله تعالى: ﴿وَنُنْشِئَكُمْ فِي مَا لَا تَعْلَمُونَ﴾ قال ابن عباس: يريد في غير حليتكم (٧) إلى ما أسمج (٨) منها (٩).
(٢) انظر: "تفسير مقاتل" ١٣٩ أ، و"معالم التنزيل" ٤/ ٢٨٧.
(٣) انظر: "الوسيط" ٤/ ٢٣٧، و"تفسير القرآن العظيم" ٤/ ٢٩٥.
(٤) انظر: "جامع البيان" ٢٧/ ١١٣، و"معالم التنزيل" ٤/ ٢٨٧.
(٥) انظر: "معاني القرآن" ٥/ ١١٤.
(٦) (ذلك) ساقطة من (ك) انظر: "معاني القرآن" للزجاج ٥/ ١١٤.
(٧) كذا في (ك): ولعلها (خلقتكم).
(٨) سَمُجَ الشيء: قبح يسمج سماجة إذا لم يكن فيه ملاحة. "اللسان" ٢/ ١٩٧ (سمج).
(٩) لم أجده.

وقال مقاتل: ونخلقكم في سوى خلقكم مما لا تعلمون من الصور (١)، من أي خلق شئنا، ونحو هذا قال مجاهد والسدي (٢)، وقال الحسن: نبدل صفاتكم ونجعلكم قردة وخنازير كما فعلنا بمن كان قبلكم (٣).
وهذه الأقوال كلها تدل على المسخ، وعلى أنه لو شاء أن يبدلهم بأمثالهم من بني آدم قدر، ولو شاء أن يمسخهم في غير صورتهم قدر.
وقال أبو إسحاق: إن أردنا أن نجعل منكم القردة والخنازير لم نسبق ولا فاتنا ذلك (٤).
وقال بعض أهل المعاني: هذا على النشأة الثانية يكونها الله في وقت لا يعلمه العباد ولا يعلمون كيفيته كما علموا الإنشاء الأول من جهة التناسل (٥)، ويكون التقدير على هذا وما نحن بمسبوقين على أن ننشئكم في وقت لا تعلمون يعني وقت البعث، وتكون هذه الآية متصلة بما بعدها وهو قوله تعالى: ﴿وَلَقَدْ عَلِمْتُمُ النَّشْأَةَ الْأُولَى﴾ يعني لا تعلمون ذلك ولقد علمتم هذه كيف كانت وهذا الوجه اختيار الحسين بن الفضل (٦).
قوله: ﴿فَلَوْلَا تَذَكَّرُونَ﴾ والمعنى: قد علمتم ابتداء الخلق حين خلق من نطفة وعلقة ومضغة فلم تنكرون البعث، وروي مرفوعًا: "عجبًا كل العجب
(٢) قال مجاهد: (في أي خلق شئنا). انظر: "جامع البيان" ٢٧/ ١١٤.
(٣) انظر: "معالم التنزيل" ٤/ ٢٨٧، و"الجامع لأحكام القرآن" ١٧/ ٣١٧.
(٤) انظر: "معاني القرآن" ٥/ ١١٤.
(٥) انظر: "الجامع لأحكام القرآن" ١٧/ ٢١٧.
(٦) لم أقف عليه.